أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 15th April,2000العدد:10061الطبعة الأولىالسبت 10 ,محرم 1421

مقـالات

هاء، همزة، ميم، عين
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
هو ملكي بفتح اللام :
قال أبو عبدالرحمن: سمعت بعض السَّرِيِّين الفضلاء العلماء في خطبة له نفيسة يكرر كسر اللام في النسبة إلى مَلِك؛ فيقول: صاحب السمو الملكي بكسر اللام,, والصواب ما جرى عليه الناس من فتح اللام في النسب الى مَلِك؛ فيقال الملَكي بفتح اللام,, والسر في ذلك أن الثلاثي المكسور وسطه يجب تخفيفه بفتح الكسرة في النسب سواء أكان أوله مضموماً، أم مكسوراً، أم مفتوحاً,, قال ابن مالك.


وَأَولِ ذا القلبِ انفتاحاً وَفَعِل
وفُعِلٌ عينهما افتح وَفِعِل

* * *
أخطر من نون النسوة ,,,!!:
قال الزبيدي: العرب تكني عن المرأة بالعتبة، والنعل، والقارورة، والبيت، والدمية، والغل، والقيد، والريحانة، والقوصرة، والشاة، والنعجة (1) .
قال أبو عبدالرحمن: الكناية عمل أدبي، وليست نقلاً لغوياً له صفة الثبات، ولا يضير لغتنا أن نلغي كنايات همجية كالنعل؛ فحق بنات حواء أن يكن رياحين ووروداً ، ومتقاسمات هموم وأعباء,, والرجل بدون امرأة صالحة لا يساوي فلسا الا ان يكون مثل أبي العلاء,, هذا عن جنس المرأة,, أما بعض النساء الشريرات فيصغر في حقهن كل كناية قبيحة.
* * *
مَن يُرشد الحائر:
ها هنا كلام أنقله عن عالم إمام جليل ليس علمه ولا عقله بالهيِّن اللين، وهو الإمام شمس الدين أبو عبدالله محمد بن قيم الجوزية (691 751ه),, قال رحمه الله تعالى: قال بعض الفضلاء بيتاً من الشعر يشتمل على أربعين ألفاً وثلاث مئة وعشرين بيتاً من الشعر، وهو لزين الدين المقري:


لقلبي حبيب مليح ظريف
بديع جميل رشيق لطيف

وبيان ذلك أن هذا البيت ثمانية أجزاء يمكن أن ينطق بكل جزء من أجزائه مع الجزء الآخر، فتنتقل كل كلمة ثمانية انتقالات، فالجزآن الأولان لقلبي حبيب يتصور منهما صورتان بالتقديم والتأخير.
ثم خذ الجزء الثالث فيحدث منه مع الأولين ست صور؛ لأن له ثلاثة أحوال تقديمه عليهما وتأخيره وتوسطه ولهما حالان فاضرب أحواله في الحالين يكن ستة.
ثم خذ الجزء الرابع، وله أربعة أحوال فاضربها في الصور المتقدمة وهي الستة التي لما قبله تكن أربعة وعشرين.
ثم خذ الخامس تجد له خمسة أحوال فاضربها في الصور المتقدمة وهي أربعة وعشرين تكن مئة وعشرين.
ثم خذ السادس تجد له ستة أحوال فاضربها في مئة وعشرين تكن سبع مئة وعشرين.
ثم خذ السابع تجد له سبعة أحوال فاضربها في سبع مئة وعشرين تكن خمسة آلاف وأربعين.
ثم خذ الثامن تجد أحواله ثمانية فاضربها في خمسة آلاف وأربعين تكن أربعين ألفاً وثلاث مئة وعشرين بيتاً فامتحنها تجدها كذلك, ومثله لي قلته في القدس:


محب صبور غريب فقير
وحيد ضعيف كتوم حمول (2)

قال أبو عبدالرحمن: أرى بعقلي القاصر انه محال محال محال,, إلى ما لا حصر له من تأكيد المحال أن يتكون من ثماني كلمات (40320) بيتاً بجعل البيت من جزأين ومن ثلاثة ومن أربعة، وبكل ما أمكن من تقديم وتأخير.
والوهم الأصلع في كلمات: اضرب 4x6، و5x24 و6x120، و7x720، و8x5040,, فهذا الضرب لا معنى له ، ولا يضيف أبياتاً جديدة.
قال أبو عبدالرحمن: أدعو ذوو العقول والمهارة الشعرية إلى سرد 40320 بيتا كل بيت مكون من الكلمات الثمان أو بعضها، والله على كل شيء قدير.
* * *
العباس وفوز:
يقول لنا الشاعر المليح الوديع الذي ليس له ليلى يغني عليها غير فوز، وهو أبو الفضل العباس بن الاحنف بن الأسود العدوي الحنفي اليمامي ( 192ه): إنه قلق في نومه كأن على مرقده قتاداً، وهو ذو شوك كالإبر:


تجافى مِرفقاي عن الوسادِ
كأن به منابتَ للقتادِ

قال أبو عبدالرحمن: آلام القتاد جسمية، وآلام العُشَّاق نفسية، ولم يُحَوِّل ألم القتاد إلى رمز يدل على ألم نفسي على طريقة الرمزيين في تراسل الحواس,, هذه واحدة فاحفظوها,, ثم يقول:


فيامن يشتري أرقاً بنوم
فيسلب عينه ثوب الرقاد

فهذه أمنية ، وعرض على من لا يملك شراأً وبيعاً؛ فليس هناك ندرة معنى، أو لفتة فكرية، ولا إيحاء بحزن دفين.
وكرر البيت الأول غير مضيف إلا طول ليلِ المُسَهَّد،وهذا أمر استهلكه العشاق والمتعشِّقون؛ ولكنه لطَّف الوضع بالاستعارة للعين والسهاد بالرسوِّ والبحر؛ فقال:


تطاول بي سهاد الليل حتى
رست عيناي في بحر السهاد

وأخبرنا أن عبراته الغزيرة نابعة من الفؤاد؛ فهذا إخبار تقريري ليس فيه شيء من الإيحاء، ولكنه رفع مستوى هذا التقرير بمبالغة عن تجافي جفونه عن التلاقي,, وهي مع هذا مبالغ لا بعد في ابتكارها، وهي أيضا تقرير لا إيحاء، قال:


وباتت تمطر العبرات عيني
وعين الدمع تنبع من فؤادي
كأن جفون عيني قد تواصت
بأن لا تلتقي حتى التنادي

وكرر البيت الثاني بمعنى معاكس، فهو كان يسشتري الرقاد النافع بالسهاد الضار، وأما هذه المرة فسيغلي الرقاد على العباد,, وكل ذلك من الأماني التقريرية بلا إيحاء، ولا عنصر عقلي، ولا جيشان عاطفي نشعر به ولا نتلقاه بجملة خبرية,, قال:


فلو أن الرقاد يُباع بيعاً
لأغليت الرُّقاد على العباد

وتغنى بتعثُّر الوصال بمعان أيضاً تقريرية مستهلكة، وهناك ملحظ سأذكره بعد الأبيات,, قال:


لعمرك ما هناَّك قدومُ فوزٍ
ولا جادت عليك بطيب زاد
يُجَدَّدُ صَرمُها في كل يوم
ولكن لا يطول به التمادي
ولو جَدَّ القِلي لرحلتُ عنها
ولم نسكن جيعاً في بلاد
مخافةَ أن يقول الناس إنا
ختمنا الودَّ منا بالفساد

قال أبو عبدالرحمن: ربما توهم متوهم أن التعليل بالبيت الأخير مناقض للبيت المعلَّل ، ووجه ذلك أن المخافة تكون عند الإقامة لا الرحيل,, إلا أن ملحظ العباس أبعد من ذلك؛ فالإقامة مع القِلى داعيان لقول الناس الذي ذكره؛ فإذا رحل لم يشعر الناس بالقلى.
وكرر البيت الثاني من الأبيات الأربعة المذكورة آنفاً؛ فإذا بنفس الأسلوب التقريري؛ فقال:


وكانت بالحجاز فكنت أرجو
لرجعَتها محافظة الوداد
ولو خفتُ القطيعة حيث حلَّت
رضيت بأن تقيم على البعاد

وبأسلوب تقريري يعبر عن حزنه بَعدَ فوزٍ واغترابه، ويعلل الغربة بضياع ولائه (3) لها ,, قال:


فيا حزني لنفسي بعد فوز
ويا طول اغترابي وانفرادي
كأني لم أخض غمراتِ هول
لكالئها من اللحظات هادي
أُبادر دونها عجلان أمشي
رويدَ المشي مضطربَ النجاد

قال أبو عبدالرحمن: الكلاأة معروفة، وهي الحفظُ، لكن الشطر معقَّد غير بيِّن المراد,, وأسوأُ منه رواية: يكل لها من اللحظات هادي.
والرويد التمهل؛ فكيف يكون عجلان رويداً؟!
قال أبو عبدالرحمن: هو سريع الهبَّة من أجلها ,, مشى على عجل، ثم صار يتمهل لشدة الحذر في حراستها؛ ليرى من كل جهة، وهذا لا يتم إلا بمهل,, ثم ذكر أيام الصفاء قبل التغير بأسلوب عادي تقريري:


وكنا عاشِقَين ذَوَي صفاء
وَوَريِ في الجوانح ذي اتقاد
وكنا لا نبيت الدهر حتى
نكون من اللقاء على اتعاد
فغيَّرها الزمان وكل شيء
يصير إلى التغير والنفاد

وأقسم أبو الفضل بغير الله على صدق محبته لفوز، وساومها بنرجسية تقول: إن العِطاش إلى وصله كثيرات مع شحِّ فوز,, وما علق بها وترك البحر وراأه (4) يعني عاشقاته العطاش عن جهل,, ولم يبين عما ذا ترك البحر؟,, وعلى المتلقي أن يفهم بأن العباس مغرم بفوز غرم اضطرار؛ فلا خيار بعلم ولا بجهل للمضطر، وقد رشح للجواب بالقسم المذكور آنفاً,, يقول:


أما والراقصات بكل فج
تؤمُّ البيت في خَرقٍ ووادي
لقد ظفرت مودتكم بقلبي
فحلَّت في الشغاف وفي الفؤاد
ولو أني أشاء لواصلتني
ذوات حجى إلى وصلي صوادي
عقائل من بنات أبيك صُور
إليَّ ذوات عطف وانقياد
وما جهلاً تركتُ البحر خلفي
وجئتكم إلى مَصِّ الثماد

وما دام ترك البحر خلفه، ولم يكن ذلك عن جهل، بل لحب اضطراري: فقد كان يرجو من هذا التصرف الاضطراري أن يكون ولو في ثمادها مواساة له من تقلب الزمان,, يقول:


وقد قلَّب الزمان عليَّ يُمناً
وكان إلى شفاعتها اعتمادي

وختم باسلوب تقريري عن معنى مستهلك، وهو شماتة العذال, إلا أن العواذل هاهنا عاشقات مهجورات,, قال:


وباح بسري المكنون عيسى
فأصبح وهو من حدث الأعادي
وأصبحت العواشق شامتات
وكنت من العواشق في جهاد

قال أبو عبدالرحمن: لا تعجبوا من ضعف هذه القصيدة وعشرات غيرها مع أن العباس من حسنات أهل عصره؛ فقد بيَّن العلة الأصمعي لما سمع إحدى روائعه، وقد كان قبل ذلك يسمع أمثال هذه الدالية!!,, قال الأصمعي عن العباس: مازال هذا الفتى يدخل يده في جرابه؛ فلا يخرج شيئا,, حتى أدخلها فأخرج ذا,, ومن أدمن طلب شيء ظفر ببعضه ,, قال ذلك عن قول العباس:


أتأذنون لصبٍّ في زيارتكم
فعندكم شهوات السمع والبصر
لا يضمر السوأَ (5) إن طال الجلوس به
عف الضمير ولكن فاسق النظر

وفوز رمز تفاؤلي، وليس هو اسم محبوبته الحقيقي,, يقول العباس:


كتمتُ اسمها كتمان من صار عرضةَ
وحاذر أن يفشو قبيح التسمعِ
فسميتها فوزاً ولو بحت باسمها
لسمِّيت باسم هائل الذكر أشنعِ

* * *
الحواشي:
(1) تاج العروس 1/201 (مادة عتب).
(2) بدائع الفوائد 2/259 260 تحقيق بشير محمد عون/ مكتبة المؤيد بالرياض/ طبع مكتبة البيان بدمشق وبيروت سنة 1415ه ، و3/209 210 تحقيق معروف مصطفى زريق وزملائه ط دار الخير عام 1414ه.
(3) هذا هو الرسم المشهور، وهو صحيح؛ لمراعاة الحرف المناسب لحركتها,, ولو كتبت هكذا ولاإِه لكان صحيحاً أيضاً؛ لأنه بقاء على الأصل دون لبس,, ويسهل الإملاء على الناس كلما بقيت المحافظة على أصل النطق.
(4) توالي ألفين لا يُسوِّغ تغيير صورة الألف هي كتابتها على الألف ,, والبقاء على الأصل أنجح تعليم للرسم.
(5) الصواب معاملة الهمزة في مثل هذا الموضع كمعاملتها أول الكلمة وإن خالف ذلك الرسم الشائع,, والرسم الشائع تقليد متوارث تلقيناً قابل للغربلة فكراً من أجل تسهيل الإملاء.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved