| الاخيــرة
نعيش في عصر تنوعت فيه المشارب، وتباينت فيه وسائل تقديم المعلومات, وأخذ الفرد منا يقطف المعلومة كما يقطف الزهرة عبر قنوات التلفاز المتعددة، والإنترنت، والصحف والمجلات، ووسائل الاتصال الأخرى, كما تسابقت وسائل التقنية المختلفة على تقديم مضامين ترفيهية مختلفة من ألعاب رياضية متعددة، وأخرى عبر الحاسوب لا تكاد تحصر، وأصبحت الأفلام الوثائقية والتاريخية في متناول الفرد إينما كان.
في خضم هذا الكم الهائل من المناهل قد لا يعلم أو ينسى أو يتناسى البعض أن هناك منهلاً عذباً من المعرفة ومصدراً نقياً صافياً يكمن بين دفات أمهات الكتب مثل تاريخ الأمم للطبري، والبداية والنهاية لابن كثير، ومروج الذهب للمسعودي، وتاريخ البعقوبي، والعقد الفريد لابن عبدربه، وكتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني، ووفيات الأعيان لابن خلكان وغيرها كثير، هذه المناهل تضيف إلى القارئ ثروة أدبية وبلاغية ومعرفية هائلة، اضافة إلى أن فيها من الاستمتاع والسمو الفكري ما يبزُّ غيره من الوسائل المعاصرة رغم أهمية الاستفادة منها.
إن في دواوين الشعر القديم صورة بلاغية خلابة من تورية وجناس وطباق، ومعان صورت في أجمل حلة وأحلى رونق حتى بدت للقارئ أو المستمع نغماً يشنف الآذان، ونسيجاً من البديع يطرب الأفئدة، ويدغدغ الوجدان، ويسرح بالخيال بعيداً عن صخب المدنية وهمومها.
وفي الشعر من الحكم، وتجارب الرجال ما يختصر الكثير من الاجتهادات الفردية، كما أنه يقلل من اللولوة التي لابد منها لمن لا يكلّ ولا يملّ من العمل، ونجد ذلك في شعر مثل شعر امرئ القيس، وزهير بن أبي سلمى، ولبيد، وعنترة بن شداد، وعمرو بن كلثوم، وكعب بن زهير، وحسان بن ثابت بما فيها من حكم وصور رائعة، وجرير والفرزدق والأخطل مع ما في بعضها من هجاء بغيض، وكذلك شعر بشار بن برد وأبي نواس وابراهيم بن سهل وابن هانئ الأندلسي مع مافيه من مجون، والمتنبي وابن زيدون وابي فراس بما فيه من مديح وحكم وصور بديعية رائعة، والشريف الرضي بما فيه من شموخ وإباء.
والاستئناس والبديع ووصف الطبيعة مثل شعر البحتري والمعتمد بن عباد وابن حمديس.
ومن أراد أن ينهل من كتب العلوم الدينية العظيمة التي أنارت الطريق وبددت الظلام لبلايين الأجيال المتعاقبة من بني البشر فسيجد بغيته في تفسير الطبري وتفسير بن كثير، وتفسير القرطبي، وصحيح البخاري وصحيح مسلم، وباقي الستة الصحاح، وفتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، وشرح صحيح مسلم للإمام النووي وشرح السنة للبغوي، والمغني لابن قدامه الدمشقي، والمحلي لابن حزم الأندلسي، وكتابي الرسائل والأم للإمام الشافعي، والموطأ للإمام مالك.
هذا الإرث الكبير والكثير من العلوم الدينية والأدبية التي تزخر بها مكاتبنا تحتاج إلى بعض قراء يرون ذاتهم في الكتاب، وسعادتهم في قراءته، وضالتهم بين صفحاته, وأخشى ما أخشاه أن تأخذ التقنية بالألباب، بقدر لا يستطيع اللبيب معه أن يشرب من معين ذلك الزلال، ولا يحتسي القارئ من أنهر تدفقت في فترة من الزمن ثم جفت لمدة غير يسيرة، وعادت إلى الظهور في القرن الماضي والقرن الحاضر، وهو ظهور تجلت فيه توفر أمهات الكتب على أرفف المكتبات مع عدم توفر عدد من القراء يحقق الطموح اضافة إلى حاجة المعاصرين إلى رجال مبدعين وقادرين على اضافة المزيد من المعارف حتى تتواصل المنافع والمعارف عبر الأجيال.
|
|
|
|
|