| الثقافية
نزل البرد فجأة، أخذت أطرافي ترتعد من شدة البرد، شعرت بالقلم كقطعة من الثلج بين أصابعي، أطفأت السراج وتلفحت بملابس الشتاء الثقيلة، خيم الهدوء والظلام على الغرفة، ولم أعد اسمع سوى قهقهة الرياح وقرقعة النوافذ من حين لآخر، وصوت عقارب ساعة الحائط ترسل إيقاعها الرتيب تك تك تك هممت أن أنهض لإيقافها لولا شدة البرد وبعض الخواطر التي أخذت تداهمني، انتابني إحساس بالخوف والوحشة,, شعرت بالمرارة وأنا اتساءل عن جدوى هذه الوظيفة؟ عشر سنوات وأنا أغدو وأروح بلا طائل، لا بيت لا زوجة لا مال، البنت التي فسخ أهلها خطوبتها مني الآن أصبحت أماً لخمسة عيال.
عندما خطبتها قالت لي: انت الحب الوحيد في حياتي ومن غيرك لا استطيع الحياة، سأموت إذا تركتني، وعندما تركتني وتخلت عني قالت الحمد لله الذي أراحني من هذا الكابوس,.
وتذكرت صديقي خالد الذي لم يكمل تعليمه وانصرف مبكراً للأعمال الحرة وكيف الآن أصبح من الأثرياء وتذكرت صديقاً آخر قدم استقالته من وظيفة محترمة أراد أن يصبح مليونيرا مثله فأصبح متسولا، فطردت هذه الخاطرة واستعذت بالله من شرها.
وحلقت بي خاطرة أخرى أضحكتني كثيرا، خاطرة عام ألفين قالوا لنا يوم 1/1/2000م ان جميع الأجهزة التي تعمل بواسطة الكمبيوتر ستتوقف، الطائرات ان أقلعت ستسقط، الكهرباء ستقطع ويسود الظلام، الهواتف ستتعطل، المصارف ستصيبها الفوضى والشلل والأخطر من ذلك كله الصواريخ التي تحمل رؤوساء نووية قد تنطلق وتدمر كامل الكرة الأرضية، وأينما ذهبت وجدت الناس يتحدثون عن هذه المعضلة، بل بعض البسطاء من الناس أخذوا يسحبون أرصدتهم من البنوك ويخزنون المواد الغذائية تحسبا لهذا الظرف، ولكن ذلك اليوم المشؤوم مر بسلام ولم يحدث أي خلل في العالم، الطائرات اقلعت ولم تسقط، الكهرباء لم تقطع، المصارف ظلت تعمل كما كانت، كل شيء ظل يعمل كما هو لم يتعطل، واصبح هناك سؤال واحد يلح على الجميع أين الذي قالوا لنا ووعدونا بحدوثه، لا شك أن الجواب يعرفه ويعلمه كل الذين اشتروا أجهزة حاسوب جديدة وباعوا القديمة في الحراج.
تثاءبت عدة مرات وجفوني ترتخي رويدا رويدا للنوم وبعض الخواطر أخذت تطاردني، الشوارع وزحمة السيارات، الأسواق ومشاجرات الزبائن، قنوات التلفزة والإذاعات، عناوين الصحف ونشرات الأخبار, قفزت إلى ذهني عشرات الصور الدامية، المؤلمة والبشعة، القتل، البتر، الأشلاء المتناثرة على الأرض، الاغتصاب، الحرائق، الدمار، تراءت أمامي صور الشيوخ والنساء والأطفال مضرجين بالدماء لا حول ولا قوة إلا بالله.
بالأمس البوسنة وكسوفو واليوم الشيشان وغدا,.
أرسلت زفرة ساخنة ثم انكفأت على شقي الأيمن، أعدت أغطية البرد بإحكام واغمضت عيوني للنوم ومئات الأسئلة الحائرة تأسر قلبي وتزحم عقلي لماذا كل هذه الدماء؟
ولمصلحة مَن تزهق كل هذي الأرواح البريئة؟
نساء وأطفال وشيوخ رأيتهم بأم عيني يذبحون كما تذبح الخراف ولا أحد يحرك ساكنا,,!
ما ذنب هؤلاء المساكين الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ويتضورون من شدة الجوع والبرد؟
أين الإنسان وأين الإنسانية وأين الرحمة؟ وأي شريعة تسود هذا العالم؟ القوي فيه آكل والضعيف مأكول,,!! إنها شرعة الغاب إذ لا مكان اليوم في هذه الأرض للمساكين والضعفاء، اغرورقت عيوني بالدموع، أجهشت من شدة البكاء,, اللعنة عليك أيها الإنسان عندما تتحول لوحش أو حيوان كاسر يدوس بأرجله كل القيم والتقاليد والأعراف، مسحت دموعي وفركت عيوني بحرقة.
تذكرت عطف بعض بني الإنسان على الكلاب والقطط والحيتان وهم ينفقون على تربيتها ورعايتها الملايين وينادون بحقوق الحيوان بينما نفس الإنسان هو الذي يقتل ويشرد وينكل بأخيه الإنسان فاحتقرت ذاتي.
أزحت الغطاء قليلا واخرجت رأسي محدقا في عقارب ساعة الحائط، لم استطع أن أتبين أي شيء، لقد سكتت الريح تماما وتعالت دقات الساعة في الارتفاع تك تك تك,, لا تكاد تفارق سمعي إلا عندما تطغى عليها خشخشة أوراق اللبلاب على النافذة.
تنهدت طويلا وأنا أحاول جاهدا أن اطرد هذه الخواطر الدامية من ذهني, استعذت بالله واستغفرته وحشرت رأسي داخل الغطاء الثقيل بعد أن دعوت لكل المظلومين في الأرض ودعوت على كل الظالمين والقتلة، قرأت آية الكرسي والمعوذتين,, عدة مرات وأسلمت نفسي للنوم، حسبنا الله ونعم الوكيل.
أحمد موسى الطيب بطران الرياض
** (خواطر دامية),, قصة لم تتشكل معالمها بعد,, وكأنها جنين مشوه,, ملامح الفكرة غير واضحة,, الخوف من المصير والمجهول وروح التشاؤمية سائدة على النص,, بالإضافة إلى تناول الصديق لقضية مستهلكة وقد انتهى تاريخ صلاحية تناولها وهي مشكلة الكمبيوتر وعام 2000م,, إلا أننا واثقون من موهبتك التي ستقودك إلى كتابة نص جميل ذات يوم.
|
|
|
|
|