Sunday 9th April,2000 G No.10055الطبعة الاولى الأحد 4 ,محرم 1421 العدد 10055



إلى الشاعر العشماوي
حوّاك ليست شيئاً عاديّاً

اخي القارىء واختي القارئة,, هذه محاولة للتعبير عن انطباعي بعد ان تجولت في عالم عبدالرحمن العشماوي الشعري بقراءتي لديوانه البديع إلى حواء لقد كانت القراءة الثانية لهذا العمل الشعري الرائع بعد مرور اكثر من عام على القراءة الاولى لهذا الديوان الذي جاءني هدية من احدى زميلاتي في المدرسة التي ادرس فيها.
لقد كان سبب قراءتي الثانية لهذا الديوان هو اطلاعي على مقال نشرته جريدة الجزيرة يوم الثلاثاء 29/12/1420ه بعنوان نحن والشيشان بقلم عبدالرحمن العشماوي وهو مقال مؤثر جداً اختلط فيه الشعر بالنثر الجميل بصورة لانكاد نجدها إلا عند العشماوي، وقد اورد في هذا المقال صورة مشرقة لدور المرأة السعودية في البذل والعطاء ولدور الطالبة السعودية في التبرع للمسلمين المشردين في الشيشان وبعد قراءتي لهذا المقال احسست برغبة لقراءة ديوان إلى حواء .
ثم احسست برغبة شديدة في الكتابة عن هذا الديوان بعد انتهائي من قراءته فهي كتابة انطباعية وليست دراسة نقدية.
بين يدي الطبعة الثانية من الديوان الصادرة عام 1412ه من مكتبة العبيكان وهي طبعة انيقة ذات غلاف وردي تنطبع عليه صورة وردة متداخلة مع كلمة إلى حواء بشكل جميل.
الديوان كنز شعري يستحق القراءة والتركيز يحتوي على ستين قصيدة مابين قصيرة وطويلة.
يبدأ الديوان بقصيدة أماه، وبدايتها قوله:

أماه لاتيأسي فالله يرعانا
وفيض إحسانه في البؤس يغشانا
وينتهي الديوان بقصيدة سراج الأمل، وبدايتها قوله,.

خوضي بنا لجج الحياة فإنما
تسطو على المتقاعس الأمواجُ
وبين أول قصيدة وآخر قصيدة في ديوان الى حواء للعشماوي يجد القارىء كنزاً عظيماً من الوفاء والحب والحنان والسمو العاطفي الذي نحتاج إليه رجالاً ونساءً في عصر القنوات والإنترنت الذي يقول عنه شاعرنا القدير:

في عصرنا لوتعلمين مفاوز
هرم الزمان بها وفيه فجاجُ
سوق الفضيلة والكساد تحالفا
فيها وسوق رذيلةٍ ورواجُ
يامن يتوق إلى سمو غرامها
قلبي، ويصعب نحوها المعراجُ
ماكل خالٍ فوق خدِّ مليحةٍ
يحلو ولا كل النفوس تهاج
إن كان بعد المرء عن إيمانه
داء فإن القرب منه علاجُ
بهذا السمو العاطفي يصعد بنا شاعرنا إلى أعلىمراتب الشعر بعيدا عن آلام الحياة العصرية ومواجعها.
إني وجدت كقارئة في ديوان إلى حواء ما أراح نفسي وأثلج صدري وأشعرني أن الدنيا بخير، وأن شعرنا السعودي يحتوي على إبداعات تستحق التقدير والعناية والاهتمام بقراءتها وتعليمها لأبنائنا.
من أجمل مافي الديوان موقف الشاعر من أمه حفظها الله فهو يعرض شيئا من عاطفته الصادقة نحوها بصورة بديعة جدا توحي بما لها في حياته من أثر كبير وقد علمت من بعض اللقاءات الصحفية مع الشاعر أن والده توفي وهو صغير وأن والدته هي التي ربته مع إخوته ولاشك ان المرأة التي تحمل هذه العصامية جديرة بالاهتمام والتقدير منا جميعا وقد استطاع العشماوي في قصائده أن ينقل إلينا ذلك التصور العظيم.
ان بداية الديوان بقصيدة أماه دليل كبير على هذا, يقول شاعرنا عن أمه:

منك استقيت صمودي في الحياة فما
أعلنتُ يأساً، ولا أعلنتِ خذلانا
مضيت في رحلتي والقيظ ملتهب
فكنتِ ظلا على دربي وأغصانا
وكنتِ في ظلمتي نوراً اسير به
وفي صحارى الأسى وردا وريحانا
منكِ ابتدأت مسيري في الوجود ومن
ينبوع عطفك صار القلب ريانا
هكذا يقدم لنا الشاعر العشماوي شعوره العميق نحو والدته بهذه الصورة الشعرية الاخاذة، إن الشاعر اعطاني إحساسا بقيمة مسيرته الشعرية الثابتة واحاطني بجو من المشاعر الصادقة التي ملأت نفسي بالسعادة والإحساس بالتسامي وهو إحساس لايملك قارىء ديوان الى حواء إلا أن يشعر به بعمق وقوة، وقد أكدت لي زميلتي التي أهدت إلي هذا الديوان هذا الشعور الذي ذكرته.
الشعر في هذا الوقت كثير، والشعراء يعدون بالآلاف، والصحف والمجلات والإذاعات والقنوات تنقل للناس مئات القصائد،ولكن الجيد الذي يستحق التقدير من الشعر المعاصر قليل، والمتميز اقل ، ولاشك ان في مقدمة المتميز شعر العشماوي يقول العشماوي من قصيدة بعنوان رحلة العمر موجهة الى زوجته أم أسامة كما هو مكتوب في الديوان:

من معانيك أستقي ألحاني
فاهتفي يامذيبة الأحزان
افرشي هذه الطريق وفاء
فطريقي مفروشة بالحنان
ظلّلي عشنا الجديد بروح الحب
,,حتى نعيش في اطمئنان
رحلة العمر يارفيقة عمري
زادها الحب والرضا والتفاني
بهذه التلقائيةوبهذه العبارات الشعرية الرقيقة وبهذه العاطفة الصادقة يستطيع العشماوي ان يصل إلى قلوبنا بشكل مباشر وبلاواسطة,, يقول:

أختاه يفقد هذا الكون معناه
لولا رضانا بما يقضي به الله
أختاه ياشمعة للعطف موقدة
ويانشيداً فم الإخلاص غناه
إذا وصلنا برب الكون انفسنا
فما الذي في حياة الناس نخشاه؟
نعم ياشاعرنا القدير ماذا يخشى الانسان الذي ربط نفسه وقلبه وشعوره بالله العلي القدير.
خطاب العشماوي إلى حواء خطاب متميز, فحواء عنده ليست شيئا عاديا انها الحياة، والسكن والحنان والعطف والوعي والثقافة والشخصية المسلمة القوية الثابتة والحب النبيل، والرقة والجمال، والعلم والفكر النزيه إن حواء في شعر العشماوي شيء عظيم ومهم، يقول مخاطبا والدته:

أنا يا أماه نَبتٌ
ظل يُسقى بالحنانِ
انا معنىً من معا نيك
وما أرقى المعاني
أناسطر في سجل المجد
قد صغتِ كياني
فالشاعر سطر كتب في سجل المجد،ومن الذي كتبه إنها الأم، أي ان حواء ذات دور كبير يمكن أن تبني به كيان الانسانية كلها إذا بنت نفسها بناء صحيحا, مشاعر العشماوي نحو حواء فيها رقي وارتفاع، وفيها حنان ورقة، وفيها ايضا قوة الإحساس بقيمة مكانة الرجل العصامي صاحب الشخصية القوية يقول:

أنعشتني ذكراكِ في ليل بؤسي
مثلما أنعش الزهوَر ربيعُ
بعض آيات لوعتي واشتياقي
سهر الليل والأنام هجوع
إن الرحلة مع ديوان إلى حواء ممتعة جدا تستحق أن يقوم بها القارىء مرة بعد مرة، وقبل الختام اقترح التالي:
1 أن نرى من خلال جريدة الجزيرة الغراء اطلالة شعرية عشماوية كل اسبوع.
2 ان يختار قسم المناهج في الرئاسة العامة لتعليم البنات بعض قصائد العشماوي لانهاتحقق المراد من الارتقاء بالمشاعر وسمو العواطف.
3 ان يتحف الشاعر المحبين للشعر بتسجيل صوتيّ على الكاسيت لديوان الى حواء فانا متأكدة انه سيكون عملا رائعاً خاصة وان الله قد اعطى الشاعر صوتا وطريقة متميزة في إلقاء الشعر لهاوقع خاص في النفوس.
4 رايت لقاء شعريا في التلفزيون السعودي برنامج دين ودنيا يوم الخميس 24/12/1420ه مع الشاعر القى فيه العشماوي ابياتا من قصيدته الرائعة نقوش علىبوابة المصمك التي سبق ان نشرتها جريدتنا الجزيرة في صفحة كاملة، فياليت التلفزيون يتحفنا بلقاء آخر يعرض لنا فيه العشماوي جزءا من تجربته الشعرية المتميزة عن غيرها.
هذا وإني اشكر الشاعر عبدالرحمن العشماوي على ما يتحفنا به، وأشكر جريدة الجزيرة التي تسعدنا بإبداعات شاعرنا بين حين وآخر، وأشكر جميع القراء وتحية لكم .
وفاء البديوي
الرياض

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تربية وتعليم

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved