لقد حظيت قصة مجنون ليلى بما لم تحظ غيرها بالكثير من الاهتمام والبحث قديما ومازالت حتى يومنا هذا تتناقلها الألسن بطرفها واشعارها عبر الزمن ان شخصية قيس المجنون واشعاره العذبة في الحب العذري ظلت تحمل طابعا خاصة ورونقا متجددا امتزج لدى الكثيرين بتجارب شخصية في الحب والكرامة والتضحية ولقد كتب الكثيرون عن هذه الظاهرة في الادب العربي تأليفا وترجمة واحيانا ابتكارا مستحدثا كما فعل امير الشعراء احمد شوقي في مسرحيته المعروفة بالاسم نفسه مجنون ليلى .
ولعل احدث طرح لشخصية قيس المتميزة ما قاله البروفيسور اندرية مايكل مدير عام المكتبة الوطنية الفرنسية الاستاذ المتخصص بالادب العربي في محاولته لاستنباط المعاني والدلالات الخاصة بشخصية قيس واشعاره التي اصبحت فيما بعد جزءا من الذاكرة الثقافية والادبية في المنطقة العربية على الاقل كما يتساءل البروفيسور اندرية مايكل,, هل قصة مجنون ليلى اسطورة ولماذا وجدت والى اي مدى كان المجنون مجنونا عندما نقرأ ان مجنون ليلى كان شاعرا قبل ان يكون عاشقا وقد سلبته احلام الحب العذري فابتعد عن الحبيبة نفسها واعتكف ينظم قصائد تبكي حبه المجنون وتصهره الاحلام في بوتقة العذابات فينظم اشعار عشقه الملتهب ثم ينتهي جثة هامدة في القفار فوق احجار سوداء تحضر آخر قصيدة له الى ليلى؟.
وكما تنقل لنا المصادر انه يمكن أن قيساً ذلك الفتى الذي تاه في الصحراء يمضي مع حيواناتها المتوحشة ويحلم بحب مستحيل لفتاة تدعى ليلى وقد جاءه رجل ذات يوم فوجده جالسا في الصحراء فقال له: قيس رفقا بحالك ان ليلى التي تعشقها هي الآن معي فهل ترفض رؤيتها؟ فقال له قيس: انها المي ودائي انها عذابي وعزائي هي ناري ونوري انها كل حياتي.
ويقول البروفيسور اندرية: ان ما تنفرد به اصالة هذه الاسطورة العربية هو ان البطل العاشق هو الشاعر الذي يتكلم عن نفسه وهذا ما جعل هذه القصة تختلف عن قصص الحب في الغرب ومن اهم سمات الغرابة في قصة قيس هو جنون الشاعر المتمرد.
ويستشهد في هذا الصدد بما جاء في كتاب الاغاني لابي فرج الاصفهاني عندما يذكر عدة روايات من عدة مصادر عن هذه الشخصية ومنها ان رجلاً قد ذهب الى بني عامر يسأل اريد ان ارى المجنون فقالوا له: في القبيلة لدينا عشرات المجانين الذين يكتبون القصائد فقال الرجل اريد ان ارى المجنون الذي يدعى قيس بن الملوح.
وهناك رواية اخرى في كتاب الاغاني تؤكد ان قيسا ليس بمجنون وانما مصاب بلوثة, ورواية اخرى في الكتاب نفسه تصوره بأنه فتى حالم يحلّق بعيدا عن الواقع مما يجعل السؤال يطرح نفسه: لم كل هذا في جنون قيس؟ هل هو جنون ام ادعاء اراد به قيس وقبيلته الخروج على كل ما هو متعارف عليه في وقت يشهد فيه المجتمع تحولات حضارية رافقتها تغيرات في القيم والمعايير الاجتماعية والاخلاقية لأن المجنون يغفر له جنونه في كل تصرف ويتاح لاقواله ان تسري بين الناس متضمنة رسائل حب لمن احب ومتجاوزة الموازين والقوانين والاعراف والنفاق القائم لتصل الى امرأة من القبيلة نفسها تدعى ليلى.
ويضيف اندرية مايكل: وبهذا تفتح القصة الاسطورة آفاقا جديدة للحرية في التعبير والتصرف في ترتيب القصيدة بعد ان كان كل شيء يخضع لقانون الجماعة فيحمل الشاعر قيم القبيلة واعرافها في اشعاره وقد جاء المجنون يرفع رايته ويهيم بها في الصحراء يجاور الغزلان ويمزق ما تبقى من اسمال بالية معتبرا ان ساحة هذه الصحراء البكر هي وحدها قصيدته الحرة الجديدة التي يكسر بها اقفال تقليدية الشعر الذي يبدأ واقفا على الاطلال الى قصيدة يبدأها مباشرة بصرخة احبك يا ليلى محطما اساليب التعبير المعروفة لابداع لغة جديدة في علاقة مبتكرة بين الذات والاشياء فلا يقول ان عيني ليلى مثل عيني الظبي بل يتوجه للغزال بأن عينيه هما عينا ليلى وان عبير الهواء في الصحراء هو انفاس ليلى مجسدا فيها اجمل صورة أما القبيلة فقد احتفظت بصوت قيس المجنون واعتبرت في النهاية ان مغامرته ستكون الوسيلة لمجدها وعزها وشهرتها والتعريف بها, واذكر هنا كمداخلة في تعريف البروفيسور اندرية مايكل اننا تعرفنا على شخصية مجنون ليلى على ان قيس هام في حب ابنة عمه ليلى الجميلة وتغزّل بها فانتشر شعره بين افراد القبيلة وهذا لم يكن من عادتها فقاطعوا قيسا وعزلوه اي افرد إفرادا قسريا ومنع من اللقاء بليلى او التقرب لأهلها طالبا الزواج منها وأمام هذا الوضع اضطر قيس ان يهيم في الصحراء يندب وينشد القصائد العذرية ومات على هذا الحال قهرا وأسفا على محبوبته التي اضحت رمزا للعشق من بعده.
حتى ان احمد شوقي اكد هذا الاتجاه من خلال مسرحيته التي وضع حوارها الشعري الجميل على هذا الاساس مشيرا الى قيس وليلى ابنة عمه والى الجفاء والقطيعة التي عومل بها من اهلها ومن اهل العشيرة العامرية ويقول شوقي في مسرحيته على لسان والد ليلى: من الهاتف الداعي أقيس ارى ماذا وقومك والفتيان قد ساروا
دمشق : ملك خدام