عاملات المنازل د, محمد بن عبدالرحمن البشر |
,, دعاني أحد الزملاء يسرد ما سمع بعد صلاة العصر قبل أسبوعين تقريبا، فقد صلى المصلون على جنائز سبع لعائلة واحدة كانت تقطن في بيت واحد وبعد الانتهاء من أداء الصلاة المفروضة قام الإمام جزاه الله خيرا متسائلا: أتعلمون سبب موت هذه العائلة رحمها الله؟ واعتقد الأغلب أن السبب قد يرجع الى حادث أليم من حوادث الطرق التي ألف الناس سماعها لكنه قال: ان السبب يرجع الى تسميم هذه العائلة المكونة من سبعة أفراد بسم الفئران عن طريق عاملة المنزل الأجنبية لديهم حتى قضى الجميع نحبه نرجو من الله لهم المغفرة ونرجو الباري أن يلهم ذويهم الصبر والسلوان.
ليس من المنطق أن أطرح في هذه العجالة فكرة التخلي عن عاملات المنازل بسبب هذا الحادث أو غيره من الحوادث المتعلقة بعاملات المنازل والتي لا يكاد يمر يوم دون سماع حدث مؤلم تكون هؤلاء العاملات طرفا فيه لكنني أرى أن بعض أفراد المجتمع قد تجاوز حدا يمكن أن يكون مقبولا للاستفادة منهن.
لقد تخلت النساء في بعض طبقات المجتمع من أبسط الواجبات المنزلية التي يمليها عليهن الدين ثم الحياء والعقل والمنطق والتربية والاقتصاد وخدمة الوطن، وبموافقة ومباركة من زوج مغلوب على أمره فهو الأسد الصؤول في مكتبه، النعامة الوديعة في منزله أسد عليّ وفي البيوت نعامة فقد أنيط بالعاملات شؤون الغذاء من اختيار وتجهيز وتحضير واعداد وتقديم، ولم يبق سوى أن تأخذ العاملة المعلقة لتضعها في فم الفرد من العائلة، كما أن على العاملة أن تجمع كل ما بقى من طعام لتضعه مع نفايات المنزل والمرأة لا تعلم عن طرق التحضير ومدى نظافة الأواني المستخدمة في التجهيز، كما أنها لا تعلم عن مستوى جودة المواد الداخلة في الطعام، ولا تكلف نفسها عناء الاشراف أو الزيارات المفاجئة للمطبخ للتأكد من نظافة ما يقدم اليها ولافراد أسرتها من غذاء يمكن أن يكون داء أو دواء طبقا لنوعه وكيفية اعداده.
وبمقدار أهمية الغذاء تأتي أهمية التربية التي أوكلت مهمتها لدى البعض الى عاملات المنزل، فلكل طفل أو لعدد من الأطفال عاملة خاصة، أو للطفل الواحد عدد من العاملات طبقا لمقدار المباهاة والمماحكات النسائية المألوفة وعندما يشرب الطفل من معين هذه العاملة التي قد تكون بعيدة عن البيئة التربوية القائمة في مجتمعنا، والنابعة والحمد لله من تعاليم ديننا الحنيف، فان بذرة من تلك البذور الدخيلة قد تنشأ مع الطفل دون أن نعلم لتعطي نتاجا مؤلما بعد حين ولم تعط العاملة حق التأديب أو التربية لعدم قدرتها عليه أو لعدم اعطائها صلاحية ذلك فتقتصر مهمتها على تنفيذ أوامر طفل صغير يحتاج الى من يرده عن مراده ويبين له أخطاءه، ويشجعه على احسانه.
اننا نحتاج حقا الى مراجعة النفس، والتدبر بحكمة وروية، وتغليب العقل في تصريف أمورنا، ولنا عبرة في غيرنا من الأمم السالفة والحاضرة, ان الطفل يحتاج الى أن يأكل طعاما من صنع يدي والدته ويحتاج الى والدة تحنو عليه وتقدم غذاءه بيديها اليه، يحتاج الى متابعة لنوعية الغذاء وكميته، وهو ما تدركه الوالدة ولا تدركه العاملة، والزوج أيضا يحتاج الى شيء من صنع زوجته، ويجب ان يراها وهي تقدم اليه الطعام بنفسها لا ان توكل الأمر الى غيرها.
إن الأطفال في حاجة الى غذاء الروح بتعليمهم الخلق النبيل والسلوك القويم، والتأسي بالوالدين ان كانا صالحين، ونزع الشهوات ومحاربة الهوى وهذا أمر يحتاج الى صبر ومثابرة، وهو ماتقدر عليه الأم ولا تقوى عليه العاملة.
ان كان المنطق يقتضي التسليم بوجود العاملة في المنزل، فعليها أن تكون مساعدة لا فاعلة ومحدودة الصلاحية لا نفاذة، وعلينا أن تكون مصونة العرض والحق، وان نعاملها معاملة حسنة كما أمرنا بها ديننا الحنيف، وخلقنا القويم, وعلينا ان نتذكر ما مضى، ونتبصر فيه بعين الأريب اللبيب، فقبل عقود يسيرة من الزمن كان أجدادنا يذهبون الى دول مجاورة طلبا للرزق ويعملون في المنازل مثلما تعمل العاملات في الوقت الحاضر، وكان حسن المعشر يسعده وسوؤه يحزنه.
فندعو الله أن يديم علينا نعمه، وأن يسبغ علينا من شآبيب رحمته وأن يهدينا الى الحق انه سميع مجيب.
|
|
|