Thursday 6th April,2000 G No.10052الطبعة الاولى الخميس 1 ,محرم 1421 العدد 10052



الشفافية والضبابية
د, فهد حمد المغلوث

الإحساس بالآخرين حتى مجرد سماع آهاتهم المكبوتة داخل صدورهم، حتى من مجرد رؤية دموعهم المحبوسة في مآقيهم، حتى من مجرد الاحساس بأحلامهم المصادرة منهم والتي لم تر النور، حتى مجرد فهم ما يريدون قوله من أعينهم.
كل هذا الاحساس بالاشياء اللامسموعة واللامحسوسة بما لدى الآخرين، لا يتواجد سوى في انسان بالغ الشفافية مرهف الحس، انسان مختلف عن الآخرين في تكوين شخصيته ومفهومه للحياة وهو اختلاف جميل لاشك.
وقد تقول انت لنفسك حينما ترى انسانا بهذه الشفافية وهذا الاحساس المرهف، وحينما تشعر به يلامس أوتار الآخرين ويخاطب عقولهم من خلال حديثه لهم او جلوسه معهم مهما كان بعيداً عنهم، قد تقول لنفسك: ان هذا الانسان المرهف الحس الذي يشعر بالآخرين ويتحدث عنهم وكأنه يعرف ما بهم بدقة، لابد انه إما يعيش هذه التجارب او سبق ان عايشها بصدق او ان يكون محروما منها لدرجة انه يتحدث عنها كما لو كان يتمنى ان يعيشها بكل دقائقها وتفاصيلها وبكل لحظة فيها أليس هذا ما تقوله احيانا لانسان من هذا النوع؟
ان ما تفكر به قد يكون صحيحا الى حد كبير، ولكن المسألة ايضا اكبر من ذلك بكثير! فالانسان منا ليس بالضرورة ان يكون هو شخصيا قد مر بتجربة مماثلة او انه يعيشها او حتى محروم منها! أبدا,,!
هناك اشخاص يحق لنا بالفعل ان نطلق عليهم صفة التميز دون تردد او مبالغة, لم لا وهم يشعرون بنا ويحسون بمعاناتا حتى وهم بعيدون عنا؟
لم لا، وهم قادرون على ان ينسونا همومنا وأحزاننا بعد الله سبحانه وتعالى بمجرد ان نفكر بهم؟
لم لا، وهم قادرون على ان يتفهموا وضعنا وظروفنا في الوقت الذي لا يتفهمه أقرب الناس إلينا بل لا يريدون ان يتفهموه؟!
لم لا، ومجرد الحديث معهم يُشعرنا بالأمان بعد الله ويحسننا ان الدنيا بخير وتستحق ان نعيش من اجلها؟!
لم لا، وهم قادرون على ان يرسموا البسمة على شفاهنا بعد ان كدنا أن ننساها بفعل الضغوط المحيطة بنا والاحباطات المتوالية التي نتعرض لها؟!
لم لا، ومجرد احساسنا فقط انهم سيغيبون عنا او سينتهي دورهم معنا يشعرنا بالحزن العميق جداً لأننا سوف نفقد شيئاً ثميناً في حياتنا لا يقدر بثمن؟! شيئا لا نستطيع ان نعوضه بسهولة!
لم لا، ومجرد احساسنا اننا حينما نكون معهم في اجواء معينة رائعة لا تتكرر ثم تُقطع هذه الاجواء الرائعة بفعل الآخرين نشعر بإحباط وغضب شديدين، نود على إثره لو استطعنا ان نصرخ في وجه اولئك الذين لا يحسون بشفافية ذلك اللقاء رغم معرفتنا السابقة أنهم لا يعرفون ولا يدرون بالفعل، بل لا يتعمدون ذلك؟ ألم تمر انت بمثل هذا الموقف يوماً ما؟
وربما يكون سبب هذا الضيق انك تعرف بأن مثل هذه الاجواء من الصعب تكرارها في هذه الظروف وبهذه الكيفية التي انت فيها الآن.
لم لا، وانت تشعر يوميا انك تكتشف صفات جميلة في هذا الانسان احسن من تلك التي اكتشفتها فيه من قبل وربما قلت في نفسك: أيمكن ان يكون هناك اشخاص بهذه المشاعر المرهفة؟
لم لا، وانت تشعر من ذلك انك لست مع انسان عادي، بل مع والدك من شدة حبه لك ومع أمك من شدة خوفها عليك ومع صديقك المخلص الذي يحفظ سرّك,, ومع,, ومع,.
بل لم لا، وأنت تشعر بهذا الانسان يدلك على ابواب الخير ويرشدك الى ما ينفعك في دنياك وآخرتك، بل يعاتبك عتاباً رقيقاً حينما تخطىء او تسيء التصرف ومع ذلك تتقبل العتاب لأنه راق بالفعل!!
أبعد هذا كله وغيره كثير لا يحق لنا ان نطلق لفظ الشفافية على مثل هذا الانسان؟ ذلك اللفظ الذي يعني ان ذلك الانسان قد استشفّ منك بفطرته ما تريد قوله وما تودّ التعبير عنه دون ان تتلفظ بكلمة واحدة ولكنه الاحساس بالآخرين لا يكون لدى اي شخص، بل ليس متربطا بمكانة اجتماعية او اقتصادية.
انها موهبة بالفعل بحاجة لأن تُنمّى فينا وبشكل تدريجي ولكي نصل الى هذه الشفافية من الاحساس بالآخرين وتلمس احتياجاتهم لابد ان نضع انفسنا في نفس الوضع, بمعنى ان نسأل انفسنا ترى ماذا نريد من الآخرين ان يقدِّموه لنا ويعطونا إياه؟
واذا ما عرفنا هذا الشيء المرغوب، حينئذ نسأل انفسنا مرة اخرى سؤالاً آخر: هل أعطيناهم نحن هذا الشيء الذي ربما يريدونه أو يتوقعونه منا؟ وهكذا مع الكيفية التي نريدها منهم نطرح نفس السؤال.
ان المسألة قد تبدو صعبة في البداية كوننا لم نتعود عليها ولكننا حينما نريدها عادة فينا فلابد ان يكون لدينا ثلاثة أمور، وهي: المعرفة والرغبة والممارسة لأن اي عادة في الدنيا لكي تصبح عادة فلابد ان تمر بهذه الامور بشكل أو بآخر، وبإمكانك التأكد من ذلك بنفسك على اي عادة تريد ان تكتسبها المهم ان تكون صادقا مع نفسك.
اما حينما لا نعرف ماذا نريد فهذا لأن الصورة التي امامنا ضبابية تحتاج الى من يمسحها لنا كي تبدو الصورة واضحة ولكن سوف تظل الصورة ضبابية اذا تعودّنا ان نعتمد على الغير في كل جوانب حياتنا وبالذات الشخصية منها.
والانسان الضبابي ليس هو ذلك الانسان الذي تبدو لديه الصورة مشوشة المعالم فحسب، بل هو ذلك الانسان الانفعالي ايضا الذي لا يريد ان ينصت للآخرين ولا يريد ان يعطي نفسه مساحة كافية بين المثير الذي يتعرض له واستجابته هو أو ردّة فعله.
فهو اي الانفعالي كثيرا ما يحتكم لأهوائه الشخصية وانفعالاته ويستجيب لما يحدث له وفقاً لمزاجه وهواه ومعاملة الناس له وليس وفقا لقيمه المنسجمة من السنن الإلهية او ليس باستخدام ملكاته الإنسانية الاربع وهي (الخيال والارادة والوعي والضمير) بعكس الشخص المبادر او السبّاق الذي يفصل بين المثير والاستجابة من خلال ايجاد مساحة كافية بين المثير والاستجابة اي انه يمارس حريته في المسافة بين المثير والاستجابة طبقا لما حدث له ووفقا لقيمه المنسجمة مع السنن الالهية مستخدما ملكاته الاربع السابقة,, الخ فلا تكون استجابته الا بعد تفكير متأن ودون انفعال او مكابرة او غضب.
ونحن هنا لا نحاول ابراز عضلاتنا في توضيح الفارق بين الانفعالي والمبادر فهذا الموضوع تكلم عنه البعض باسهاب مثل صاحب كتاب العادات السبع,, ولكن ما نحبَّ ان نوضحه أنك كانسان مبادر وهذا ما يفترض ان يكون في كل منا، فأنت انسان ذو شفافية عالية لأنك تستشف ما قد يحدث لك في المستقبل في حالة عملت كذا او كذا, ولذلك فأنت تحاول قدر الامكان ان تنأى بنفسك عن الحرج او النقد واللوم او العقاب لأنك كانسان شفاف فانك تضع قائمة بالاشياء القيمة بالنسبة لك وتُحاول ان تُحافظ عليها, ومن يُحدِّد قيمه ويكتبها منذ البداية ولو في عقله سوف يصل الى ما يريد بإذن الله ويحقق ما يطمح اليه غالباً.
في حين انك كشخص ضبابي تكتفي بما هو مفروض عليك وتأخذه على انه مسلّمة لا يمكن تغييرها اضافة الى انك تنتظر من غيرك ان يذيل هذه الضبابية من أمام عينيك دون ان تكلف نفسك عناء الالتفات لليمين او الشمال لحين اتضاح الرؤية من الامام, أي ان نظراتك أحادية الجانب فقط.
ما يهم في الامر انه حتى لو اطلقوا عليك شفافا او حساسا فهذا لا يعني صفة سيئة فيك، اطمئن لأن مفهومك عن الشفافية ينبغي ان يكون ايجابيا ويحسب لصالحك وليس ضدك لاننا كثيراً ما نسيء فهم المفاهيم وبالتالي نسيء استخدامها وما يهم اكثر ان تكون شفافا مع نفسك تعرف ماذا تريد ولا تعاتب نفسك على كل صغيرة وكبيرة ليس لك دخل فيها اعمل ما تعتقد انه يريحك ودع خلفك كل ما يضايقك أراح الله قلبك بالايمان وطاعة الرحمن.
همسة
قد يتبادر لذهنك يوماً
قد تقول لنفسك دوماً,.
بأنني حينما أقفُ معك,.
فإنني أجاملك!
بأنني حينما أصغي لك,.
فإنني أشفق عليك,.
وبأنني حينما أدافع عنك,.
فإنني متعاطف معك,.
ولكن هذا ليس صحيحاً
أبداً غير صحيح!
* * *
فأنا حينما أقوم بذلك,.
فلأنني منذ عرفتك.
وأنا مقتنع بك,.
منذ سمعتك,.
وأنا مرتاح لك,.
ومنذ عرفتك عن قرب,.
عرفت مدى صدقك,.
* * *
نعم لقد كنت منذ البداية,.
وأنا أشعر بداخلي,.
أنك أولى من أصغي إليه,.
أحقُّ من أقف معه,.
وآخر من يجب أن أتخلّى عنه,.
* * *
نعم إنها شفافيتك أنت,.
من جعلني أُعجب بك,.
وأقف معك,.
وهي ضبابية غيرك,.
من جعلني أقبل نحوك,.
بعد أن عرفت الفرق!!

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون مسرحية

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

لقاءات

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved