| منوعـات
تستولى على قلبي حيرة عظيمة!!
هل اكتب عن المرور أم أصمت عنه, هل أستطيع أن أبث العالم همومي وهموم الضحايا أم أصمت وأنسى الموضوع وكأن شيئا لا يحدث, فالأمران يتنازعان قلبي بنفس القوة, لأول مرة في حياتي أشعر ان الكلام والصمت يتساويان ويتبادلان نفس المعنى ويأخذان نفس الجدوى, فالقضية دخلت منطقة الأحزان ثم خرجت من الجانب الآخر لتستقر في منطقة لا يمكن ان تطالها المشاعر, فكل انسان أصبح محايدا تجاه هذه القضية وهذه تذكرني بالمحكوم بالاعدام أو الذي يعرف حقيقة موته بعد صعقة الخبر الاولى التي أنهت إليه هذه الحقيقة، ففي اللحظة التالية تنطفىء في داخله الشعلة الصغيرة التي توقد الأحاسيس, فتراه يمشي الى المشنقة بتعاون بناء مع جلاّده لإتمام حفلة قتله على أكمل وجه.
قبل عدة أيام ذهبت للمستشفى لاجراء بعض الفحوص الروتينية وقد سعدت بنتائج التحليلات وخرجت الى الشارع وأنا أقلب أطماعي في هذه الدنيا, فما زال أمامي مشاريع كثيرة لأنجزها فيما تبقى لي من العمر, كتب سأقرؤها وأطفال سأربيهم وأوقات سعيدة أريد أن أقضيها مع زوجتي ومع أصدقائي ومع الأشجار, فتقرير المستشفى فتح لي بابا واسعا لمزيد من الآمال والأحلام, ولكن خروجي من أي مكان قد يكون خروجي النهائي, كيس خبز بريال واحد قد يودي بحياتك، سواء كان دمك مرتفع الكلسترول أم منخفضه, مرتفع السكر أم معتدله, وسواء كنت كبيرا في السن أم صغيرا امرأة أم رجلا, كل هذا لم يعد يهم, المشكلة ليست في الموت فكلنا في النهاية سوف نموت، وانما في نوع الموت الذي سوف نناله, تصور أن تموت موتا لا يستحق ان يسمع أحد حكايته, اذا عرف المستمع ان موتك كان بسبب حادث مرور انصرف عن الحكاية لأنها لا تستحق من يسمعها مرة أخرى ومرة أخرى ومرة اخرى وبكل الأشكال, يومية ومكررة ومعادة, أي اهانة يمكن ان تطال الانسان عندما يصبح خبر موته كلاماً مملاً, عندما تقول بين الناس: مات فلان، يلتفت الجميع مصعوقين فاذا عرفوا انه مات في حادث سيارة عادت مشاعرهم الى سابق عهدها وعادوا الى ما كانوا فيه من حديث, فهذا الموت لم يعد موتا, فالموت هو الذي يعمل الانسان على تأخيره ومكافحة أسبابه, نقلل من الدهون حتى لا نصاب بأمراض القلب ونبتعد عن الطعام المعالج بالكيماويات حتى نهرب من السرطان ونتجنب الأماكن الخطرة, صراع لتمديد فترة بقائنا في هذه الدنيا أطول مدة ممكنة لأن الله قد زرع فينا حب هذه الحياة لكن هل نمتنع عن الخروج من بيوتنا؟ هل نتوقف عن شراء الخبز والذهاب للعمل ومشاهدة الآخرين؟ هل نتوقف عن الحياة حتى نكافح هذا الموت المجاني؟ بكامل يأسي أقترح ان نترك المرور والحديث عنه نهائيا، فقط اقترح ان نسعى بكل ما نستطيع الى اعادة موت المرور الى منطقة الأحزان الى حيث يوجد الموت العادي فنبكي بجدٍّ على العائلات التي تفنى بضربة واحدة وعلى الشباب الذين يقضون في كل الأنحاء وعلى أرواحنا المعلقة.
لا يقل عن عشرة آلاف نفس زكية تزهق في اليوم ولابد من دموع تذرف عليهم ولنترك هؤلاء لأنهم ما زالوا مشغولين بأسبوع المرور.
|
|
|
|
|