| الاخيــرة
(1)
تغفو قاهرة المعز وتصحو على وسادة ثلاثية الأبعاد: الضجيج والزحام والتلوث، ولذا فهي لا تكاد تنام,, ولا تدع كثيرا من قاصديها ينامون!.
***
والحق الذي لا ينكره سوى مكابر ان القاهرة قد نمت كثيرا بمقاييس هذا العصر، مواصلات واتصالات وطرقا داخلية ومحورية وفنادق ومراكز تسويق، ورغم ذلك، يظل الزحام القاهري ارقا يوميا يمتد من الفجر الى الفجر! وبسبب النقلات الكبيرة في البنية التحتية التي عاشتها وتعيشها مدينة القاهرة، فإنها ما برحت تستقطب عشرات الآلاف من السكان النازحين اليها من المناطق القريبة منها والبعيدة عنها على حد سواء.
***
واعزو ظاهرة الازدحام في الشارع القاهري الى انه رغم توفر قطارات الانفاق، ووسائط النقل العام بأحجام ومستويات مختلفة، فقد أدى تحسن دخل الفرد في السنوات الاخيرة الى ازدياد الاقبال على اقتناء السيارات الخاصة، لتزداد بذلك معاناة الشارع القاهري,, ومن ارتاده راكباً او راجلا!.
***
وأزعم ولا أجزم ان القاهريين,, ومثلهم بعض الوافدين الى مدينتهم قد فقدوا الرغبة في الاحتجاج على ثالوث الارق القاهري الزحام والضجيج والتلوث ، لأنهم ألفوه، فلم يعد يثير فيهم حسا ولا نفسا ولا عصبا، وبعضهم تطبّع به، فصار احدهم,, يعشق الزحام، ويتحدث مع قرينه بصوت عال وقد تحمل بعض أنفاسه رذاذ التلوث بما يكره المرء السوي ان يسمعه، ولذا فإنني انصح مرتادي هذه المدينة العجيبة قائلا: ان كنتم مثلي، تعشقون القاهرة فتنازلوا عن بعض توقعاتكم، فإن لم تفعلوا فستشقون انفسكم وتشقون سواكم فعلا وانفعالا!.
***
رغم ما قيل,, ويمكن ان يقال عن قاهرة المعز، تبقى هناك حقائق ثلاث لا تبرح الإدراك العاقل، وبسببها لا يمل كثيرون شد الرحال الى هذه المدينة الفاتنة، حينا بعد آخر.
* الحقيقة الأولى: ان القاهرة رغم ثالوث الازعاج اليومي، تظل رئة ثقافية للعرب، ولها في الوجدان العربي من الذكريات ما يقرّبُ منها ولا يُبعد!.
***
* الحقيقة الثانية: ان القاهرة حققت في السنوات الاخيرة فتحا حضاريا كبيرا ممثلا في نمو مركزها التجاري والحضاري وانفتاحها الاقتصادي وتطور بنيتها السياحية، وغير ذلك مما يدخل ضمن منظومة الجذب المستمر لها من كل صوب.
***
* الحقيقة الثالثة: ازعم ان الاخوة الاشقاء في مصر، رغم الضجيج الذي يغلف حياتهم، يملكون قلوبا قُدّت من خشب الورد، ومشاعر صيغت من أوراقه، ولذا فالشخصية المصرية، رغم الشوك الظاهر على سطحها، تبقى رقيقة الملمس، زكية الرائحة!!.
(2)
شد خليجي الرحال ذات يوم الى قاهرة المعز، ليمضي فيها وأسرته وقتا طيبا، وحلّ ضيفا على احد فنادقها الفخمة,, وسمع من كلمات الترحيب به سيلا، حتى اذا ما بلغ جناحه في الفندق,, وتوارى عن سمعه طنين الترحيب,, راح يجول ببصره يمنة ويسرة، داخل الغرفة ليلمح عن بعد طبقا كبيرا اصطفت في فضائه الواسع تشكيلة متواضعة من الفاكهة ممثلة بعينة واحدة فقط من اربعة اصناف، ولم يصدق الضيف الخليجي ما رأته عيناه,, وراح يسائل نفسه: أفبعد كل ذلك الترحاب الذي جاوز الحد,, تستقبلني إدارة الفندق بهذه الضيافة المتواضعة؟!.
***
وفي اليوم التالي، كتب الضيف الخليجي رسالة مؤدبة الى المدير التنفيذي للفندق جاء فيها:
(,, لفتت نظري الضيافة الرمزية الشديدة التواضع في فندقكم غير المتواضع وتمنيت غيابها اصلا! ان مصر لم تبخل قط على عروبتها ولا على عربها بشيء، بدءا بخيرات ارضها,, وانتهاءً بإنسانها في ساحات الفداء، فكيف يبخل فندق ,, بسلة فاكهة تليق بهيبته هو وكرامة ضيفه!,,).
***
|
|
|
|
|