| الاقتصادية
د, زيد الرماني *
ما بين تلوث المياه الجوفية والمتغيرات المناخية تعتبر النواتج الجانبية للرخاء اكبر تهديد بيئي يحيق بالعالم, بيد ان الفقر قد يفضي الى تدهور البيئة عندما تستنزف الشعوب قاعدة مواردها، مضحين بالمستقبل في سبيل انقاذ الحاضر, وعندما يجبر المنطق القاسي للمتطلبات الماسة، قصيرة الأمد، الأسرة التي لا تملك أرضاً على قطع اشجار الغابات المطيرة، وعلى حرث المنحدرات الجبلية وتقصير مدد الإراحة للأرض.
وبالتالي يعمل التدهور البيئي على استمرار الفقر، ما دامت النظم البيئية المتدهورة تُغلّ حاصلات قليلة لسكانها الفقراء, ومن ثم، تمسك بزمام الامور دوامة إفقار ذاتية التغذية قوامها الحرمان الاقتصادي والتدهور البيئي.
إن اعتماد الناس في ريف العالم الثالث على النظم البيئية يتناقض مع سلسلة طويلة من التجارة والصناعة والبنية المدنية الاساسية التي تشكل الحياة في البلاد الغنية, وبالنسبة لمن لا يملكون، يأتي الطعام من التربة، والماء من المجاري المائية، والوقود من الخشب، والأعلاف من المراعي والفاكهة من الاشجار المحيطة بالكوخ, ويعي فقراء الناس ان المجازفة بهذه الاشياء تعني تعريض حياتهم وحياة ذراريهم الى التهلكة.
يقول ألن درننج: ان المحور الاساسي الذي تدور حوله دوامة الفقر هو غياب الموارد، العنصر الاول في مصيدة الفقر المحلية,إن الفقراء الذين يملكون ولو قطعة صغيرة من الارض قلّما يجهدون ارضهم، اما الاسر الريفية التي تطرد من اراضيها وتفتقد الشعور بالأمن والأمان، فليس لهم بديل آخر.
وفي حين تضيق مصيدة الفقر العالمية خناقها ويتزايد الاحساس بعدم الأمن وبالحرمان لدى فقراء العالم، تمتد ظروف التدهور البيئي الى المزيد من الاراضي الهشة في الكرة الأرضية.
إن النظم الظاهرة لمصيدة الفقر عادت للظهور في كل قارة كما ان محصلة الأثر عالمية، لأن تركز الفقراء يزداد في الاقاليم الهشة حيث الاراضي أقل انتاجا وحيازتها أقل أماناً.
إن القوى التي دفعت 58 مليون نسمة الى دوامة الفقر وهي قلّة الرقابة الآمنة على الموارد، ونمو السكان، وانعدام العدل والسياسات القائمة على اسس خاطئة هي المسؤولة لحد كبير عن تدهور الاراضي الهشة غير المنزرعة.
وحتى عندما لا يكون الفقر هو السبب في التدهور البيئي، فهناك دعوى للمعاناة من استنزاف البيئة الناجم عن تجاوز الآخرين, فالمدن العملاقة في العالم الثالث تواجه المخاطر البيئية الناجمة عن التخلف والتقدم.
وفي اغلب الأحيان لم يجر أي قياس عن تعرّض الفقراء المجحف في العالم الثالث للتلوث والمواد الخطرة.
وتظهر مقارنة السكان من حي الى حي من حيث مستوى الدخل والجنس وموقع النفايات الخطرة، نظاما مشوشا ولكن متوقعا.
فكلما زاد فقر الحي وكلما زاد سواد لون جلد المقيمين به، زاد احتمال قربه من مقلب النفايات الخطرة.
ولذا، تمتد التضحية البيئية بالفقراء الى ما وراء الأخطار المحلية, فتأثيرات الفقر المحتملة الناتجة عن تغيّر المناخ على مستوى العالم لا يمكن حصرهاوبالاضافة الى ذلك فبامكان التغيرات الجوية ان تبعد الموارد عن متناول ايدي الفقراء بصورة لا يمكن تخيّلها اليوم, وقد تبدو اعباء الديون المتراكمة من الثمانينات قزما صغيرا امام التبعات المناخية في القرن الحادي والعشرين.
ومع وقوع اكثر من 58 مليونا من الفقراء في براثن دوامة التدهور الاقتصادي والبيئي، فان مستقبل تخفيض حدة الفقر ومستقبل حماية البيئة سيضمنان تحديات لم يسبق لهما مثيل ,فهناك مئات الملايين يعانون بالفعل من ازالة الغابات ومخاطر التصحر، وندرة اخشاب الوقود وانجراف منحدرات الجبال وتلوث الهواء في المناطق الحضرية, واذا استمرت هذه العوامل في مسارها الراهن، فسوف يرتفع معدل الفقر الى عنان السماء، وسوف تزداد سرعة دوامة الفقر خارج نطاق السيطرة لتجذب عدة ملايين اخرى، وربما تضاعف المعدل على المستوى العالمي مع حلول القرن القادم.
*عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود *عضو الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي * عضو جمعية البيئة السعودية.
|
|
|
|
|