| مقـالات
عبدالله نور
كان حاكم اليمامة إبَّان ظهور الدعوة المحمدية يُدعى (صاحب التاج) إذ كان يلبس فوق رأسه تاج المُلك الذي ألبسه إياه كسرى ملك الفرس،ولم يكن هذا الحاكم المسمى بصاحب التاج ويدعى هُوذَة بن علي الحنفي راغباً في الإسلام وقد كان كسرى يحتفي به ويُقطعه الإقطاعات العظيمة، وكان يطمع في أن يكون رديفاً له، أي نائباً للملك كسرى، سيَّما وقد سبقه إلى الإسلام ونال شرف السَّبق، ونقل عاصمة اليمامة من (الخِضرمة) إلى حَجر (الرياض) وصار يُدعى بالملِك (ملك اليمامة) وقد بلغت هَيمَنَةُ الرياض في عصر الخلفاء الراشدين وسلطان الدولة الأموية مكانة عظيمة أخذت نجداً كلها، وصار جابي الزكاة يجبي بجوف المِربد (مربد البصرة) ويجبي ب(رُكبه) وبينها وبين (قَرن) ليلة،وبين قَرن ومكة ليلة، وجابيها برمال اليمن قريباً من صنعاء وجابيها يجبي بالبحرين، وبلغ عدد الأمراء أو المحافظين سبعة وعشرين أميراً أو محافظاً، هذا وقد تعاظمت ثروتها الزراعية والحيوانية والمعدنية إلى الحد الذي كان يُشكّل العمود الفقري لبيت المال الإسلامي، وتنوّعت أصناف مزروعاتها حتى لقد قيل بأن بها صنفاً من التمر يُدعى (العُمرة) يقال: إنَّها نخلة مريم عليها السلام،وخَصَّ الهمداني من تمورها بالتمر الصِّفري وقال: إنه سيد التّمور لأنه يُحمل بالبحر ولا يتأثَّر (أي لايتَغَّير مما في البحر من الدَّخن واللَّثََق والعَمق) أمّا الحنطة فيها فقد تَمَيزت بطيب طعمها وسُمَّيت (بيضاء اليمامة، وكان الناس في الأقطار البعيدة يَتَهاتَفون على تمرها وحنطتها ويتهافتون على شرائها بأغلى الأثمان ويقال إن رُمان سَدوس في ذلك الزمان لايعدله رُمان آخر، أما معدن الحديد الذي يُستخرج من عدة أماكن فقد كان لجودته يُصدَّر إلى أسواق اليمن والبصرة، وكانت أسواق الحدادين في حجر مقصد الصنّاع المختصين في صناعة السيف والقُسُي والسهام ونحوها, كما أنها بدورها هي استوردت إلى أسواقها من الهند الحديد والسيوف، والعود، والمسك، والياقوت، ومن خراسان الثياب القُطنية، والقز، والثياب الغالية والعقيق،واللؤلؤ العماد، وماء الورد، والبُسُط، والفُرش الثمينة، وازدحمت الرياض بالسّكان حيث استوطنها كثيرٌ من بطون القبائل العربية وضاقت بأهلها وارتفع مستوى المعيشة حتى صارت مكتظة بالقصور والأُطُم والحصون والحيطان العالية، وقد ظهرت آثار الحياة الثرية السعيدة على كبراء أهل الرياض حيث صار معظمهم يرتدي الثياب الثمينة البيضاء، ويرتدي معها بُرنُس الخَزَّ، أو ثياب الخز، أو الثياب المهبَّرة التي يقوم الشُّبان بإسبالها وجَرَّها تيهاً، كما لبسوا الثياب الرازقية، واعتنوا عناية فائقة بشعر رؤوسهم، وتعهدوها بالدهن والطيب والتَّزين والتَّرجيل، ومثلها شُهِر الحلاقون، كذلك اشتهرت عند النساء الماشطات، وكانت الماشطة (أم منظور) مضرب المثل بين الماشطات، والحديث عن النساء وتَفَنُّنُهن في لبس الحرائر والخلائل والجواهر واللآلئ أمر يضيق به المجال.
بطبيعة الحال، لم تكن الرياض وهي على هذه الأحوال فقيرة في نواديها ومنتدياتها بل كانت منذ العصر الجاهلي وحتى عصر ظهور الإسلام موئلاً للمنتدين والشُّداة والأدباء والشعراء وأشراف الناس.
المنتديات والنوادي وعبقرية التَّواصل
لعل أول منتدى أدبي ذكره التأريخ ما خَلَّده الشاعر العظيم الأعشى لصاحبه الأمير قَتَادة الحفضي، وهناك منتدى أدبي آخر ذكره الشاعر زياد بن منقذ العدوي وكان بصنعاء فلم تعجبه منتدياتها فراح يذكر منتدى زياد ويَحنُّ إليه ، أما منتديات الأمراء فأشهرها منتدى الأمير (أمير الرياض) عبدالله الكلابي، وهو حاكم تولّى الحكم في العصر العباسي وتميَّز بكونه خصص لمن يفد إلى مجلسه من المنتدين الجوائز السخيّة للمنافسة والمبارزة في فنون الادب والشعر ونحوهما، وهناك منتديات أخرى لها شُهرة وصيت، مثل منتديات قَثَم بن العباس، والسَّرِي بن عبدالله الهاشمي، وإبراهيم بن عربي، وهذا مشهور وللشيخ العلامة الوالد حمد الجاسر تأليف عظيم في شأنه.
أما النوادي الرياضية للسَّبق على الأقدام، أوعلى الخيل، أو المصارعة، او رياضة الصيد والقنص، فلها حديث ليس هذا مكانه.
ولكن الأهم من كل هذا هو (منتديات العلماء) وهي التي يسميها المؤرخون ب(مجالس العلم والعلماء) وليس أهم في هذا المجال من (جامع الرياض الكبير)، أجل جامع الرياض الكبير الذي بناه الإمام تركي بن عبدالله، وكان قد بناه محتذيا في ذلك الجامع الكبير الذي كان بالرياض حين ظهور شمس الإسلام في عصر الخلفاء الراشدين وفي العصور التالية لذلك العصر، أجل، قد كان بالرياض المسجد الجامع الكبير، وقد ذكر التأريخ بأنه كان موئلا لطلاب العلم والعلماء،ويكفي من أجل الإشارة إلى عظم دوره الريادي في الإسلام أن فقيه أهل الشام وعالمهم الإمام الأوزاعي جاء إليه قاصداً ليتعلَّم من يحيى بن كثير فقيه أهل الرياض، وليأخذ من الفقيه اليمامي يزيد السُّحيمي، وفي هذا الجامع حلقات لكبراء العلماء والفقهاء والرواة من أهل الرياض،مثل أبي أيوب بن عُتبَة، وأيُّوب بن النَّجار.
وللحديث صلة
|
|
|
|
|