حدَّ الشرق وحدَّ الغرب,.حدَّ الحدِّ، ما بين بَدء الزاوية وانتهائها، في أقصى يمينها وفي أقصى يسارها،هناك بين هذين الحدَّين يقف كثيرون,,, كثيرون,,.تتفاوت مشارب الناس،ورغباتهم، وطموحاتهم، ويختلف مقياس رضاهم، وسخطهم، قبولهم، ورفضهم,,,، سعادتهم، وشقائهم،والناس الآن يزدحمون بما تصيبهم به دنياهم الموسومة ممَّن خلقها بأنها )دار الفناء(، وهي )متاع الغرور(,,, لكنهم داخل حدَّي الزاوية، بين المسافة الأقصى، والأخرى الأدنى، لا يتعاملون مع هذه الدار الفانية، على أنها ستنطوي، وبأنها غرور غرور,,, فهم يمتزجون بها حدَّ الذوبان,,.وهم يهيئونها لهم حدَّ الظن في القدرة عليها,,, ,,, وظن اهلها أنهم قادرون عليها,,, كما قال تعالى,,, وينسون في هذا المرج، والازدحام، واللهاث أمور النفس، بما في داخل الإنسان من القلب الذي يخفق بالفرح والألم، بالسعادة والحسرة,,,،فيشغرونه بها,,,، فلا يعود يخفق إلا لكل ما يتعلق بها,,.والناس يدّعون غير ذلك،لكن هناك منهم غير ذلك وهم قلة وقليل من الآخرين ,,,.فما أعطت لهم هذه الدنيا؟ وما أخذت منهم؟!,,, أحدهم يقول:أعطتني ماسهرت من أجله ليلاً، ولهثت في سبيله نهاراً، حتى تسنَّمت فيها قمة الثراء والجاه,,, لكنها أخذت راحتي واطمئناني، وإني خائف دوماً فيها، وأول خوفي أن أفقد شيئا مما بنيته,,, لكنني كلما مرقتُ قليلاً ونادراً ما يحدث عن التفكير في هذا إلى التفكير في السعداء وجدتهم مطمئنين، راضين، قانعين فأغبطهم على ذلك، بينما هم يغبطونني على نعيم الثراء والجاه والسلطة، ولايدرون قلقي وخوفي الدائمين.,,, وثانٍ يقول:أعطتني حب الكلِّ ممن حولي، فهم يتحلقون حولي كالفراش، وأنا أمنحهم شيئاً من الرحيق الدائم مما أملك، يتباهون بي فأتباهى، يشتدون بي، فأتمادى، حتى خبرت أنني لن أُغلب في مكان، ولن أفشل في أداء، ولن أنسحب من موقف، فقد حققت في هذه الدنيا مكانة واسعة الانتشار ومعارف لا حصر لهم,,.لكنني عندما ضعفت، ومرت بي مواقف أزمات بعضها طارىء، وآخر دام، وجدت هذا العدد قد تقلَّص، وبعض الأبواب قد أُغلقت، وكثيرون سافروا عن الدروب التي أمر فيها,,.شعرت بالحسرة,,,، ولا أزال أحرص على إعادة ما فقدت كي أقف في وجوههم كالشمس,,, ,,, وقال ثالث:أعطتني الدنيا بريقها، ونِعمها، وأغدقت عليَّ من فائض خزائنها، فملكت الأراضي الشاسعة، وعمَّرت المباني الفارهة، وسخَّرت العناصر العديدة في خدمتي وبين يدي,,.لكنها لم تحقق لي بقاء عقلي وصحتي، ففي صراعها من أجل البقاء في هذا الفيض المتخم، بذلت من جهدي ما أضناني، ومن تفكيري ما أعجزني، وكان الحفاظ على أو الفقد من معطياتها ينزل بي كالصاعقة فتهتز له مشاعري,, حتى غدوت الآن قعيد سرير، في انزواء وحدة مريضاً، مشتتاً، من هم باقون حولي ليسوا سوى بعض من سخرتهم لي بمالي,,.,,, أما أولئك الثُّلة الذين تحلقوا حول نقطة الوسط بين الحدَّين في انفراج الزاوية، يرون الشمس شمساً والقمر قمراً، والليل آية، والنهار معاشاً، والدنيا يدركونها دار فناء وغرور فالسعيد فيها من أدرك ذلك واعتدَّ عُدَّته للرحيل منها، فقد أجمعوا على أن البعد عن زخارفها، والقناعة بقليلها,,,، والمعرفة بأمورها، والوقوف على معطياتها، والثبات على هجرها,,, إنما هي زيادة لهم في خيرها، وحماية لهم من شرها، وعونٌ لهم على قضاء وقتها في أمان وأطمئنان وورع,,.,,, لكن تظل هذه الدنيا شباكاً مرمية بين الحدِّ والحدِّ، تستقطب فيها أبناءها الكثر الكثر,,.وتظل فيها مشاربهم تتفاوت، وطموحاتهم، ومقاييسهم فيها لما يحبون ويرضون ولايريدون ويسخطون,,.أما قلوبهم فهي حيث شاءوا تميل,,.,,, ألا فلتكن هذه القلوب خالية منها,,.كي تستضيء بشموع النور نحو ألق الرضاء.
|