في ظلمةِ الليلِ البهيمِ المدلهمِ، وحينما آويتُ إلى فراشي,, لآخذ قسطاً من الراحة بعد عناءِ السفرِ ومشقةِ الطريقِ,, أغمضتُ عَينَيَّ,, حاولت أن أنامَ,, تقلّبتُ جنباً إلى جنب,, وما زاد ذلك إلا عناداً وهروباً من النوم,, سمّرتُ عيني بسقفِ الغرفةِ,,, لبثتُ ساهراً وحدي,, داخلني شعورٌ بالوحشةِ,, وأحسستُ في نفسي وفيما حولي فراغاً مخيفاً,, رأيت الغرفةَ تضيقُ,,, ثم تضيقُ حتى كدتُ أن أختنقَ.أجبرتُ نفسي على النسيانِ,, لافائدةَ، ذرفتُ دموعي علها أن تطفىءَ ما في قلبي من حُرقةٍ وأسى,, ارتفع صوتُ بكائي,, أتت زوجتي مهرولةً إليَّ ما بكَ؟ لماذا كلُّ هذا البكاء؟من شدة الهولِ لم استطع الكلامَ التصقَ لساني بسقفِ حلقي,, أجبرتني على الكلامِ,, تكلمتُ معلناً الحقيقة, قلتُ لها,, رحلَ,, قالت: من؟ قلت: رحل,, أغلى الرجالِ أخي وحبيبي أبو مالك محمد النغيمشي رحل,, إلى دار الآخرة,, رحلَ إلى مثواه,, رحل عنا وتركنا نتجرعُ ألم الفراقِ,, ومرارةَ الوداعِ,,رحل إلى جنانِ الخلدِ إن شاء اللهُ.سريعاً مرَّ على ذهني شريطُ الذكريات بيننا, ذِكراه حينما كان جالساً,, ذكراه حينما كان ضاحكاً,, ذكراه حينما كان متحدثاً,, أرى صورتَهُ التي نسجتُها من حبي له,, أرفع رأسي إلى السماءِ، افتحُ الكتابَ الذي أقرؤه,, بين أغصانِ الشجرِ,, بين زحمةِ الناس,, خيالهُ بين ناظري في كل شيء.عرفتُه فتى يافعاً شجاعاً,, سليمَ السريرة بشوش المحيّا,, لطيفَ العبارةِ,, عذبَ اللسانِ,, دمثَ الخلقِ,, تحبه لأولِ وهلةٍ,, يدخلُ قلوبَ الناسِ بلا استئذان,.وأخيراً وليس آخراً إذا كان لي من رسالةٍ فأرسلُها إلى أمهِ الحنونةِ وزوجتهِ الوقورةِ بالتحلي بالصبرِ والصلاةِ والدعاءِ له بكلّ سجدة,, ونعترفُ بأن رحيلَه المباغت يؤلمنا,,ويمزقُ أنياطَ قلوبنا، ولكن هذه حالُ الدنيا نزولٌ فارتحالٌ.وليعلموا أنه لو تُرك اللجامُ للهوى لتفطرتِ الكبودُ، وتجرحت الصدورُ,, وتراكمت الهمومُ,, وتذكروا قول الله عز وجل :)الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون, أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون(.انتهى شريطُ ذكرياتي بنظرةِ الوداعِ التي ألقيتُها عليه وهو مسجىً بلحافٍ أبيض,,, وبجوارهِ زهرةُ حياتِه,, وربيعُ قلبِه,, ابنتُه غادة التي غدت إلى ربها راضيةً مرضيةً.اللهم اغفر لأبي مالك ذنبَه، وارفع درجتَه في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله ياربَّ العالمين، وافسح له في قبرهِ ونوّر له فيه.
قالوا ترحّلَ في المساء حبيبُنا فُقدت بلابلُنا هنا لا تسمع مات الجوادُ من الخليقةِ لم يعد
يُجدي البكاءُ ولا النياحةُ تنفعُ هي دارُنا دارُ الرحيلِ وكلُّنا يوماً إلى دارِ البقاءِ سنزمعُ
رباهُ ألهمنا اصطباراً إننا بعدَ الفراق بحبنا نتفجعُ
المديرية العامة للزراعة والمياه بالقصيم |