| الثقافية
يتشيأ المكان فضاءً مكوناً في جسدية النص الروائي، من خلال التشريح المورفلوجي لمعمارية النص السردي، فعبر آلية الارتداد التي ينهض بها دون غيره من العناصر المكونة للنص الروائي تبدو إمكانيته البنائية مجسدة في أي عمل روائي، هذا ما بشرت به نظرية الناقد الشكلاني ترفيتان تودوروف نحو القصة، إذ قدم مشروعاً طموحاً لاكتشاف البنى المشكلة لمعمارية النص السردي، عبر توصيفه مورفولوجياً بعبارة موجزة لآلية الكشف عن تلك البنى تتكون من مسند ومسند إليه، وسنجد أن النص يتمثل من خلال الانتقال من حالة توازن إلى حالة أخرى بطريقة ينجم عنها فقدان التوازن المبدئي، ثم لا تلبث أن تأتي قوة ثالثة في الاتجاه المعاكس لتعيد التوازن مرة أخرى، ويلاحظ أن حالة التوازن الثانية، قد تشبه الأولى، ولكنها تختلف عنها جذرياً)1(.فمن خلال النموذج الذي يقدمه تودوروف نلاحظ إن العمل السردي يمكن ترسيمه على النحو التالي:توازن,,, محاولة تغيير,, فقدان توازن,,.محاولة تشكيل,, توازن جديد ولعل هذا التصور يفسر تلك التقابلات الضدية التي أشار إلإليها غاستون باشلار عند حديثه في جدلية الداخل والخارج إذ جعل التعامل النفسي يتعالق مع العامل البنائي من خلال بحث الذات/ النص لتحقيق التوازن من الطرف الأقل إلى الطرف الأقوى رغبة في الامتلاء أو ما عبر عنه بالفارغ والملآن )2(.وهذا ما أشار إليه يوري لوتمان في مشكلة البناء الفني إذ أعاد لهذه الآلية بروز الثنائيات التي ينهض بها فضاء المكان على سلسلة متنوعة من الثنائيات المشهدية الضدية بادية، مدينة، قديم يتهاوى، جديد ينهض، أمكنة منحصرة، أمكنة منتشرة )3(.وبهذا تصبح هذه الآلية التقاطبية مشكلة لا للرؤية الهندسية للمكان أو لاتصالات شخوصه العاطفية والأخلاقية والاجتماعية وحسب، بل لتشكيله المعماري، مما يحيل إلى نظرة مورفلوجية قادرة على تشكيل نحو للنص السردي, وبهذا يظهر مفهوم التقاطب المكاني كمظهر بنائي لتشكيل الفضاء الروائي من خلال إقامته لفضاءين منفصلين يشكلان معمارية النص,وما تم في روايات جيل الرواد للرواية السعودية التوءمان، البعث، ثمن التضحية رحلة عبور من مكان الافتقار إلى مكان التكثيف، ومن خلال تلك الثنائيات المشيدة لقيم النصوص النفسية والاجتماعية والتنموية تشيأ المكان فضاءً نصياً حاملاً لرغبة التوازن النصية للذات إما عبر التحصيل العلمي فريد التوءمان، وأحمد ثمن التضحية أو العلاج الطبي أسامة البعث وقد بدت التقاطبات المكانية مغلق، مفتوح، ريف ، مدينة، تخلف، تقدم النصيصات المشيدة للنصوص محملة بها جسهم التنموي البعث، ثمن التضحية والإصلاحي التؤامان فمن خلال تجسيد المكان الثابت البيتي والمكان الانتقالي الآخر، وبتفاعل هذين المكونين يظهر المكان الثالث المنشود وهو المكان الأول محملاً بتصورات المكان الآخر.لقد نسجت النصوص المكان الأول بوصفه مكاناً تاريخياً للذوات، بكل محتوياته العاطفية والنفسية لتشكل فيما بعد أوجه الصراع بينه وبين المكان الآخر، ولقد أظهرت جلياً مظاهر الافتقار التنموي فيه، كما جاء على لسان فريد التوءمان في رسالته لأخيه من انبهاره بآثار الحضارة الأوروبية المجيدة القائمة على أساس العلم الصحيح,, وتذكرت حالتكم البائسة المحزنة معاشر الشرقيين، فما وسعني إزاء الحقيقة الملموسة إلا التصريح لك بأنكم مجموعة أمم همجية كسلى )4(.أو على لسان أسامة البعث حين يصف الحضارة الهندية أين هذا كله من جدة وما فيها؟ بل من أعظم مدينة في بلاده,,, فهذه الحياة الجميلة العظيمة تستحق الآن في رأيه ان يحياها الناس )5(.أو على لسان أحمد التضحية حين عاد لوطنه حيث المناظر ذاتها لم تتغير ولم تلحقها يد التجديد وأحسن بسحابة خفيفة من خيبة الأمل )6(.وبذا تبدو ثنائيات تصوير المكان الأول مقارنة بالمكان الآخر على هذا النحو:المكان الأول في مقابل المكان الآخرانحسار وتخلف تقدم وحضارةجهل علمريف مدينة.وتختلف أوجه الالتحام بالمكان الآخر، إذ تظهره )التوءمان( فضاءً مستلباً ذابت فيه شخصية فريد وقد استحوذ على دواخل نفسه مما يحول المكان من فضاء حياة إلى موت عبر الذوبان والتلاشي، لتظهر الخاتمة معيدة لمقولة البداية الشرق شرق، والغرب غرب, إذ يبقىفريد شرقياً في مصيره على الرغم من انبهاره بالغرب، لتبدو دورانية العود للمكان الأول ممثلة لآراء النص عبر آلية مغلقة معتمة:المكان الأول المكان الآخر المكان الأولالشرق الغرب الشرق )مصيراً(تخلف موت تقدم حياة موتفي حين تظهر الروايات وبخاصة في البعث، ثمن التضحية المكان الآخر فضاءً تراً تتثاقف معه الذات فتتشكل الذات ذاتاً منتجة، مما يجعل الذات والنص في رحلة عبور بنائي من المكان الأول إلى الآخر، كما تم لدى أسامة البعث :الحجاز 1 الهند الحجاز2الوطن التقدم التنميةالتخلف الطبي الوعي المستقبلوهذا مانلحظه في أثر الآخر في تشكيل ثمن التضحية عبر وعي الذات بالتنمية، مما يجعل رحلتها إلى مصر تدشن معمارية نصية قوامها:الحجاز1 مصر الحجاز2الوطن التعليم المسئوليةالزوجة التجربة الاستقرارولعلنا بعد التطواف في تلك التحولات المكانية نجمل قدرة المكان بوصفه مكوناً بنائياً في تدشين معمارية النص السردي عبر آلية الارتداد المكانية التي تشعر الذات بغربتها في مكانها، وكأن النص يعيدنا للمكان الأول لا بوصفه مكان البدء بل بوصفه مكان العود البنائي، وكما أننا لا نعبر النهر مرتين، فإننا لا نعبر المكان مرتين، أحدنا سيختلف أو كلانا، ولعل النص هو الأثر الناتج عن ذلك الاختلاف!لتبدو ترسيمة التحولات مجملة كالتالي:الأول 1 الآخر الأول 2تخلف تقدم عملفشل نجاح مسئولية.لتظهر ثيمات الرحلة وجهاً آخر من المعمارية النصية وهو البعد التنموي والقيمي، حيث انها تمثل مرحلة التنمية لأمكنة وذوات تلك المرحلة.ليظهر المكان لا بوصفه معطى فيزيائيا بل بوصفه مكونا قارا يقيم بتعالقاته النصية عالمه السردي، وما الذوات إلا لسان حاله وما الأزمنة والأحداث إلا أثره المنعكس في ذلك التشكل.لذا نزعم أن مبدأ التقاطبات المكانية في ضوء المنجز المورفلوجي آلية تفكيك التقنيات السردية التي تشيد أي نص سردي بطريقة ما.
|
|
|
|
|