| مقـالات
قال له صديقه: هل لك إلى رحلة في أنحاء )بريدة( إنك تقضي أشهراً لاتعرف سوى طريقك المعتاد إلى العمل ! دعنا نرحل في أرجاء المدينة لننظر في مشاريعها الكبرى ونتطلع إلى عمرانها الحديث!مرا على كثير من أحياء المدينة فإذا البوص قد اختفى والبعوض قد انجلى! وإذا طفح المياه لاموج له! فسأل الرجل صديقه: ما الخبر؟! قال: ألم تعلم أن )محطة معالجة الصرف الصحي ببريدة( الواقعة على الدائري الشرقي قد انتهى مشروعها وبدأ تشغيلها، وتم توصيل خدمة المجاري لكافة أحياء بريدة! فقال البوص والبعوض: انقطع رزقكم ياقوم فارحلوا! ألم تعلم ياصديقي: أن فائض الصرف الصحي بعد تنقيته يصب الآن في مجرى )وادي الرمة( بعيداً عن أحياء المدينة! هز الرجل رأسه، وسأل: وماذا عن مسطحات مياه المجاري الواسعة الواقعة شمال شرق بريدة التي نراها ونحن نعبر الدائري الشرقي!؟ ضحك الصديق، وأدار مقود السيارة، وقال: تعال بنا لتشهد الاعجوبة هناك! ركبا الدائري الشرقي واتجها جنوبا، وحين توسطا منه وقريبا من موقع البرك الواسعة التي تتجمع بها مياه الصرف والتي تصدر اسراب البعوض صيفا وشتاء إلى حيث اضواء بريدة! هناك لم يريا مياهاً وإنما شاهدا غابات من الاشجار تمتد بمساحات واسعة عن يمينهما وشمالهما! سأل الرجل صديقه: متى تكونت هذه الغابات الواسعة من الاشجار؟إنني احس بنسبة الاوكسجين عالية، ولا أشهد للروائح المعتادة وجوداً، ولم تلسعني بعوضة واحدة! ما أجملها من مواقع صالحة للنزهة! ضحك الصديق وهو يقول: والاحتطاب ايضا!هذه المواقع أَجَّرتها بلدية بريدة لمستثمرين في مشاريع النزهة والاحتطاب، وهم يُسقونها من مياه الصرف، وهي نوعية جيدة من الأشجار التي تأخذ حظها من المياه بواسطة الري بالتنقيط، وتنمو في هذه الرمال نمواً سريعاً قال الرجل: سبحان الله، كأنني لست في )بريدة(! وحين وصلا إلى مدخل )طريق الملك فهد( من مفتتحه على الطريق الدائري الشرقي، دخلا إلى بريدة مقبلين عليها من الشرق فإذا )برج بريدة( يلوح أمامهما وكأنه قمر ربيعي ينهض من الأفق! ضحك الرجل، وقال لصديقه: ما أجمل هذا الطريق! إن )بريدة( تدخل به عصرها الحديث! ابتسم الصديق، وهو يقود السيارة مخترقا وسط بريدة، وهو يشير إلى الجسور والانفاق المبنية على هذا الطريق متجاوزة كل تقاطعاته الرئيسة إلى غرب بريدة، ثم إلى مطار القصيم! وسأل الرجل صديقه: من موقعنا هذا على طريق الملك فهد، ونحن الآن على محاذاة من قلب بريدة، كم يبعد عنا )مطار القصيم(؟ التفت إليه صديقه، وهو يجيبه دون انتظار: نستطيع أن نصل إلى المطار خلال عشر دقائق فقط! ضحك الرجل يفرح وهو يقول: إنه طريق يختصر الزمن في عصر أصبح للزمن قيمة كبرى! انطلقا إلى المطار، ثم أخذا طريقهما مرة أخرى إلى بريدة، وقريبا من )المليداء( شاهد الرجل لوحة ضخمة كتب عليها :)جامعة القصيم( هنا مقر )كلية الطب، وكلية الهندسة(، فسأل صديقه: أهذه )جامعة القصيم(؟ قال: نعم هذا جناحها العلمي، اماجناحها اللغوي والشرعي فيقع جنوب بريدة، إنهما معاً يشكلان )جامعة القصيم( ايها الرجل أنت خارج التاريخ في بريدة المعاصرة! ولاتعيش الحاضر أبداً! ضحك الاثنان معا، وانطلقا يواصلان الرحلة داخلين بريدة من الشمال وحين اقتربا من المدينة الرياضية إذ في شمالها الشرقي مجمع عمراني جميل على ميدان فسيح وعلى بوابته لوحة كبيرة تأملها الرجل فإذا قد كتب عليها :)المدينة الجامعية لكليات البنات ببريدة(! اندهش الرجل وسأل صديقه: منذ متى قام هذا الصرح الجامعي للبنات الذي أراه متوسطا من الأحياء الحديثة لبريدة، مما يعني سهولة الوصول إليه من جميع الجهات الاصلية، وبالتالي الانتفاع من خدماته التعليمية العالية! ضحك الصديق وهو يقول: أنت خارج الحاضر، أنت في الماضي! أفق من سباتك التاريخي! لا تكثر التعجب والاندهاش! اقتربا من ميدان )برج بريدة( ونظر إلى المنطقة الواقعة عنه جنوبا، فبدا لهما مبنى عالٍ يأتلق بالزجاج الملون! فعاد الرجل إلى أسئلته الموجهة إلى صديقه، قائلاً: لمن هذه البناية العصرية الرائعة؟ ابتسم الصديق، ساخراً منه: ألاتقرأ العناوين يارجل!؟ إنه مبنى )المديرية العامة للبريد بمنطقة القصيم( لقد تم تشييده على أحدث الطرز المعمارية، واشتغل بكامل فنون تقنية البريد الحديثة، إنه مفخرة البريد ببريدة! والحلم الذي طال انتظاره، لكنه أخيراً وصل بالبريد المسجل المضمون بل بالمستعجل الممتاز! لكن دعنا منه، ألم أقل إنك في نوم عميق!في تلك البرهة الزمنية التي وصلت إليها الرحلة، دق جرس الساعة، فتنبه الرجل من نومه، وضغط زر إيقاف المنبه، ونظر إلى الساعة فإذا هي الرابعة وخمس وثلاثين دقيقة، وكان المؤذن ينادي: )الصلاة خير من النوم(! لحظتها أدرك الرجل ان رحلته الممتعة العابرة مع صديقه العزيز، لم تكن سوى مع طيفه الذي مالبث أن عبر!
|
|
|
|
|