| فنون تشكيلية
الفنانات التشكيليات السعوديات تكتل فني تشكيلي نسائي ظهر على الساحة بكل ثقة واقتدار, كانت الإطلالة الأولى لهذه المجموعة في أكتوبر 98م بصالة الجفالي بطريق خريص الرياض, ترك ذلك المعرض الاول انطباعاً مؤثراً لدى الجمهور والمهتمين, وهذا الأثر الذي تركه في نفوس الكثيرين جعلهم في شوق واهتمام وترقب لأخبار المعرض الثاني, ولم تخب الآمال فقد أشرقت شمس هذه المجموعة مرة أخرى لتؤكد الاستمرار في درب الفن والعطاء في مجال الإبداع.
يعطي هذا المعرض وغيره من المساهمات الفنية النسائية دلالة قوية على الدور المتنامي للمرأة السعودية في تطور الفن التشكيلي السعودي, فالفنانة التشكيلية السعودية لعبت دوراً بارزاً في إثراء هذا الفن, خلال العقود الأربعة الماضية وقفت هذه الفنانة جنباً إلى جنب مع الرجل تبدع وتبتكر لتساهم وبفعالية في رسم معالم وتضاريس خارطة الفن التشكيلي
السعودي, وكانت معارضها الفردية ومشاركاتها الجماعية في الداخل والخارج خطوات طويلة ومتأنية نحو تأكيد هذا الدور.
تطورت هذه المساهمات على مر السنين لتصبح على درجة كبيرة من النضج والتقدم جعلها بكل فخر واعتزاز جديرة بأن تتبوأ موقعها المتميز على الساحة, وأصبحت الكثير من الأسماء
النسائية نجوماً ساطعة تتلألأ في سماء هذا الفن داخلياً وخارجياً, ويحضرني في هذا المقام الكثير من المعارض الفردية والجماعية التي كان للمرأة السعودية شرف نقل صورة معبرة وصادقة عن الفن التشكيلي السعودي وتمثيل المملكة في الخارج في العديد من المناسبات المختلفة.
من أبرز هذه المعارض معرض الفنانة التشكيلية الرائدة صفية بن زقر، التي أقامت معرضاً شخصياً في صالة وود جاليري بلندن عام 1393ه الموافق 1973م، ومعرض الفنانات التشكيليات
السعوديات الذي أقيم في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1406ه الموافق 1986م, بالإضافة إلى مشاركة العديد من الأسماء الفنية النسائية في الأسابيع الثقافية السعودية والخليجية التي أقيمت في عدد من الدول العربية والإسلامية والدول الأجنبية الصديقة.
ويجب ألا ننسى الحضور البارز للفنانة التشكيلية السعودية في مناسبة هامة تعتبر من أبرز الإنجازات التشكيلية في تاريخ الفن التشكيلي السعودي، هذه المناسبة هي معرض
المملكة بين الأمس واليوم، وقد استطاعت بمشاركتها الفعالةأن تثبت قدرتها الفنية في التعبير عن أصالة وتراث وطنها في الماضي وحضارته وتطوره في الحاضر.الجدير بالذكر أن هذا المعرض أقيم في مصر وألمانيا وفرنسا وبريطانيا خلال الفترة من عام 1985م إلى عام 1987م، وطاف
الولايات المتحدة الأمريكية خلال عام 1990م.لاشك أن هذا التطور الذي حققته الفنانة التشكيلية السعودية يعود لجهود المؤسسات الحكومية والأهلية التي أخذت على عاتقها مساندة ورعاية المرأة وهي تخوض تجربة هذا المجال الثقافي والحيوي الهام, فقد قامت الرئاسة العامة لرعاية الشباب بوقت مبكر بتبني العديد من المواهب الفنية النسائية, من النجاحات لموفقة والموثقة في هذا المجال منها على سبيل المثال لا الحصر، فوز الفنانة التشكيلية حصةالمالك بجائزة الفنون التطبيقية في أول معرض عام تقيمه الرئاسة العامة لرعاية الشباب على مستوى المملكة في عام 1396ه/ 1976م، وحصاد الفنانة التشكيلية بدرية الناصر للجائزة الأولى في التصوير مناصفة في معرض أول مسابقة للفنون التشكيلية تقيمها الرئاسة العامة لرعاية الشباب عام 1397ه/ 1977م.
وكان للجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون دور رائد أيضاً في تشجيع العديد من الفنانات التشكيليات منذ بدء نشاطها, فقد شاركت العديد من الأسماء الفنية النسائية في
المعارض الفردية والجماعية المختلفة التي أقامتها الجمعية في الداخل والخارج.
أتيح للكثير من الفنانات التشكيليات فرصة الدراسة في الخارج والحصول على دورات متقدمة وشهادات الدبلوم والبكالوريوس والماجستير في هذا المجال, وفي الداخل تم افتتاح أقسام التربية الفنية في جامعتي الملك سعود وأم القرى وكليات التربية بالرئاسة العامة لتعليم البنات, والتحقت الفنانة التشكيلية السعودية بالعديد من البرامج التعليمية والدورات التدريبية في مجال الفنون التي تقدمها بعض الجمعيات الخيرية والمراكز الاجتماعية والمؤسسات
الثقافية والتعليمية النسائية, كما ساهم بعض من هذه المؤسسات بتنظيم المعارض الفنية ورعاية الأنشطة الثقافية والتعليمية المتصلة بهذا الفن.
أصبح مفهوم الفن التشكيلي في ظل هذا التطور العلمي والثقافي عند الكثير من الفنانات التشكيليات يتجاوز كونه موهبة أو هواية على هامش وقت الفراغ، بل دفع الحب والشغف
لهذا الفن الكثير من الفنانات التشكيليات إلى أن يصبح للفن التشكيلي مساحة أكبر في حياتهن.فالدراسة التخصصية في هذا المجال ارتقت بهذا الفن عند المرأة السعودية ليصبح علماً وعملاً ومهنة, وأضحى هذا الفن الراقي إحدى قنوات التعبير البارزة, وانطلقت الفنانة
التشكيلية بكل قوة وثقة لتنقل من خلال هذا الفن فكر وثقافة المرأة والمجتمع والقضايا التي تؤرقها، وهي تعي بشكل كبير الخصائص الفنية والجمالية للفن التشكيلي التي تجعل منه
أصدق الفنون وأكثرها وضوحاً في التعبير عن مكنون النفوس الإنسانية, والمدرك لحقيقة هذا الفن يعلم تماماً صدق المقولة إن المعنى الذي تعطيه صورة واحدة يغني عن قراءة ألف كلمة ,اليوم مهما سطرنا من مئات الكلمات فلن تغني عن مشاهدة لوحة واحدة من إبداعات مجموعة الفنانات التشكيليات السعوديات .
إن الجمهور الكريم من متذوقي الفن التشكيلي سوف يسعد ويرتقي جمالياً وهو يلتقي بأعمال جديدة خلال المعرض الثاني لهذه المجموعة,تطرق الفنانات المشاركات أساليب فنية عديدة
تمثلت بالزخرفة الإسلامية، والحروفية العربية، والواقعية، والسريالية، والانطباعية، والتعبيرية، والتجريدية، والتعبيرية التجريدية، والتعبيرية الرمزية، وغيرها من
الأساليب الأخرى,تتعدد تقانات وخامات التنفيذ المستخدمة مما أعطى تنوعاً وتجديداً كسر من حدة السائد والمألوف, ولا شك أن الخلفية التخصصية العميقة والتجارب والخبرات الطويلة
عند بعض الفنانات المشاركات شجع الكثير منهن على طرق خامات وتقانات تنفيذ غير تقليدية على الساحة المحلية,, مما يسترعي الانتباه حول بعض هذه الخامات والتقانات ماتمثل بأشغال المينا، والمعادن، والرسم على الحرير، والخزفيات،
وألوان الباستيل، وأقلام الجرافيت الرصاص ، وغيرها.
تتناول أعمال هذا المعرض مواضيع مختلفة ومتشعبة، منها ما يتصل بالبيئة الصحراوية، والبيئة البحرية، والمرأة ،
والعمارة، والأحلام، والطبيعة، والتراث الموسيقي، ومفردات من التراث المادي، وغيرها من المواضيع المختلفة.
يعطي هذا التنوع والتفاوت في الأسلوب وخامة التنفيذ والموضوع صورة صادقة وواضحة
مستويات الثراء الفني والثقافي الذي تتمتع به الفنانات المشاركات.
د, يوسف بن إبراهيم العمود *قسم التربية الفنية بكلية التربية جامعة الملك سعود الرياض
|
|
|
|
|