| مقـالات
د, فهد سعود اليحيا
سعادة مدير الامن العام
الفريق اسعد عبدالكريم الفريح
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وكل عام وانت بخير, كما اهنئكم بنجاح موسم الحج لهذا العام حيث يساهم الجهاز الذي ترأسونه بالعبء الاكبر من خدمة ضيوف الرحمن من شتى اصقاع الارض, ولعله من حسن الحظ لان يتبع المرور الامن العام لان امن الناس على ارواحهم واجسادهم وممتلكاتهم في الطرقات جزء اساسي من الامن, ولذا أوجه لكم هذه الرسالة:
في ثالث ايام عيد الاضحى المبارك كانت السيدة وبناتها يفترشن ارض الحديقة العامة ويحتسين الشاي، وعلى بعد عدة امتار كان السائق يجلس منفردا, وفجأة اندفعت سيارة مجنونة لتقفز الرصيف وتحصد روح المرأة امام بناتها، ويكمل الجزار/ السائق مسيرته فيحصد روح السائق ايضا,
بعد ذلك قال الضابط، الذي يحقق في الحادثة، مواسيا الزوج المفجوع بأنه يقدر مصابه الأليم، ولا يملك الا تعازيه الحارة، ولعل مصيبته تصغر في عينه اذا عرف مصائب غيره، واردف: كان رجل وزوجه، واطفاله الخمسة اصغرهم ذو ثلاثة اعوام يتسوقون للعيد, وفجأة ايضا تعتلي الرصيف سيارة لتحصدهم جميعا عن بكرة ابيهم!
في يوم الجمعة الماضي كنت متجها جنوبا في شارع جرير، وانعطفت يسارا الى القسم الشرقي من شارع الاحساء، حيث التزمت المسار الايمن لانعطف يمينا في شارع رزين بن معاوية ، وفي مدخله كانت مجموعة من العمال الآسيويين تعبر الشارع، فرادى وكل اثنين معا, بالطبع وكان عليّ ان انتظر، بيد ان هذا لم يعجب سائق السيارة التي خلفي، بالرغم من انه يسوق سيارة جيب عالية، وبالتالي يرى تماما سبب وقوفي، وكانت زوجته واطفاله معه: كان يزعق، ويلوح بيده، ويضغط على البوري المنبه بشكل متصل, لقد كان يدعوني ببساطة لان اتوطأ العابرين ليمشي سيادته! انها مأساة حقيقية يا سيدي، وتكون مأساة مركبة اذا علمت انه كان مقيما، بينما كنت ارتدي الثوب وأضع الغترة والعقال, اقول هذا لانه لو كان العكس، لظننته من اولئك الذين يعتقد أنهم أبناء الاكرمين بينما غيره من الاوغاد, واقول ان المأساة مركبة لان ما حدث وان كان فرديا الا انه يشي بتفسير لازدياد حالات قطف الاعمار دهسا، وهي ان الدهس اضحى هو القاعدة اما غيره فهو الاستثناء,
ما خطبنا يا سيدي؟ وماذا دهى مجتمعنا؟ هل تحولت السيارات الى قنابل موقوتة تجوب الشوارع؟ واستحالت الطرقات ميادين قتل؟ وتحول السائقون الى قناصة يترصدون الناس خارج بيوتهم؟
تقول ارقام المرور الرسمية ان عدد قتلى حوادث السيارات زهاء خمسة آلاف روح في السنة, واذا اصلحنا الرقم بحسب دراسة المهندس الدكتور علي الغامدي الذي وجد ان هذه الارقام تشمل فقط اولئك الذين قضوا ساعة الحادث، فتتبع حالات الجرحى والمصابين فوجد ان ما يقارب 2500 آخرين يموتون لاحقا من جراء اصاباتهم، ليكون الرقم 7500 شخص سنويا, وهذا رقم مرعب في حد ذاته لاني اعتقد ان الحقيقة اشد رعبا اذ اني، بكل صدق، اشك في صحة الارقام المعلنة واعتقد انطلاقا مما اراه في الشوارع والطرقات، ومما اسمع من حوادث لاقارب واصدقاء ان الرقم اكبر بكثير,
لا داعي ان نذكر العواقب الوخيمة التي تعود على الوطن والمجتمع من جراء تلك الحوادث المخزية المحزنة وعلى رأسها ازهاق ارواح حرمها الله الا بالحق,
جوهر المشكلة ان انظمة المرور وقواعد الامان اختزلت الى قطع الاشارة الحمراء والسرعة , ما فتح مسؤول في المرور فمه ليدلي بحديث الا وتحدث عن السرعة والاشارة الحمراء وكررهما طوال حديثه, لا نُصب كمين الا من اجل السرعة والاشارة الحمراء,
وهكذا استقر في روع رجال المرور والمواطنين، على السواء، ان هذين هما المرور,
وتكرست لعبة القط والفأر بين الجميع: كيف تنصب الكمين، وكيف تكتشف الكمين وتتفاداه, انظر لسيارات المرور الواقفة برجالها تحت الجسور وحول الميادين واسأل نفسك ماذا تفعل,
هذان الامران مجرد مظهرين بينما المشكلة الحقيقية هي التسيب، والاستهتار، وعدم التقيد بالنظام ويكرسها قانون من ا من العقوبة اساء السواقة والادب والحل ليس في تشديد العقوبة او ضخامة الغرامة ولكن في احترام نظام المرور ككل، من قبل المواطنين سائقين ومشاة، ومن قبل رجال المرور,
لا شك انك عندما تقود سيارتك لا تنشغل بغير الطريق، ما رأيك ان تقوم بهذه التجربة: ضع في سيارتك كاميرتي فيديو، احداهما على الطبلون، والاخرى على الطبلون الخلفي، وعندما تصل الى مكتبك تصفحهما, ستشاهد العجب العجاب: سيارات تزورق بين المسارات، وسيارات تندفع من الشوارع الفرعية الى عرض الطريق الرئيسي، واخرى تقف بشكل خاطىء، ومزدوج وعلى المنحنيات، وغيرها تتزاحم امام الاشارات، وسائقين يتفننون في المخالفات وتغمرهم لذة سادية عند ارتكابها، وآخرون في بزات رسمية ونحن في زمن الامن الشامل يسوقون سياراتهم وكأنها سيارات جيش احتلال, والكثير والكثير مما يشيب الرؤوس ويحز في النفوس,
هناك ضعف الامكانات وقلة الموارد البشرية,, الخ؟ نعم! ولكن الامر لا يحتاج كلفة كبيرة: ست مجموعات متنقلة، كل مجموعة مكونة من ضابط وثلاثة او اربعة افراد تارة بزيهم العسكري واخرى بلباسهم المدني يلغون من رؤوسهم سخافتي السرعة والاشارة الحمراء ويشرعون في اخذ المخالفات الاخرى: تارة يصطادون من يقف في اقصى اليمين لينعطف الى اقصى اليسار، واخرى لأولئك الذين يوقفون سياراتهم كما يبركون ناقة في الصحراء، وغيرها لمن لا يعبأ باستعمال مصابيح اشارة سيارته فيظنها للزينة، ورابعة لمن يظن ان العلامات الارضية واللوحات المعدنية مجرد ديكور، وخامسة لمن يقف متجاوزا الاشارة ومعتديا على خط المشاة ويظل يرقب اشارات الشوارع الاخرى او بواري السيارات خلفه تنبىء سيادته بأن الاشارة خضراء, حينها، يا سيدي سنعلم ان السواقة فن وذوق واخلاق ونظام وليست مختزلة في الاشارة الحمراء والسرعة,
كذلك فلتفرض على الاسواق والمدارس وغيرها ان تتحمل مسؤولية الحفاظ على قوانين المرور في منشآتهم وامامها، وتحديد المداخل والمخارج بحواجز ارضية متحركة، تحت اشراف ادارات المرور, حينها، سنعلم ان المسؤولية جماعية، وانها قضية تهم الوطن,
لماذا لا نجرب ذلك في الرياض كنموذج، ونرى؟
لقد آن الأوان لان نقول Enough Is Enough عملا وبالفعل, نحن بحاجة، يا سيدي، لرجل ذي عزم وحزم واخالك هذا الرجل, فقط فوض صلاحيات الامن العام لنوابك تحت اشرافك ومراقبتك ومتابعتك وتفرغ للمرور فتريح وتستريح وتنال ثناء الناس ودعواتهم لصونك ارواحهم, والله المستعان!
فقيد الحنطي
لست معتادا على كتابة المراثي والتعازي، ولكن حمد الحنطي رحمه الله كان نموذجا فذا, كان من صنف رجال الاعمال الذين يقبعون في الظل ويتركون الصورة والشهرة لشركائهم, هذا شأنه، فلكل رجل اعمال استراتيجيته, ولكن ما يعنيني، وما لا يعرفه كثيرون، انه كان يذهب الى الاحياء الفقيرة فيقدم احسانه بهدوء وصمت، وتكاد يساره لا تعرف ما انفقت يمناه, رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وألهم اهله الصبر والسلوان,
fahads@suhuf.net.s
|
|
|
|
|