أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 28th March,2000العدد:10043الطبعةالاولـيالثلاثاء 22 ,ذو الحجة 1420

الثقافية

قصيرة قصيرة
النملة
فهد المصبّح
,,,, في المرة العاشرة يا شطار استطاعت النملة وبعد جهد مرير صعود جذع الشجرة دون ان تسقط منها حبة القمح، كان وقتهاالولد الكسول يراقب تلك المحاولات من النملة، فوعى الدرس جيدا، واقبل على دروسه يلتهمها بحماس ومن ذلك اليوم اصبح نشيطا مجدّا كالنملة.
تخرج ناصر حاصلا على وثيقة العبور,, شعر بباب المدرسة الحديدي يوصد خلفه، وبرودته ما تزال تلسع ظهره,, من الآن لم يعد تلميذا، شيء غريب يجتاحه هشم فرحته بالشهادة العليا، لقد فارق وجع الرأس وعذابات السهر خلف الكتب، واصبح رجلا كما تحب ان تناديه امه، وناضجا كما يردد والده على مسمعه، والنضج يعني ثمرة، والثمرة مآلها الاكل، ترى من سيلتهمه؟,, والده عندما يمضغ التمرة ويلفظ نواتها يقول ويده مبسوطة بالنواة: كل شيء يا ولدي له دور في الحياة حتى هذه.
ثم يرمي بها على السفرة,, طابور طويل في انتظاره منضود في خيط المسؤولية بدعاء امه، كانت اولى عشيقاته تلك النادرة التي ستهبه المال كلما وهبها لحظات عمره، دفع به والده اليها عن رضا وقناعة، فتلقفته على احر من الجمر ومباركة والديه، كانت فرحتهما تفوق ذهوله، شعر انه وحيد، صار العمل عنده لذة لا تعدلها لذة، وكان السباق فيه ملفتاً لنظر الزملاء الذين اطفأت فيهم طول الخدمة توهجهم، ولم تبق لهم الا اللهاث الى نهاية الشهر,, كان الوحيد الذي يأتي الى الدائرة مبكرا وينصرف متأخرا,, لم يسمح لمشاغل الحياة ان تأخذه من عمله الذي انتظره طويلا ووجد فيه نفسه,, يلعب فيه بيديه الخبيرة وذهنه المتوقد بحرفة وحب، تعلم الصبر من نملة قرأ قصتها في الصف الرابع الابتدائي,, لم يثنه تهكم الزملاءاو سخريتهم بل اصبح الملاذ لكل متخلف في الدائرة او كسول,, اين ناصر؟ خذ يا ناصر,, اكمل عني هذه يا ناصر، وهو يلبي بغبطة,, لم يكن درس النملة الا وقودا يمنعه عن التقاعس، ولقب في الدائرة بالنملة تندرا، كان رفاقه في العمل ينتظرون ان تخرج له اجنحة ليطير، لكنه لا يشاهد الا زاحفا على الارض تثقله المعاملات التي يحولها الزملاء عليه,, واحد فقط لم يكن يهتم به او يطلبه المساعدة فهو ارفع من ذلك لكونه مدير الادارة,, كان يلاحظ ما يقوم به ويردد على مسامع رؤساء الاقسام بأن ذلك لا يعدو كونه جديداً مفتونا بعالم العمل الذي دخله مؤخرا، وناصر لا يتوقف بل يتضاعف نشاطه وهو يرى نفسه قبلة الموظفين واملهم، فكرهه المدير، واخذ يلاحقه بالتحذيرات والاستفزازات كي يبقى في حاله,, لقد اختفت المخالفات والغلطات منذ حل بينهم، هل اصلحها؟ ام انه يقوم بالعمل وحده؟ وما دور بقية الموظفين؟ فتحول شعور الزملاء نحوه الى اكبار لم يطلبه بل أخاف آخرين كان التصادم معهم عنيفا.
اراد المدرس ان يكمل لتلاميذه حكاية النملة، فقال بنبرة حزينة: دب الحسد يا شطار بين النمل واكلت الغيرة قلوبهم.
ثم رسم على السبورة نملة تحمل فوق ظهرها قوتا كثيرا، ووضع عليها خطوطا شاحبة كسياج بوابة المدرسة,, اخذت النملة تتحرك في كل الاتجاهات تبحث عن مخرج,, اختفت الشجرة، وعيون التلاميذ معلقة بها,, دخل عليهم مدير المدرسة ملوحا بعصاه لمن تسول له نفسه بالهرب، شاهد رسم النملة على السبورة,, ابتسم، ثم انصرف.
لم يسفر التحقيق عن شيء، وبعض الشهود اجمعت على رؤية ناصر يغادر الدائرة متأخرا وفي كل مرة يحمل معه اشياء تحت ابطه، قال احد الطلبة: ماذا حصل يا استاذ للنملة؟
فرد بألم: اودعت السجن بتهمة السرقة.
لماذا؟تلك قصة اخرى.
وقبل ان ترتفع الايدي منادية بسردها انقذه الجرس.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved