| مقـالات
تركي: لا تعرفني حق المعرفة، ولا أعرفك حق المعرفة, أتذكر مقابلتك مرة واحدة في مكان لا أتذكره, ومع ذلك أعرفك معرفة تخوّلني للتحدث إليك,, نعم إليك وأنت في قبرك,, في عالي عليين إن شاء الله, بصراحة ,, أنا أعرفك يا تركي: لأنني أعرف أصلك وفصلك، وأعرف أنك قد ودعت الشباب وأنت في ريعان الشباب,, الآن أتذكر: حصلت على جريدة الجزيرة من أحد موظفي سفارة خادم الحرمين الشريفين وأنا في دولة أجنبية في طريقي الى دولة أخرى,, أخذتها بمعيتي ولم أشرع بقراءتها إلا بعد إقلاع طائرتي,, كنت متلهفا لأخبار سارة! وفجأة أقرأ ماذا؟!,, يا الله يا تركي : أقرأ خبر نعي رحيلك المر,, ألتفت يمنة ويسرة والطائرة تهز هزا فلا أجد في تلك اللحظة سوى الله سبحانه فأرجوه اللطف وحينها تسري في جسدي (جرأة!) على الموت ويتداعى في ذهني منظر والدك المكلوم بوالده منذ اشهر معدودة فقط وأتخيله وهو يودع فلذة كبده الى مثواه الاخير ليزداد حزني حزنا ويتضاعف ويتضاعف خوفي من المجهول، فألتقط هاتف مقعدي في الطائرة وأهاتف والدك,, لم أجده، اعتقد انني وجدت والدتك يا تركي ولكنني لم أعزها بك,,! لماذا لم أعزها بك يا تركي؟!,, لأن المصاب كبير ولأنني، يا تركي، ضعيف في مثل تلك المواقف، بصراحة لا أجيد عبارات الرحيل، تخونني عواطف الإنسان، تخيفني عبارات رحيل الإنسان يا تركي!,, تهبط طائرتي بدولة أخرى، أصل الى الفندق وبعيد ان احط الرحال أبادر بمهاتفة والدك,, مرة,, مرتين,, وفي خامس محاولة يرد أخ لك: أعتقد انه (بندر),, أعزيه باستحياء، وأرجو منه نقل تعازي الى جميع من فجع بفقدك يا صاحب الإحدى والعشرين سنة.
مرة اخرى: لماذا أتحدث ياتركي اليك وأنت في قبرك؟!,, رويدك رويدك يا تركي فلقد فقدت والدي يرحمه الله منذ ما يقارب الشهرين ورأيت والدك في منزلنا قابعا في طرف المجلس لساعات وساعات وهو اهل لصدر المجلس، لازمنا طويلاً، حمل مصابنا، ضحى بوقته، لم يستجب لنا ونحن نرجوه ونرجوه أن يرأف بنفسه ويذهب اليك ياتركي ويأخذ قسطاً من الراحة اخيرا يرعوي والدك ويغادر المنزل فقط ليعود مرة اخرى ليمضي ساعات وساعات!,, ألم أقل لك يا تركي أنني أعرفك,, أعرف أصلك وفصلك,, إنه الوفاء لك لأنك أهل للوفاء وابن للوفاء وأنت السابق ونحن اللاحقون,, يرحمك الله يا تركي سليمان الفالح.
ص, ب 4206 رمز 11491 الرياض
|
|
|