| مقـالات
منح الله سبحانه وتعالى عباده الكثير من المزايا والبدائل ليجعل حياتهم مرحلة ممتعة تحفل بالجهد والمرح والأمل والتنافس حتى يبعد عنهم السأم والملل عندما تستمر على وتيرة واحدة, وإذا كان الفراغ يملأ حياة الذين لم يعتادوا إطلاق قواهم الفاعلة في الإنتاج فقد عوضهم بالهوايات التي تستطيع بأن تكون سنداً لهم في إشغال ذلك الفراغ.
وأذكر حكاية منطبعة في ذهني منذ الطفولة ملخصها بأن فتاة رقيقة وناعمة من أسرة موسرة جلست في زاوية من قصر والدها حزينة ساهمة فجاءتها حكيمة من الخيال لتسألها ما بها تبتعد عن الناس، وقد وهبها الله جمالا مميزا وأبا ثريا؟ فلما أنست منها الصدق في الحديث سألتها أن تساعدها في القضاء على وقت الفراغ الذي يضايقها فمضت تلك الحكيمة بعض الوقت وعادت إليها بمجموعة من السنانير قائلة: إنك تحتاجين إلى تشغيل هذه السناير في الحياكة فإذا فعلت فإنك سوف لن تجدين لديك أي فراغ تتضايقين منه.
هذه الحكاية البسيطة إنما تستوعب مشكلة الكثير من الناس الذين يملأون أوقات فراغهم بممارسات ضارة دون الوصول إلى ما يحقق طموحاتهم.
فالإنسان أضاف الخالق إلى مواهبه ملكة مهمة جداً ألا وهي الخيال الذي يستطيع لو أحسن توجهه إلى اكتشاف مناهل لا نهاية لها من المتعة, فالحياة عندما تصبح على وتيرة واحدة قد تبعث على الملل,
ولعله من الأمور العادية أن تسمع شكوى أحدهم من برنامجه اليومي الذي لا يتغير والحياة بهذه النمطية تصبح عبئاً لا يحتمله الإنسان الذي يبحث عن التجديد ويضيق بالملل خصوصا إذا لم يكن لديه أية طموحات أو أحلام يسعى إلى تحقيقها والحرية التي نتمتع بها هي لوحدها نعمة قد لا ندرك مقدارها ما لم نفتقدها بعض الوقت, والخيال هو وليد الحرية إذا ما أحسنا استغلاله وتوظيفه في توجه سليم, والعلوم جميعا كانت في بداياتها خيالا طافيا في ذهن أحد الناس فتولد عنه تفكير سليم رغم صعوبات البدايات لولا أن العزم والإصرار صاحب ذلك الخيال الذي لا يحده جيل أو زمن, والخيال لا يباع في السوق أو نجده جاهزا في أي مكان إنما ينبع من ذاتنا في التأمل, فإذا ما جاءنا شرير ضار كبتنا مصدره بالعقل الجاد والموقف الصامد حتى نتحكم به, إذ ليس كل خيال مبدع إنما قد يتخلله جيوب قاتمة وعلينا أن نعتاد إطلاق العنان لمواهبنا المكبوتة فسوف نكتسب منها بإذن الله ما يحقق تطلعاتنا المستقبلية.
ولست إلا واحدا منكم باحثا في البحر عن اللؤلؤ,, بعيداً عن الواقع.
|
|
|
|
|