أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 27th March,2000العدد:10042الطبعةالاولـيالأثنين 21 ,ذو الحجة 1420

مقـالات

شيء من الحق
د, خالد محمد باطرفي *
من يعلق الجرس:
أزمة ثقافة أم أزمة مثقفين؟
أزمة المثقف السعودي تبتعد بقدر ما تلتقي بأزمة المثقف العربي, فمن ناحية، يتمتع المثقف عندنا بحقوق المواطن الأساسية، والتي يحسدنا عليها كثير من مواطني العالم النامي, ويضاف اليها هذا الاهتمام والتكريم من اجهزة الدولة ووسائل الاعلام, ومن ناحية تضيق مصادر المعلومات العالمية، والعربية، وخصوصا المحلية، حتى تكاد تنحصر في الدراسات العلمية والتقارير السنوية واصدارات الاحصاءات العامة ·التي على الرغم من اهميتها العظمى لكثير من القطاعات العامة والخاصة والعلمية تخفي اكثر مما تفصح ، ومصادر القراءة في المكتبات الجامعية وبعض المكتبات الكبرى كمكتبة الملك فهد الوطنية ومكتبة الملك عبدالعزيز في الرياض.
وفي الوقت الذي تزدحم فيه أعمدة الصحف وملاحقها الثقافية بأقلام ·مخضرمة وأخرى ·واعدة , ويكاد المتابع يشعر بان أبواب النشر مفتوحة على مصراعيها، يضع بعض رؤساء التحرير ومسؤولي الصفحات الثقافية قوائم تتضمن من يسمح ومن لا يسمح له بالكتابة لحسابات كثيرا ما تكون شخصية أو مزاجية، ولكنها تشمل ايضا مقاييس أخرى كمدى جرأة الكاتب في الطرح ومدى ملاءمة ما يكتبه مع السياسات الخاصة بالجريدة، والخطوط الاعلامية العريضة.
وفي حين تستقطب محافلنا وصالوناتنا الأدبية نجوما ثقافية ·براقة واخرى يكاد لا يعرفها الا المضيف, وتزدحم موائدنا واحتفالاتنا وصالات مسارحنا بمن يحسن تنغيم الكلام، وبمن ينصب المرفوع ويرفع المنصوب, ثم تخرج اقلام المحتفى بهم، من داخل وخارج البلاد، تثني على المناسبات و·المعزبين ولا تذكر من كرم الضيافة الا الاحتفاء المعنوي فحسب، يغيب في المقابل او ·يُغيّب كثير من اهل الرأي السديد، والفكر المجيد، ربما لجهل المنظمين والداعين بهم، او لقلة ما تنشره الصحف لهم، او لأنهم لا يحسنون التعبير عن الامتنان.
وفي حين تزدحم أرفف المكتبات بانتاج المطابع الوطنية والعربية، ويكاد المرء يضيع بين زحام الاصدارات التي تُهدى اكثر مما تُباع، وتخزن اكثر مما توزع, مع ما قد يفسح بين الحين والآخر من كتب ·مفيدة ، ككتب التاريخ والجغرافيا والكمبيوتر، والكتب الثقافية ·الجريئة التي تلتقي في الوقت نفسه مع الخطوط الرقابية المعتمدة تقف كثير من العقول في طوابير دور النشر والأندية الأدبية واقسام الرقابة الاعلامية والموزعين بحثا عن حق وواجب اشاعة العلم والمعرفة، والتعبير عن الرأي والمشورة، والبحث في قضايا الساعة التي تهم الناس وتمس شؤونهم وشجونهم، ثم قد يقدر لهم ان ·يُفسحوا و·يُنشروا و·يوزَّعوا ويُدعوا الى طاولات الحوار، او قد يأخذهم الملل، و·اليأس و·عزة النفس بعيدا عن طوابير الانتظار الى محطات التأمل في حال الدنيا والناس، وضياع الفكر الحقيقي على أبواب الفن و·الكورة والشعر الشعبي ومدح الأكرمين وتمجيد الذات.
وفي زمن لا تنقطع فيه الندوات الثقافية التي تتبناها الجامعات والهيئات العامة والغرف التجارية ووسائل الاعلام والمعارض الثقافية والأندية الأدبية والرياضية وجمعيات الثقافة والفنون, وفي حين يكاد المثقفون لا يخرجون من ملتقى حتى يدلفون الى آخر، ولا تصلهم دعوة حتى توافقها أخرى، يكاد المتحاورون يقفون عند حدود البحث الذي توقفت عنده الملاحق الثقافية حتى مات كمدا، في الوقت الذي تغيب فيه قضايا ·الهم الوطني ، كتخلف مناهج التعليم، وتردي انتاج الجامعات، وغياب البحث العلمي والتدريب في القطاعات الانتاجية، وفي دراسات الجدوى والتخطيط الاستراتيجي للمشاريع, وفقر المعلومات الاحصائية والديموغرافية والاقتصادية لدى المخططين والمستثمرين, وغياب الوعي العام في شؤون تمتد من قيادة السيارات الى فقه الحوار، ومن التعامل مع الوافدين الى كيفية استقطاب المستثمرين, علاوة على قضايا حياتية ·مصيرية كتردي احوال شباب ضاعوا بين بيت لا يَسأل، ومدرسة لا تُسأل، وشوارع تستقبل، الى الاتجار بالطب الخاص وصعوبة الحصول على الطب العام وغلاء الدواء والكتاب والمدارس الخاصة.
وخلاصة الامر ان ما نخرج به في نهاية المطاف، وبعد كل هذا الجهد، وهذه الانتاجية المترفة، وكل الامكانات المتاحة يقل في جدواه عن قيمة ما تنتجه اوساط ثقافية لا تصل امكاناتها المادية والتقنية و·العددية الى جزء بسيط مما نملكه, ويأتي هذا نتيجة طبيعية لتغييب الأجدى الجريء والاحتفاء بالمهادن والمجامل و·الملتزم بسياسة الجريدة، ومحرريها حتى التجوف والهلامية والتكرار الممل.
وهكذا السؤال الحائر يبقى: هل أزمتنا أزمة مثقفين أم أزمة ثقافة؟ أزمة فكر أم أزمة ساحة؟ أزمة انتاجية مجدية أم أزمة مساحة؟ البحث في هذه الاسئلة يطول و·يحلو ولكن,, من يعلق الجرس؟
*رئيس الشؤون المحلية
جرية الوطن ْ أبها

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved