| الريـاضيـة
نتابع احاديثنا الخفيفة في جولة اخرى مع الذكريات الكروية طرائفها وغرائبها، وننتقل اليوم الى الكرة اللبنانية قبل ان نعود سريعا الى لوغريتمات الكرة المصرية.
تعيش بيروت هذه الايام مظاهر الفرحة العارمة بعد استعادة ابرز انديتها واكثرها شعبية نادي النجمة الاسبوع الماضي لبطولة الدوري اللبناني لكرة القدم في عامها الاربعين بعد غياب طويل دام نحو ربع قرن من الزمن، الجدير بالذكر ان البطولة توقفت في موسم 1976م، بسبب الاحداث الاهلية الدامية وما تلاها والتي ما يزال لبنان الاخضر الجميل يحاول جاهدا التخلص من آثارها والعودة الى بهائه وروعته، ولدى عودة النشاط الرياضي عام 1989م انتزع القطب االثاني للعاصمة اللبنانية والغريم اللدود نادي الانصار لقب البطولة ونجح في الاحتفاط به لمدة 11 سنة متتالية محققا رقما قياسيا خياليا على الرغم من ان خصوم الانصار يحاولون التقليل من شأن هذا الانجاز ويدعون ان ادارة الاتحاد اللبناني تخضع لسيطرة الانصار، ولعل فوز النجمة يهدىء من هذه الحملات ويعيد الوئام للكرة اللبنانية وهي مقبلة صيف هذا العام على استقبال بطولة كأس الأمم الآسيوية لأول مرة,!
فوز نادي النجمة اعاد الذكريات لمحبي لبنان والكرة اللبنانية الى العصر الذهبي لهذا الفريق في السبعينات عندما احرز البطولة بجدارة لافتة لموسمي 1973ْ 1975م، واعاد لي شخصيا ذكريات عزيزة لهذا البلد الغالي المضياف عندما كنت هناك اتلقى تعليمي الجامعي في نفس الوقت امارس عملي كمحرر رياضي في جريدة اللواء اللبنانية، ولعل واحدة من هذه الذكريات لا يمكن ان تنسى لطرافتها ومأساتها معا، وهي تؤكد مرة اخرى ان العمر غال وثمين حتى قبل الخمسين,, ففي احد ايام موسم عام 1975م كلفت من قبل رئيس القسم الرياضي بالجريدة بتغطية مباراة في الدوري الممتاز بين الانصار والهومنمن على ملعب المدينة الرياضية في المنطقة الغربية من بيروت، وكان رئيس القسم الرياضي (ب,ح) يعمل امينا عاما لنادي النجمة ومشهوراً بمداعباته الثقيلة لنادي الانصار عبر صفحات الملحق الرياضي للجريدة، وخلال متابعتي لهذه المباراة حدثت مشادة مؤسفة داخل الملعب بين رئيس الفريق ومدربه في نفس الوقت (ع,ش) والمهاجم الخلوق (م,ص,) سببها ضياع فرصة مواتية للتسجيل، وفوجىء الجميع برئيس الفريق يصفع بقوة اللاعب المهاجم الذي نزع قميصه حانقا وألقاه ارضا وهو في طريقه الى خارج الملعب على مرأى ومسمع الحكم الدولي (س,ف) الذي اشار باستمرار اللعب من دون اهتمام يذكر (!)، ولدى عودتي الى مكتب الجريدة فوجئت بمدير القسم يستعرض صور الواقعة مع المصور ويطلب مني مقالا ناريا ضد الغريم فريق الانصار، فاعتذرت له موضحا بأنني اتناول فقط الامور الايجابية والنواحي الفنية، وبالفعل نشرت الصور الرنانة على صدر الصفحة بينما المقالة لم تتناول كلمة واحدة عن الواقعة، مما اضطر صاحبنا الى كتابة ما حدث في زاويته المثيرة في مكان آخر من الصفحة، ولم ينته الامر الى هذا الحد اذ اقبل رئيس التحرير في اليوم التالي متسائلا عن كيفية نشر الصور من دون حتى الاشارة اليها في المقالة وعندما علم الحقيقة التفت مبتسما الى رئيس القسم وحذره من عواقب تعليقاته الساخرة.
وفي الاسبوع التالي حدث ما لم يكن في الحسبان واصبح حديث الشارع الرياضي في كل مكان، وتبدأ القصة بوجودي مع رئيس القسم داخل ملعب المدينة الرياضية لمتابعة مباراة اخرى في الدوري، وتصادف جلوسي وحيدا لتركيز اهتمامي بمتابعة المباراة وتسجيل احداثها بينما جلس رئيس القسم ورفاقه بعيدا يتجاذبون الاحاديث والضحكات,, وفجأة لف الصمت الشديد جوانب الملعب والجماهير عندما دخل ارض الملعب من الجهة المقابلة مجموعة من المسلحين بالبنادق والرشاشات اخذت طريقها الى داخل الملعب وهي تطلق مجموعات من الاعيرة النارية في الهواء، فتوقفت المباراة وتسمرت ارجل اللاعبين وحكم المباراة في ذهول تام وهم يتابعون بنظراتهم تلك المجموعة المتجهة وسط الملعب الى الجهة المخصصة لللصحفيين حتى وصلوا الى حيث يجلس رئيس القسم وفي لحظات قليلة تكلموا معه وفجأة انهالوا عليه جميعا بالضرب المبرح حتى سقط غائبا عن الوعي، ثم نظروا الى الجهة التي اجلس فيها وتقدموا نحوي مباشرة، ولم يكن بالامكان اظهار اي محاولة يائسة للمقاومة او حتى الهروب فالرعب والخوف في هذه الحالة يلغي التفكير ويشل الاقدام ويصبح من المستحيل تطبيق المثل اللبناني الشهير (الهريبة ثلثين المراجل),, (أي الهروب يوازي ثلثي الرجولة),, ولدى وصولهم وتوقفهم امامي خيل اليّ ان احدهم قال: استاذ عميد,, نحن نشكرك ونهنئك على كتاباتك المحترمة وتحليلاتك المهذبة),, ثم التفتوا الى الخلف وعادوا الى عبور وسط الملعب بين اللاعبين والحكم وهم يدقون الارض باقدامهم للوصول الى البوابة المواجهة للخروج، ولم ينسوا بالطبع اطلاق سلسلة طلقات هوائية وداعية، وفور خروجهم اطلق الحكم بدوره صافرته وسط السكون الرهيب لتعاود المباراة انطلاقها وكأن الأمر مشهد من فيلم سينمائي كرتوني,,, وسط ذهول الجميع,!
لوغاريتم الكرة المصرية - 2
تحدثنا في الاسبوع الماضي عن اسباب تراجع مستوى الكرة المصرية، وتطرقنا الى لوغاريتمات الناقد الراحل نجيب المستكاوي وملاحظات الخبير الكبير محمد عبده صالح الوحش حول الحاجة الماسة الى اعادة التقييم الشامل ووضع الخطط المستقبلية للنهوض بالكرة المصرية من دون التلاعب بمشاعر الجماهير المتأججة او الوقوع في حبال عواطفها المتقلبة، فهي تبقى دوما الروح الحقيقية للعبة الملايين,, ولكن عندما تصل الامور الى الاستهانة بهذه الجماهير والعمل على إثارتها فلابد وان الاحوال ستصل الى حد تدمير القيم النبيلة للرياضة، وقد تعرض حياة الابرياء من محبي الرياضة للخطر الشديد، وليس في هذا الامر مبالغة على الإطلاق فالتجربة دائما هي خير برهان.
ففي صيف عام 1989م كانت التصفيات الإفريقية لكأس العالم على اشدها وكان المنتخب المصري في موقف لا يحسد عليه امام جماهيره المتلهفة، فهو يحاول الوصول الى نهائيات كأس العالم بعد غياب طويل لم يعد يتناسب مع مكانة وتاريخ الكرة المصرية فالضغوط المتزايدة والشحن الإعلامي ايقظ الجماهير الصابرة واشعل غيرتها، وتصادف في تلك الأيام العصيبة ان زار مصر احد محبي الكرة المصرية وأراد ان يتابع المنتخب المصري عن قرب في استاد القاهرة الكبير وهو يستعد لملاقاة شقيقه المنتخب الجزائري في لقاء الحسم بينهما لتحديد الصاعد الى نهائيات كأس العالم، وكان صاحبنا يحمل كاميرا فيديو جديدة أراد تجربتها لأول مرة ومعرفة كيفية تشغيلها ولكن محاولاته المتعددة لم يصادفها النجاح لعدم صلاحية البطارية الخاصة بتشغيل الكاميرا، وفي الوقت الذي بدأ في وضع الكاميرا داخل الحقيبة الخاصة بها والاكتفاء بمتابعة تدريبات المنتخب سمع همهمات سرعان ما تزايدت الى اصوات عالية، ولم يكد يلتفت ليستطلع الامر وفوجئ بالمشاهدين حوله يتصايحون ويشيرون بأيديهم نحوه، وخيل اليه مرة اخرى انه سمعهم يقولون بصوت واحد غاضب,, (هذا جاسوس علينا,, هذا جاسوس جزائري,, وعملا بالمثل اللبناني الشهير الهريبة ثلثين المراجل التقط امتعته واطلق ساقيه للريح والجماهير الغفيرة تعدو خلفه الى ان وصل وحدة التصوير الخارجي للتلفزيون المصري واحتمى وراء رجالها ولم يكن هؤلاء بأفضل كثيرا من جماهيرهم الصاخبة، ولكنه سبحانه وحده ألهمه في لحظة شاردة ان يتناول بطاقة العضوية الشرفية الممنوحة له من نادي الزمالك والمقدمة له في الرياض من صديق مصري والتي كان يحملها مصادفة معه لمحاولة زيارة النادي الشهير لأول مرة، هذه البطاقة الزملكاوية انقذت صاحبنا من غضب الجماهير عندما لوح بها امام اعينهم وهو يقول لهم (انا زملكاوي) ولست جزائريا، فتدخل بسرعة رئيس وحدة تصوير التلفزيون المصري ورفاقه لحمايته وانقاذ الموقف ونجحوا بعد جهد كبير في تهدئة الجماهير وابعادها، وعندما كان يلتقط البطل الهمام انفاسه اقترب منه رئيس الوحدة وقال له بدماثة المصريين وخفة ظلهم المعروفة (احمد ربنا ان الناس لم تر صورتك خلف البطاقة وانت ترتدي الشماغ والعقال يا سيادة العميد,,!!
ومن المواجهة في بيروت الى العدو في استاد القاهرة اتخذت قراري النهائي بمتابعة رياضتي المفضلة بهدوء تام امام تلفاز منزلي بمنطقة العليا في الرياض عاصمة الأمن والأمان,, ويا قلب لا تحزن، ألم أقل بان العمر غال قبل الخمسين,, وبعد الخمسين!!
ameed @shaheer.net.sa
|
|
|
|
|