أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 26th March,2000العدد:10041الطبعةالاولـيالأحد 20 ,ذو الحجة 1420

الثقافية

الشيخ عبدالله بن خميس
تغنّيه بالأهْْْْْْْْْْْْْْل والوطن:
سعد بن خلف العفنان
يغطي قلم الشيخ عبدالله بن خميس جوانب كثيرة من حياة الأمة وهموم الناس فقد تطرق إلى جميع القضايا المعاصرة للمجتمع السعودي بوجه خاص وللأمة العربية بوجه عام ونقل تجاربها وعبّر عن واقعها في مختلف المجالات وطرح مطالبها وتطلعاتها بدون مواربة سواء من خلال نشاطه الصحفي وبحوثه الكثيرة التي أصدرها في العديد من الكتب او من خلال ديوانيه الشعريين حيث طرق كل أغراض الشعر وقضاياه بجدارة حسده عليها الأنداد ونالت اعجاب النقاد والجمهور الواسع من القراء والمتابعين,, وفي هذه المقالة فإن ما ينبغي أن نقف عنده هو أنه يجعل قضية الوطن أمَّ القضايا التي يوجه إليها إبداعه ومن أجلها يوظف فكره وثقافته وفي ذلك يقول على لسان الطيار السعودي:


أنا من أنا إن لم اقدّم مهجتي
دون الحمى براً فداءً هيّنا
أنا مؤمن درب الجهاد سبيله
لا أمتري فيه مُسِرَّاً معلنا
وطني وقومي أمتي وعقيدتي
إن لم أفدها وإلا من أنا (1)

ويبلغ فخره مداه بأمته حينما يقول في قصيدة أخرى:


خُلُقٌ في طبع قومي يتسامى
أينما حلّوا حجازاً وشاما
أقسم المجد وآلى أنه
لا يراهم ما بقوا إلا كراما
يعيث الدهر ويزورُّ بهم
وهم الأعلوْن لا يحنون هاما (2)

والوطن الذي هو قضية لابن خميس أسمى ما تكون التضحية والفداء له، هو في الوقت ذاته مصدر إلهام له في شعره حيث يقول من قصيدة له بعنوان من وحي عسير :


دعاني الشوق فاسترحلت عزمي
وأعطيت القياد هوىً جنوبا
أغالي في الجمال فلا تلمني
إذا شمت المفاتن أن أذوبا
طروبا يشتهي بصري وسمعي
ووجداني بأن أبقى طروبا
لأني ما خُلقت أزل صلداً
ولكن شاءني ربي أديبا
فإن حرّكت يا أبها شجوني
فما شيء أهجت,,, غريبا (3)


ونظرة ولو سريعة في ديوان الشيخ عبدالله بن خميس تؤكد ان جزيرة العرب كلها مصدر وحي له وليست عسير فحسب، ففي قصيدة له في تحية يقدمها للملك فهد بعنوان هذه الرياض يقول:


حُلّها طلقة المحيا رحيبة
لبست حلة الجمال قشيبة
وازدهت في جلالها وتبدّت
حلوة سبطة القوام رتيبة
زانها الوشي والملاحة والدلُّ
وأربت فيها الفنون العجيبة
من غريب سما على روعة الفن
جلالاً ومن معانٍ غريبة
ناعمات فيها الحدائق أفوافاً
وتزهو بها الرياض العشيبة
رُكّبت في سمائها نيِّرات
تتحدى زهر النجوم خصوبة

إلى أن يقول:


هذه هذه الرياض تجلّت
ليلاقي فيها حبيبٌ حبيبه
لتلاقي فهد المليك جلالا
وتحييه غادة رعبوبة
في مغان من الجمال حديث
ومعان من الجمال نجيبه
فهي أس العرين في سالف الدهر
وحصن الولاء ومهد العروبة
شربت من عصارة الدهر مرّاً
وتحسّت خبث الشراب وطيبه
حل حينٍ تعدو عليها العوادي
من مصاب يعتامها أو مصيبة
كلما خفّ للجهاد فريق
عرف الموت من دونه نصيبه
جند عبدالعزيز سلماً وحربا
وهواه وأهله وربيبه
ما سخا بالولاء والحب شعبٌ
مثل شعبٍ أعطى للمليك قلوبه
فهو فيه أصلاً وأهلاً وربعاً
وسلوكاً ومحتداً وعروبة (4)

لقد تغنّى الشيخ عبدالله بن خميس بكل ربع من ربوع جزيرة العرب سواء بشعره الإبداعي الذي يضمه ديوانه أو بالأشعار التي قالها غيره من شعراء العرب قديما وحديثا فأذاعها عبر الأثير من خلال مشاركاته الإذاعية أو فيما نشره من مقالات وبحوث ومؤلفات تفوق الحصر, ويقول شيخنا الفاضل من قصيدة له يحيي فيها منطقة حائل:


بكّرت في بشرها مزدانة
يتسامى في رؤاها جبلاها
أجأ رمان سلمى والحمى
والهضاب السمر يهتزُّ ذراها (5)

وله أشعار رائعة في وصف مفاتن الطبيعة وصفا فنيا دقيقا راقيا في عسير وجازان وغامد وزهران ومختلف مدن ومناطق المملكة في نجد والحجاز وفي شرقي المملكة وشمالها مما يضيق بنا المجال عن إيراد شواهد منه ومما يتجاوز به ابن خميس التأثير العميق على القارىء بحيث لا يجعله يتذوق طعم الوطن وحسب، بل يجعله يشم رائحة عبق الشيح والقيصوم والعرفج محلقاً في أجواء الجزيرة منتشياً بإلهاماتها التي هي مزيج من خصوصية المكان وتميز السكان وصدق العقيدة وصفائها.
وحتى عندما يشدو ابن خميس للقضايا العربية المصيرية كقضية فلسطين ْ مثلا ْ فإنه يفعل ذلك انطلاقا من خصوصية هذا الوطن جزيرة العرب ودورها القاعدي كأم للعرب جميعاً ومهد للإسلام والمسلمين وموئل لأفئدتهم في مشارق الأرض ومغاربها.
الأدب وأعلامه:
عُني الشيخ عبدالله ابن خميس بالحث على الجد والمثابرة في تحصيل الثقافة النافعة والأدب البناء فدعا الشباب إلى دراسة تاريخ أمتهم العربية وأمجادها وآدابها ومفاخرها وسبر أبطالها وأن يتخذوا من لغة قومهم قوة يتمكنون بها من استكناه خبايا علومهم وآدابهم وعقائدهم تم تمتد أعينهم إلى تاريخ الأمم الأخرى وعلومها وآدابها ولغاتها فينهلون منها حتى إذا تحدّث متحدث مع أحدهم وجده دائرة معارف يفيض بعلم جم ويتنقل في بستان قطوفه دانية وثماره شهية (6) .
هكذا يريد شيخنا الفاضل الأمة وشبابها فيما كتبه في فواتحه تحت عنوان لا نريدها ثقافة مخدع مندداً في الوقت ذاته بما أسماه ثقافة الهزل ورخيص القول وغثاثة الاختيار والصحافة الماجنة والتآليف الداعرة وأدب السرير وغير ذلك مما يُربي في نفوس الشباب الميوعة والارتخاء ويقتل فيهم الإرادة ومغالبة النفس والطموح والعزة والفتوة والشمم (7) .
ويرى الشيخ عبدالله ابن خميس انه لا يوجد أدبان على الساحة الثقافية العربية فالأدب العربي واحد لا يتجزأ أما ما يُسمى بأدب الشباب فإن ما يرقى منه إلى مستوى الاصالة والذوق ويترجم احاسيس الناس ويعبر عن هموم المجتمع وتطلعات الأمة يكون أدبا عربيا وما عدا ذلك فهو لا يعدو ان يكون نشازاً متنافراً في الساحة الادبية لا تجمعه رابطة ولا يؤلف بين شتاته سمط,, خاليا من الروح لا يحرك ساكناً لمستمعيه ولا يسكن متحركاً فيهم وهو أشبه بنقيق الضفادع ونعيق الغربان (8) .
وشيخنا الفاضل لم يصل إلى هذا التقرير إلا بعد ان تأمل جيدا ذلك الادعاء الذي زعم اصحابه وجود شكلين متغايرين من الأدب ْ أدب الشيوخ وأدب الشباب ْ ولكل منهما ظواهره وصفاته لكن ذلك لم يكن بالنسبة له إلا وهماً لا يستطيع أصحابه أن يثبتوا ان له معالم ومقومات متمايزة على أرض الواقع تبين ما لكل منهما من سمات وتعطيه صفة الاستقلال والمغايرة التامة لكي يستطيع المتتبع والباحث ان يدرس كلاً منهما على حدة ويُعطي لكل ما يستحقه من قيم وامتيازات (9) .
من هذا المنظور يرى شيخنا الفاضل ان الأدب الذي انحدر إلينا منذ عشرات الأجيال متدرجاً في اسلوبه وأغراضه ومناحيه آخذا من كل عصر ما يناسبه متفاعلاً مع عاداته وتقاليده واتجاهاته مضيفا إلى كنوزه حصيلة جديدة في كل مرحلة هو الأدب العربي الذي يلتزم به ويدافع عنه، وهو بذلك يرى أن الأدب العربي مرّ بمراحل اولها يعود إلى ما قبل الإسلام وآخرها ما تزدهر به ساحتنا الثقافية في عصرنا الراهن,, عصر النهضة الحديثة التي قادها الرواد المجددون، الذين كان منهم محمد عبده وجمال الدين الأفغاني والكواكبي والرافعي وأحمد أمين وطه حسين والبارودي وحافظ إبراهيم وشوقي والرصافي والزهاوي وغير هؤلاء من الشعراء والكتّاب (10) .
وكان للشيخ عبدالله ابن خميس نهجه المتوازن الذي لم يحد عنه منذ ان ظهر في الساحة الأدبية علما مميزا وشاعراً مبدعاً وكاتباً صحفياً ومحققاً في التاريخ والجغرافيا وداعية إصلاح فهو يجمع بين التمسك بوحدة الأدب العربي وأصالته والوفاء لأعلامه قديماً وحديثاً وبين رفض الازدواجية فيه سواء أتى ذلك تحت مسمى أدب الشباب أو الحداثة أو الاقليمية أو أي مسمى آخر ويُحذّر في الوقت ذاته من الخلاعة والتحلل بقدر ما يحذّر من المغالاة والتزمت.
وكان من الأعلام القلائل الذين دافعوا عن الأدب العربي وأعلامه بشجاعة وثبات ولم يلقوا أسلحتهم أمام العواصف الهوجاء أو يضعفوا أمام كثرة الأعداء وتنوع أساليبهم وتعدد حيلهم والتوائها.
ولئلا أكرر شيئاً مما سبق ان قلته في بحوثي السابقة بهذا الشأن فإني أكتفي بأن أقف وقفتين في هذا الباب.
الوقفة الأولى: مع رثائه للأستاذ أحمد حسن الزيات الذي يقدم له قائلا: بالامس مات خليل مردم وعبدالوهاب عزام ومنصور فهمي ويعقوب سركيس وداود الحلبي والمغربي ومحيي الدين يوسف وغيرهم من أساطين الأدب واللغة وعمالقتهما,, ماتوا في أوقات متقاربة وكأن شيئاً لم يكن وكأن الأدب العربي لم يُرزأ بهذه الصفوة المختارة من عمالقته وكأن لغة العرب لم يمت منها جانب أقوى بموت هذه الفئة من أبنائها البررة وروادها الغيّر وكأننا إذا مات منا واحد من أمثال هؤلاء خلفه غيره قؤول لما يقول وفعول لما يفعل لذلك لم تبكهم الصحافة إلا بإشارات عابرة وأخبار مقتضبة وتراجم مبتورة وصمت الشعر فلم يرهم أهلاً لرثائه وغاض وفاء الأدب فخرس اهله عن أن ينصفوا رواده (11) .
ثم يدخل إلى الموضوع فيقول وبالامس القريب هوى ركن من أركان الأدب وهوت دعامة من دعاماته وأصيب في سويداء قلبه,, بالأمس حملت لنا الأنباء موت الاستاذ الكبير بحق أحمد حسن الزيات فلم تقل الصحافة غير أخبار عادية أو رثاء عابر صمت الشعر كعادته وخرس الأدب فلم يحركه وفاء ولم يستفزه مصاب وما ذلك إلا لأن دولة الأدب في انقراض وعمره في هرم وسوقه في كساد,, وما ذلك إلا لأن لغة العرب تعاني ما تعاني من تقهقر وانحدار وتعكر معينها الصافي بلغة سوقية ارتضتها الجرائد وجرت على أقلام المتأدبين وتبناها أقزام ولم يعد لمثل أسلوب الرافعي والزيات وشكيب ارسلان والطنطاوي والريحاني هواة يطلبونه ولا متعشقون ينسجون على منواله فرخصت تلك الأساليب البيانية وكسدت سوقها وارتكب الكتّاب والمتأدبون في حق لغتهم وأدبهم جناية العجمة واللكنة واللحن والتحريف فتطاول من ليسوا من الأدب والكتابة في العير ولا في النفير وكتبوا وملأوا صدور الصحف وسوّدوا أعمدتها وسُمّوا كتاباً وأدباء فأملت لهم هذه الصحافة الرخيصة في غيهم وأرتهم أنفسهم في الثريا وهم لا يزالون في الثرى فامتد بهم الغرور لأن ينقدوا وأن يتفلسفوا وان يصدروا أحكاماً جائرة يظلمون بها الأدب وأهله (12) .
ويقول شيخنا الفاضل ان موت الزيات خسارة فادحة للثقافة والأدب فهو صاحب أعظم ديباجة عرفها هذا العصر وأقوى طود هوى,, وصاحب أقوى أسلوب كتب به كاتب وأحكم سبك سار به قلم وأسلم بناء وضعه أديب,, فلتة من الفلتات وحجة من حجج الله التي يُظهر بها فضل البيان العربي واعجازه,, لقد كانت رسالة الزيات هي هوايتي المفضلة وصديقتي من بين سائر الصحافة وأستاذي الأول والأخير في تكوين قلمي العاجز,, (13) .
ويمضي شيخنا الفاضل في رثائه للزيات فيقدم لنا قطعة أدبية بليغة من أروع ما قاله أديب في أديب آخر مما أتيح لي الاطلاع عليه حيث يقول:
إن في أسلوب الزيات ما إن تدبرته وتذوقته ما هو إلا اعجاز وتحد لسائر الأساليب الأخرى,, يضع عنوان المقال ثم تقول في نفسك ما عسى ان يأتي به في هذا المجال المجدب الضيّق ولم تلبث ان ترى نفسك بين افكار مساقة ومقاطع متسقة ولفتات منسجمة وأخيراً أمام مقال ضاف فريد تُحدّثك نفسك بحفظه ويدعوك دائماً لاستعادته.
إن الإعجاز في قلم الزيات هو جمال الصياغة وحُسن الديباجة وتركيز الأفكار وأنه ليخيّل إليك أحياناً أنه يسجع وليس بساجع وإنما تتساوق الجْْْْْْْْْْْْْْمل في بيانه وتنثال العبارات أمامه فيلتقط منها الأسلم والأقوم وينتقي المشرق الجميل وبما جاء ما بين الجملتين أو الثلاث أو الأكثر ما يسميه المفسرون الفواصل وتلك غير السجع.
وربما يتأتى بين الجملتين أو الجمل عفواً لا قصدا ما يعرف بالجناس تاماً أو ناقصاً وكثيراً ما ترى أبواب البديع منسجمة مع أسلوبه انسجام لبنات البناء المحكم لا يظهر فيها تكلّف ولا تُحس بينها تعسفاً ولا تشعر بنشاز لأنه من أرباب البلاغة الذين يعرفون كيف ومتى يكتبون ولمن يكتبون؟
ثم ان الزيات لا يعزّ عليه شاهد ولا يفوته مثل ولا تشذ عنه قاعدة بل كثيرا ما ترى هذه في مكانها الطبيعي وقالبها الحق, والزيات وإن كان يكتب ليقرأه الكل ويفهمه الجميع فأسلوبه لا يخلو أبداً مما نسميه الغريب ولكنه يجعله ليس بغريب ويمر عليه الجميع فيسبق معناه لفظه لأن القدرة البيانية والموهبة الربانية تعطيه ما يجعل من سياق بيانه ما يُفهم ومن إشراق أسلوبه ما يُعلم ومن تأثيره على القلوب والعواطف واشتياق القارئ إلى متابعته ما يفتق الأذهان ويكشف اللّبس ويقوي الإدراك.
وهذا هو مصدر الإعجاز في بيان الزيات والموهبة الغالية التي تجعل منه باعثاً لأسرار اللغة وكاشفاً لأغوارها ومحافظاً على بنائها في أسلوب يُعشق وبيان ياسر ولغة تُفهم وأفكار تهذّب وتقوّم,,, يعالج مشكلة اقتصادية أو ينقد وضعاً اجتماعياً او يصوّر حادثاً يمر به أو يفيض في وضع سياسي فنراه يعطي كل ذي حق حقه ويقدمها لك في حلة بهية وديباجة سندسية لا تحس في أسلوبه ارتخاء ولا تدرك فيه عجزاً ولا يعز عليه تعبير اقتصادي ولا علمي ولا جغرافي حتى لكأنه متخصص في كل مجال يكتب عنه وحتى لكأنه امام روضة غناء يصف ازاهيرها وغديرها وعرفها وشذاها وشيحها وخزاماها، أو لكأنه أمام قطعة شعرية رائعة ينثرها أو لوحة فنية يستنطقها.
وليست ميزة الزيات في كثرة مؤلفاته فما كانت كثرة المؤلفات يوماً من الدهر فخراً ما لم تكن نافعة فتآليف الزيات التي نعرف هي وحي الرسالة ويقع في اربعة مجلدات وهو الكتاب المفضل لدي وهو ولاشك مفخرة من مفاخر الأدب العربي والكتاب الثاني دفاع عن البلاغة والثالث في أصول الأدب والرابع تاريخ الأدب العربي والخامس ريفائيل والسادس عبقري الإسلام فالعبرة بالكيف لا بالكم واللباب لا بالقشور فميزة الزيات هي أصالته الأدبية وعبقريته الفذة ونبوغه.
رحمك الله يا زيات وأفاض على قبرك سحائب الرضوان وشآبيب العفو لقاء ما قدمته لأمتك من مآثر وللغتك من مفاخر ولدينك من جهاد مما أبقى لك لسان ذكر في الآخرين وخلّدك مع أعلام البيان وأفذاذ الزمان وعوّض الأمة العربية فيك من ينسج على منوالك ويجول في ميدانك طبت وطاب ذكرك وأعلى الله في الصالحين ذكرك وسلام عليك في رواد البيان وعمالقة الأدب (14) .
الوقفة الثانية: مع رثائه للأستاذ محمد حسن عواد حيث يقول شعراً:


رائدٌ فُقدُ مثله لا يهونُ
من مجان بها الزمان ضنينُ
تتبارى ربد القرون ولكن
كيف تسخو بالعبقري القرون
إنها من يد الزمان هبات
بعد لأي تكون أو لا تكون
ندروا ندرة العزيز من الدرّ
فأربى وقيل در مصون
فهداة حيث المسالك تيه
نيّرات حيث المعالم جون
لم يزالوا ولن يزالوا قليلاً
فترفق بعقدهم يامنون
إيه عواد والقواف أبكار
فهن بعدك عون
شَرِقتْ يا لبؤسها بدعاوى
حشرجات يضج منها الوتين
عربد الشعر واستحالت صواه
لا معان ولا بناء رصين
ركبوا متن لجة غير حذق
فطغى ماؤه وجار السفين
فأباه من جيد النثر نثر
وأباه من ساقط الشعر دون
إيه عواد من لنا بجريءٍ
ذي غرار قناته لا تلين
مدرهٍ يدرأ الخصوم بأيدٍ
كلما لج بالخصوم المجون
يأخذ النقد لا يُجاري كبيراً
أو يجاري في نقده أو يمين
طاولته شم العرانين حيناً
فتوارت إذ بزها العرين
ناطحوا صخرة لكي يوهنوها
فعلى متنها تشظّى القرون
نقموا حدة الخصومة منه
وهي ردءٌ يزين منه اليقين
من يراع جم الإفاضة لدن
مستجيشٌ يخافه التنّين
يرهب الواغل المسنّ شباه
ويجاف سوح البيان الهجين
ما امتطت متنه البنان إلا
وتداعت بعد الشجون الشجون
معلمات تشف عن نيّر الفكر
وتنداح بالجمال الفنون
طرزت ناصع البيان وأعطت
ما يُحلّي وجه الدنا ويزين
طب يا طيب المآثر ذكراً
أنت بالمدح والثناء قمين
فلئن عشت بين جيل عقوقٍ
نيّر الفكر بينهم مدفون
فمنوط في ذمة الفكر عهد
وخلود لأهله مضمون (15)

في هاتين الوقفتين يسجل شيخنا الفاضل حقيقة التزامه إزاء الأدب العربي وأعلامه الأفذاذ من خلال رثائه لرائدين من رواده المعاصرين، وفي الوقت ذاته يؤكد توجسه مما يعنيه رحيل جيل الرواد أمثال الزيات وعواد من بروز نكرات الأدب وأدعياء الثقافة ممن يُخشى منهم تقويض البنية الأدبية والثقافية كما هو جار الآن على أيدي من يُسمّون أنفسهم بأدباء الحداثة وما بعد الحداثة
ْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْالمراجع :
(1) على ربى اليمامة ص 269.
(2) المرجع السابق ص 154.
(3) المرجع السابق ص 305.
(4) المرجع السابق ص 223.
(5) المرجع السابق ص 167.
(6 ْْ 14) من جهاد قلم ْ فواتح الجزيرة ص267 و323 و354 و355 و357 و359 الشيخ عبدالله ابن خميس.
(15) على ربى اليمامة ص473 الشيخ عبدالله ابن خميس.


أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved