أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 26th March,2000العدد:10041الطبعةالاولـيالأحد 20 ,ذو الحجة 1420

مقـالات

الراحلون الثلاثة
إبراهيم بن سعد الماجد *
الحزن وتدفق الدمع وانقباض القلب، عند فراق والد أو ولد أو زوج,, حبيب أو قريب، شيء لا مناص منه ولا لوم عليه، فلقد ذرفت أشرف عين وحزن أرحم قلب، وقال عليه السلام: إن العين لتدمع، والقلب ليحزن، وإنا لفراقك ياإبراهيم لمحزونون هذا هو موقف أعظم رجل عرفته البشرية عند فراق فلذة كبده إبراهيم .
والمسلم مأمور بالإيمان بالقضاء والقدر، ومنهي عن الجزع ورفع الأصوات بالبكاء، ولطم الخدود، وشق الجيوب عند وقوع مصيبة الموت، كما أنه مأمور بحسن الظن بالله سبحانه وتعالى وأن القادم لميته خير ْ بإذنه تعالى ْ من الفائت.
قيل لأعرابي: إنك تموت! قال: وإلى أين أذهب؟ قالوا: إلى الله تعالى، فقال: لا أكره أن أذهب إلى من لا أرى الخير إلا منه!.
ولقد رحل عنا خلال أيام هذا العيد ثلاثة نسأل المولى القدير لهم المغفرة والرضوان يمثلون ثلاث فئات: فئة الشباب المقبل على الحياة بفتوة وفرح ذلك الشاب الذي نحسبه ْ والله حسيبه ْ من الشباب الذين سيظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله هذا الشاب هو/ تركي بن سليمان الفالح الذي رحل وهو يضع أول قدم له في سلم الرجولة ببلوغه الواحد والعشرين من العمر تاركاً لوعة وألماً في قلوب من عرفوه وحزناً قاسياً لوالديه وإخوته, فتركي يمثل فئة عمرية هي زينة الشباب ونضارته,, هي الفتوة والفرح,, هي العطاء المتدفق والطموح اللامحدود,,, ولكن مع هذا كله نقف بل ويقف والده,, هذا الرجل العظيم بخُلعه وفضله ومروءته مؤمنين بأن تركي لم يغادرنا نتيجة إهمال أو تقصير من قبل أي منا في دفع ضرر عنه وإنما غادرنا لأن عمره انتهى,,! ونحمد الله سبحانه على إيماننا بكل حرف في كتابه العظيم والذي أنزل على أفضل خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم: فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون !!.
ورحل تركي تاركاً رسالة إلى كل شاب مغرور بشبابه كلها تحذير ورجاء بالاستعداد لمثل هذا اليوم كفى بالموت واعظاً .


فالعمر نوم والمنية يقظة
والمرء بينهما خيال ساري

كما ودعنا رجل الدولة صاحب المعالي/ عبدالوهاب بن محمد العيسى هذا الرجل الذي رحل عنا بالغاً من العمر أشده ومن المناصب أعزها كان باذلاً للمعروف واقفاً مع المحتاج معيناً لكل مستعين لم يشتك من علة ومع ذلك أُخذ على بغتة فكان الألم شديداً على قلوب من عرفه والحزن أليماً على قلب والديه وإخوته وأولاده وحرمه,, رحل ولم يرحل معه ذكره الحسن فكانت هذه رسالته التي تركها لأصحاب المناصب بأن لا شيء يبقى إلا الذكر الحسن, لا,, الألقاب تبقى,, ولا,, الأحساب تشفع,, ولا المناصب تنفع,, كل مرتهن بعمله ولا يصل الإنسان في قبره إلا دعوة صالحة,, ولن يُدعى لمن لا يبذل المعروف ويقف مع المحتاج وينصر المظلوم, قدم عبدالوهاب إلى من هو أكرم منه وأرحم وأشفق, الآن فقط يشعر بصنائع المعروف التي بذلها ومواقف الإحسان التي وقفها.
كما رحل عن دنيانا رجل الأعمال فهد بن عبدالرحمن الريس بعد أن كوّن شبكة من الأعمال المختلفة من زراعة وتجارة وصناعة, بدأ حياته متعلماً فمعلماً, ترأس مجالس شركات عديدة, نال الأوسمة وحاز المكاسب في صفقاته التجارية داخلياً وخارجياً نجاحات متتالية في سنوات ليست متباعدة,, ومع كل ذلك رحل ! ولسان حاله يقول:


لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر

وهذا البيت خير رسالة يوجهها إلى أصحاب الثراء والمال فلا المال يدفع الأجل ولا القوة تزيد في العمر، وإنما البذل والعطاء والإحسان وأخذ المال من أوجهه الشرعية ودفعه في أوجهه الشرعية هو الذي ينفع يوم لا ينفع مال ولا بنون.
ومع كل هذا فكل هؤلاء يرددون


يارب إن عظمت ذنوبي كثرةً
فلقد علمت بأن عفوك أعظم

رحم الله موتانا جميعاً وجبر كسر قلوبنا على فراقهم وما أقوى جأش تلك المرأة عندما أخبرت بوفاة زوجها نتيجة حادث مروري مفاجئ وهما يؤثثان منزلهما فرحين به قالت على الفور اللهم أجرني في مصيبتي وأخلفني خيراً منها، فهذا هو الدعاء المأثور الذي يجب أن يقوله كل من أخبر بمصيبة: فإنما الصبر عند الصدمة الأولى قالت ذلك نتيجة إيمان راسخ بأن ماحصل قضاء وقدر، وقالت ذلك لإيمانها بأن الجزع لا يرد فائتاً، لا يرجع منصرماً، ولاستحضارها عظم أجر الصابرين ولإيمانها بأن الصبر مفتاح كل فرج، صبرت يوم جزع الرجال، وأظهرت تجلداً يوم انهار الرجال,, ووقفت احتساباً يوم نسي الآخرون الاحتساب، فإلى أسرنا الفاضلة الثلاث: آل فالح وآل عيسى وآل ريس نعزيكم أحسن العزاء وندعو لموتاكم بالرحمة والمغفرة ولا نقول إلا,, اللهم أقل عثراتهم وأعف عن زلاتهم وجد بحلمك على من لا يرجو غيرك، ولا يثق إلا بك، فإنك واسع المغفرة، تعفو بقدرة، وما وراءك مذهب لذي خطيئة موبقة، يا أرحم الراحمين.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
* رئيس مجموعة المعراج الدولية للنشر والإعلام
ص ب: 858 ْ الرياض 11421

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved