| مقـالات
امتعض المسلمون في الولايات المتحدة الامريكية بمرارة عندما سمعوا عبر وسائل الاعلام المختلفة ان جميل الامين ْ وهو من ابرز الشخصيات الاسلامية في امريكا ْ اطلق النار على رجلي امن في مدينة اتلنتا بولاية جورجيا فقتل احدهما واصاب الآخر بجروح ثم لاذ بالهرب.
امتعض المسلمون عند سماع الخبر، ولسان حالهم يقول: ·صدق او لا تصدق ,, لما ينطوي عليه هذا العمل من آثار ومخاطر يصعب على المسلمين تحملها، ومعالجة آثارها في المنظور القريب.
قبل التعرض لما يتوخى من آثار ومخاطر، يحسن تنوير القْْْْْْارىء الكريم بلمحة موجزة عن المتهم جميل الامين، الذي تم القبض عليه بعد ثلاثْْْْْْة ايام من الحادث، لقد عرفه الشعب الامريكي في الستينات كمعْْْْْْارض يتقدم المسيرات الطلابية الهادرة التي تنادي بالحقوق المدنية وبايقاف الحرب في فيتنْْْْْْام, وكان لشخصيته القوية اكبر تأثير على الحركة الطلابية في الجامعات شرق وغرب امريكا, وكان مكتب التحقيقات الامريكي ·FBI يعتبره شخصيْْْْْْة خطيرة وينظر اليه بعيون من الاهتمام والترقب والمتابعة, كان خطيبا ديناميكيا، وهو رجل فْْْْْْارع الطول قوي العزيمة يحب المخاطرة، وكان من المعجبين بالشخصيات الثورية التي كانت سمة الستينات.
عرف الشعب الامريكي ذلك المتهم الذي كان اسمه روب براون ·Rop Brown ، وتابعوه عبر وسائل الاعلام, ومرت اوقات عصيبة اختفى فيها عن الانظار عام 1967م للحفاظ على حياته, الا انه تم القبض عليه واودع السجن وعمره 23 سنة وامضى فيه خمس سنوات, تعرف روب براون في السجن على الاسلام ودخل فيه, وحسن اسلامه واصبح قائدا في الاسلام كما كان قائدا من قبل، وهو واحد من اربع قيادات اسلامية تعود اصولها للقارة الافريقية، وهم امام وارث الدين محمد ولويس فرخان، وامام سراج وهاج.
وقد تميز امْْْْْْام جميل الامين بعدة ميزات طيبة صنعت منه قيادة اسلامية نادرة، من ذلك ماضيه الثر بالكفاح والمغامرات، فلقد كان ملء السمع والبصر اثناء شبابه ودراسته في الجامعة، ثم توجهه الديني الصحيح الميال للحق والاتباع بقناعْْْْْْة، وتوجهه للدعوة والتعليم حيث بلغ اتباعه اكثر من عشرة آلاف شخص موزعين في اكثر من 30 مدينة وضاحية، ولكل مجموعة مسجد وبرامج تعليمية مرتبطة به, لم يكن رجل اعلام، ولم يكن ميالا للدعاية والظهور, لقد تغيرت نفسيته بعد دخوله الاسلام، فتحول من رجل ثائر غاضب الى رجل وادع صامت.
لذا كان الاستغراب كثيرا عندما سمع المسلمون بخبر الاعتداء على رجال الامن يوم عيد الاضحى المبارك في مدينته والتي يحظى فيها بكثير من الاحترام, لابد وان للحادث ملابسات يصعب الكتابة عنها في الوقت الحاضر، فالاتهام الذي ضده انه تقمص شخصية شرطي وذلك انه اوقف وهو يقود سيارة مستعارة، ويبدو ان هنالك تقريرا لدى الشرطة يعتبر تلك السيارة مسروقة، وعندما اوقفه البوليس اعطاهم بطاقة شخصية توهم التقمص بشخصية رجل امن,, مما اوجب محاكمته، وعندما طلب للحضور للمحكمة لم يحضر مما استوجب حسب القانون ارسال الشرطة المختصة لاحضاره مخفورا، وعندما داهموه في دكانه اطلق عليهم النار, هذا ما ذكرته وسائل الاعلام, وحدث مثل هذا لابد وان له آثاره الكبيرة على جماعته واتباعه بشكل مباشر، وعلى الصورة النمطية للمسلمين بشكل غير مباشر.
ربما يؤدي ذلك الحادث الى تفتت جماعته واختلافهم كعادة الجماعات والتجمعات الدينية، فعندما يغيب الزعيم، تتغير الاحوال وتكثر الآراء ويحصل الاختلاف, وجماعته تتجه للمحافظة والبعد عن السياسة والميل للاتجاه ·السلفي في المظهر، فهم يفضلون لبس الثياب وحجاب النساء والمحافظة على الشعائر الدينية, كما انهم على علاقة طيبة مع الدعاة من الشرق الاوسط ويحبون من يأتي اليهم ويعلمهم اكثر من اي تجمع امريكي آخر، وذلك يتم بدون حساسية لما عليه امام جميل الامين من ميل لممارسة الشعائر الاسلامية.
وجزء من المشكلة في حْْْْْْادث القتل انه اقترف من قبل زعيم ديني معروف، وهْْْْْْذا مثير للاستغراب على المستوى العام في امريكا لما استقْْْْْْوه في ثقافتهم المسيحية عن بعْْْْْْد رجال الدين عن القتل والقتْْْْْْال.
ان المقتول والمصاب من السود ايضا، فليس هنالك ما يوحي بقضية عنصرية مما سوف يفقد المتهم الكثير من الفرص للدفاع عن نفسه في المحكمة، لذلك طلب بعض الائمة منه اثناء اختفائه تسليم نفسه للسلطات الامنية, فالقضية معقْْْْْْدة وخاسرة ويصعب الدفاع عنه قانونيا وادبيا اذا كان لدى الشرطة ما يثبت ارتكابه للجريمة.
كان هناك فرصة لو انه انصاع للمحاكمة ودافع عن نفسه ان ينال تعاطف الناس من مسلمين وغير مسلمين، ثم ان الاتهامات التي ضده قابلة للنقاش واقصى عقوبة لها غرامات مالية او السجن لمدة محدودة جدا جدا, ورجل مثله سيجد التعاطف، بل والمؤازرة من اطراف كثيرة ويذكر ان البطاقة التي اتهم على ضوئها اعطيت له من عمدة مدينة وايت هول عضو شرف في شرطة المدينة وسبق ان عرض عليه المدعي العام التفاوض في تخفيف العقوبة لمكانته الدينية والاجتماعية.
في الظروف الراهنة قضية امام جميل الامين ابعد من انها جريمة حدثت في زقاق من ازقة الولايات المتحدة الامريكية التي تشهد حوادث الاجرام في كل ثانية، واكثر من انها تعد على رجل امن، فذلك يحدث ايضا من وقت لآخر، لذا فهي محل اهتمام ومتابعة المسلمين والدارسين لمستقبل الامريكان السود وكذلك مستقبل الاسلام في امريكا.
هنالك اقبال كبير على الاسلام من قبل الامريكان السود، وكذلك الامريكان البيض، ولا شك ان هذه الحادثة تعتبر عقبة في الطريق المزدحم على الاسلام، ثم انها ستزيد المخاوف من المسلمين، وسوف تشكك في رغبتهم في الالتزام بالانظمة والقوانين المحلية والفدرالية، وربما هذه هي مشكلة جميل الامين الذي كان يسمى نفسه امير الجماعة، رغبة في الاصلاح الجماعي، وانخلاعا من التسميات المعهودة الجديدة، وكان يأخذ البيعة من اتباعه بشكل لا نظير له في امريكا.
وليس في مصلحة الاقليات المسلمة في امريكا وفي غيرها ان تتنصل عن التزاماتها نحو القوانين لما لذلك من الآثار الوخيمة على مستقبلها، وربما ان مشكلة جميل الامين وامثاله هي الرفض لفكرة سيطرة الحكومة وعدم الثقة بحياد ونزاهة اجهزتها، وبالتالي لم يذهب الى المحكمة، وهي نظرة سطحية لا تنم عن فهم الاسلام فهما عميقا، ولا تنم عن فهم السياسة فهما سليما، وما حصل من جميل الامين، اذا صح ما نشر، وما سيتبعه من محاكمة، لا شك انه منعطف في تاريخ الاقليات المسلمْْْْْْة في امريكا، الا اذا تعاملت القيادات الاسلامية مع الحدث بصدق ووضوح، واعربت عن شجبها للعنف من اي مصدر واستعدادها للالتزام بالقوانين وسعت لبناء جسور ثقة مع الاجهزة المدنية على المستوى المحلي والفدرالي باعتبار المسلمين مواطنين عليهم واجبات ولهم حقوق مثل غيرهم, لقد حدث ما حدث، الا ان جذور المشكلة في حاجة الى نظر، وهي مشكلة ثقافية تتطلب معالجة علمية متأنية.
|
|
|
|
|