| شرفات
السينمائيون الألمان غير واعين لدور أمتهم في تشكيل العالم
السينما تفجر قضايا المجتمع وتنبه لحل مشكلاته
يجب أن يكون الفن إبداعاً وخلقاً أكثر وصدقاً أق
أكد الناقد السينمائي الالماني (دونات كويش) استاذ السيناريو بمعهد السينما في برلين اهمية تحليل سيناريو الفيلم السينمائي قبل الشروع في انتاجه لمعرفة مدى جدواه من الناحية المادية واستقراء رد الفعل المتوقع من الجمهور تجاهه من خلال الدراسات الاجتماعية والنفسية واشار الى ان من اهم عيوب سينما العالم الثالث الافتقار لمثل هذه الدراسات والتحليلات واعتمادها بشكل اساسي على النجم الاوحد سواء كان مخرجا اوممثلا وركونها الى لغة الارتجال والكوكتيل تماما كالطاهي عندما يدرك عدم جودة طعامه فيكثر من التوابل التي تخفي مذاقه، وعاب عليها كذلك النهايات غير المنطقية والتي لا تتفق مع سير الاحداث والتطورات النفسية الطبيعية للشخصيات وتغير مواقفها من النقيض الى النقيض دون مبررات سوى ان تكون النهاية وردية او قاتمة بقدر كبير.
جاء ذلك في الندوة التي عقدها المركز الثقافي المصري الالماني بالقاهرة مؤخرا حول السينما الالمانية وحضرها الدكتور (برند بيرونج) مدير معهد جوتة بمصر والاردن وادارها الدكتور طارق عبدالباري استاذ اللغة الالمانية بكلية الالسن جامعة عين شمس ويعتبر كويش من المتخصصين في مجال تحليل السيناريو كما شارك في انتاج العديد من الافلام الناجحة منها والهاربون الصغار, الطريق الذي حصل على النخلة الذهبية في مهرجان كان 1982.
تحدث كويش عن السينما التي اخترعها العالم منذ اكثر من قرن من الزمان ومكنت الانسان من التعبير بشكل جديد يختلف مع من سبقه من البشر ومكنته من نقل الواقع او جزء منه بصورة طبيعية وبالتالي لا يمكن فصل السينما عن الحضارة فالسينما تعتمد على لغة الصورة وهي لغة عالمية كانت بداية للتعارف بين الشعوب دون سفر وبالتالي يجب علينا ان نطور لغة مفهومة لكي نقدم سينما عالمية تحمل هموم مجتمعنا فانني اذا شاهدت فيلما مصريا في (استكهولم) مثلا فيجب على هذا الفيلم ان يقدم شيئا عن مصر ويبعث برسالة من مصر ولتنفيذ ذلك لسنا في حاجة لتمويل جبار فمعيار النجاح لا يتعلق فقط بحجم الانفاق.
خدعة ألمانية
وعن أنظمة تمويل السينما في المانيا اكد كويش ان المانيا تعتبر من البلاد التي تدعم السينما ماديا بشكل كبير وبطريقة ذكية من خلال فرض ضرائب على تذاكر العروض السينمائية للافلام الاجنبية وتوجه حصيلتها لمؤسسة رعاية السينما التي تستخدمها للانفاق على بعض مشاريع الافلام الالمانية وبهذه الطريقة فالافلام الامريكية تعتبر من اكبر الممولين للسينما الالمانية بغير قصد او انتظار لعائد يدره هذا التمويل هذا بالاضافة الى الدعم الموجه من خلال هيئة تابعة لوزارة الداخلية الالمانية بجانب الدعم الذي تقدمه المقاطعات المختلفة والذي تشترط بموجبه ان يتم الانفاق داخلها وان يكون العرض الاول للافلام التي تدعمها بدور السينما بها لتحصل عنه اكبر قدر من الضرائب تستخدمها في دعم افلام جديدة وذلك الدعم يجعل المخرجين يفكرون الف مرة قبل الشروع في العمل لاختيار المقاطعة التي سينتج الفيلم منها وتحقيق اكبر نسبة من الدعم لمشروعه السينمائي.
وفي اجابته عن سؤال الجزيرة حول مدى تأثر السينما الالمانية بالاحداث التي شهدتها المانيا خلال القرن الماضي بداية بالحرب العالمية الاولى وفترة الحكم النازي والحرب العالمية الثانية وتقسيم المانيا ثم اعادة توحيدها وهل كان السينمائيون الالمان بوقا للدعاية للحكم النازي اكد كويش ان السينمائيين الالمان كانوا مستقلين تماما ولم يتم تجنيدهم لخدمة ايدلوجية الدولة وقتها ولكنه تم تحييدهم بشكل او بآخر وتوجهوا جميعا بايعاز من وزير الدعاية وقتها الى انتاج الافلام الترفيهية التي لم يكن لها هدف سوى جذب انتباه الرأي العام وتحويله عن الخوض في السياسة او الحديث عن المطالب الاجتماعية وبالتالي كان دورهم سلبيا من حيث المشاركة الفعالة في حل مشكلات المجتمع ورصد تطوراته المتلاحقة وأرى ان السينمائيين الالمان كانوا غير واعين لدور المانيا في تشكيل العالم فألمانيا لم تدخل حربين عالميتين ولكنها دفعت العالم الى حربين عالميتين والان تشارك بقوة في تشكيل الاتحاد الاوروبي بعد ان اصبحت في خمسين عاما اقوى الدول في اوروبا اقتصاديا وحتى الان فالسينمائيون الالمان ليس لديهم الوعي الكافي وما كان مفروضا عليهم اصبح عادة فيهم الا اسماء قليلة اخذت على عاتقها تنفيذ الرسالة الحقيقية للسينما وخير مثال على ذلك فيلم (اشتام فاين) الذي تناول من خلاله المخرج (راينهارد هوف) مشكلة من اعقد المشكلات التي واجهت المجتمع الالماني في ستينات القرن الماضي وهذا الفيلم كان عن محاكمة حقيقية جرت في المانيا واستمرت خمس سنوات لاربعة من الارهابيين كانوا يرون انه يمكنهم تغيير المجتمع بالقوة وقاموا بأعمال تخريبية ضد مؤسسة الدولة التي كانوا يعتقدون عدم جدواها وارادوا التركيز على الفردية كنظام يحفظ لهم السعادة من وجهة نظرهم حتى تم القبض عليهم سنة 1972م وقد تناول هوف القضية دون تحيز منه لهؤلاء الشبان او للدولة وترك للمشاهد حرية الفصل وكان لهذا الفيلم تأثير كبير ادى الى تغيير بعض القوانين الالمانية التي ثبت عدم قدرتها على التعامل بالحكمة مع مثل هذه المشكلات كما فاز بجائزة الدب الذهبي لمهرجان برلين الدولي.
الصدق والابداع
وعن اهم السمات التي تميز السينماء الالمانية اشار كويش الى ان السينما الالمانية سينما موضوعية وصادقة فهي حينما تتناول قصة حقيقية تقدمها كما حدثت وكما هي موثقة دون بناء جديد لها على عكس السينما الامريكية التي تترك القصة الموثقة وتتسلل خلف الاحداث وتتخيل ماذا كان عساه يحدث ليضفي على القصة مزيدا من الدراما واعتقد ان ذلك من اسباب ضعف السينما الالمانية فنحن كفنانين علينا ان نكون مبدعين اكثر وخلاقين اكثر وصادقين اقل وقد تحدثت في محاضرة ذات مرة عن كرة القدم والدراما وقلت ان مباراة لكرة القدم هي اكثر درامية من فيلم تستطيع التنبؤ بنهايته لانها بكل بساطة قد يغير نتيجتها هدف يحرزه لاعب في لحظة اي ان الابداع شيء ضروري لتحقيق درامية الفيلم وتفعيل دور السينما والنمطية تفقد المشاهد حماسه ورغبته في مشاهدة الفيلم.
|
|
|
|
|