| محليــات
الإنسان منظومة من الأخلاق,.
وهي مناط: فكره، وسلوكه، وتعبيره,,، في كامل هيئات الفكر، والسلوك، والتعبير,, من هنا جاء التركيز الإلهي على الأخلاق فوجَّه تعالى إلى رسوله العظيم صلى الله عليه وسلم : ·وإنك لعلى خلق عظيم بما في هذه الجملة المختصرة من بلاغة الإبلاغ والتأكيد والإقرار,, ثم هذا الخلوق يُخاطب للمرة الثانية من ربه تعالى: ·ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ,.
وهو في موقع آخر يقول عليه أفضل الصلاة والسلام: ·أقربكم إلى الجنة أكثركم رفقة، وأقربكم إلى النار أكثركم غلظة ,.
فالخُلق هو بوصلة التحرك مع إعمال العقل، وإعمال الحسِّ,.
وأول الذين يستحقون التخلّق معهم بخلق حسن هم الوالدان، وفيهما الكثير من توجيهات الخالق العظيم سبحانه الذي خلق الخلق ويعلم ضعفهم، ومكامن تدنِّيهم,,، ففي القرآن الكريم ما وجدناه تعالى يقرن وهو يوجِّه إلى العبادة بسواها إلا الإحسان بالوالدين، فجعل منزلة المعيَّة في العطف على العبادة/ الإحسان بالوالدين، تماماً كما وضعه في تساوٍ لغوي بلاغي بالعطف على ·العبادة لله الاحسان للوالدين,, قال تعالى: ·وقضى ربك ألّا تعبدوا إلا إياه (و) بالوالدين إحسانا,, ، وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب إلى الرجل الجهاد في أمه وهو من يريد الالتحاق به في الجهاد فيسأله: ألك أم؟ فجاهد فيها، وهو في موضع آخر يؤكد توجيه الرب تعالى حين جاءه جبريل عليه السلام وهو فوق المنبر للصلاة يصعد فيطلب إليه أن يقول آمين ثلاثاً، وهو بعدُ لا يعلم ما المقصود من قول رسول الوحي: ألا بعداً له عن الجنة لثلاث فسأله: من يا أخي جبريل؟ فيقول: ·من شهد كبر والديه ولم يدخل الجنة ,, إلزاماً ببرهما والعناية بهما بعد ضعفهما,.
لله ما أروع هذا الخُلُق الإيماني الذي عني به القرآن والسنة وكان القدوة في ذلك القائم بالسلوك التنفيذي له,, وهو ذلك الذي تخلّق بخلق القرآن ودعا إليه,, فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يبرُّ بمرضعته، ويرفق بها ويحقق فيها خُلقه العظيم في طاعة الله تعالى,.
تذكرت هذه المنظومة الأخلاقية السامية وأحاديث العقوق بالوالدين، وقصص التخلي عنهما، وأحداث التذمر منهما، ومحاولات التخلص منهما تكثر بين الناس، وتأخذ أشكالاً من التأويلات والتفسيرات والمبررات ما إن لو وُضعت على قلب مؤمن لهزَّته وأوقفت نبضاته,, وهي ظواهر سلوكية تنمُّ عن تدنٍّ في الأخلاق، وتأثُّر بمتغيرات اجتماعية واردة إلى المجتمع المسلم لم تكن فيه، ولم يكن يقرُّها، ولم يكن يفسح لها مجالاً ولابد ألّا يفعل وألّا يتجاوز في شأنها,.
هؤلاء الذين يتقاذفون والديهم أو أحدهما إرضاء للزوجات، وتخفيفاً من المسؤولية، وأولئك الذين يتخلون عنهم بإيداعهم دور العجزة، أو تركهم في المستشفيات، أو الادعاء بتخلفهم العقلي، أو أولئك الذين يقصُونهم داخل البيوت عنهم ولا يدرون عنهم شيئاً، والذين يعيشون منهم في بيوت مستقلّة ولا يملكون لأنفسهم حولاً ولا قوة، فلا من يطرق أبوابهم ولا من يبرُّهم، ولا من يتفقدهم؛ فيمرضون، ويجوعون، ويعطشون, وهناك من يعيشون مع والديهم أو أحدهما ولكن لا يتورعون عن شتمهم، وأذيتهم، ونهرهم أمام أبنائهم، وزوجاتهم أو أزواجهن,,، وهناك وهناك,, من مظاهر العقوق، والخلوص من أبجديات الخُلق الإيماني الصحيح,, كثروا وانتشروا,.
وكل ذلك جديد على المجتمع المسلم الذي يقوم على طاعة الله وأولى الطاعات بعد العبادة الإحسان إليهما,, ذلك أن الكافر منهما لا يحقُّ لابنه المؤمن إلا أن يتعامل معه بالمعروف، قال تعالى: ·وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً , لذلك حين أنشئت دور المسنين كنت أتمنى أن تقتصر على من ليس له ابن أو ابنة، أي ليس له أبناء لأن علاقة الإنسان في الرضاء منوطة بالبُنوَّة والأبُوَّة، فالتدرُّج في القرابة حسب المعروف.
وحين أنشئت كنت أتمنى أن يقتصر دورها على الإشراف الصحي، والترويح، والمتابعة، وليس للإقامة الدائمة، وأن يلزم الأبناء بآبائهم إلزاماً مفروضاً، ويتم الإشراف عليه بشكل حازم,,.
وكنت أتمنى أن يعاقب أي ابن يثبت عقوقه لوالديه، وذلك بالإشراف الدوري على المنازل التي تضم كبار السن أسوة بالإشراف الاجتماعي على الأسر البديلة.
وكنت أتمنى أن تتجه خطب الجمعة، وفي المساجد، وفي المدارس، وفي الجامعات إلى أهمية التخلق الحسن مع الوالدين وإبانة مخاطر العقوق في الدنيا والآخرة.
فالإنسان منظومة من الأخلاق,.
أولى الناس بأن يكون مناط هذه الأخلاق في الفكر والسلوك والإحساس ومن ثم التعبير القولي والعملي هما الوالدان,.
فاتقوا الله في آبائكم وأمهاتكم,.
تقوا أنفسكم عقاب الدنيا والآخرة.
وأقبلوا عليهما بالحب ذاته الذي استقبلاكم به,, وكونوا في خدمتهما كما كانا في رعايتكم صغاراً وكباراً, وأعينوا بعضكم على البرِّ بهما,, عونكم على طاعة الله.
واتقوا الله في الأجيال بين أيديكم كي لا يفرُط عِقد الخُلق السليم في أمة تقوم على الأخلاق فإن عُقَّ فيها الوالدان تهاوت صروح الأخلاق.
وأظلمت الحياة,,.
وأغلقت منافذ الخير.
|
|
|
|
|