أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 24th March,2000العدد:10039الطبعةالاولـيالجمعة 18 ,ذو الحجة 1420

أفاق اسلامية

الدكتور محمد شامة:
·ضوابط العلاقات الاجتماعية في الإسلام تحقق وحدة المجتمع ونهضته
* كتب المحرر:
أكد المفكر الاسلامي الدكتور محمد شامة من جمهورية مصر العربية ان تعاليم الاسلام في مجال العلاقات الاجتماعية تعد بمثابة ضوابط تمنع الانسان من التردي في المجال الذي يبعده عن الشعور بالاخوة الانسانية، او يثنيه عن تأدية ما يقوي الروابط الانسانية بينه وبين اهله، وما يدعم روح التعاون والوحدة بينه وبين بني وطنه وبين البشر جميعا في المجتمع الانساني ككل.
واوضح الدكتور محمد شامة ان هذه التعاليم السامية توصي كل فرد في المجتمع بالمحافظة على حقوق الآخرين الذين يعيشون معه وحوله، وبذل من يقدر منهم على العطاء مامن شأنه ان يخفف عن المحتاجين عبء الحياة، مع التزام الجميع بالتواصي بالخير والنهي عن المنكر.
مشيرا الى انه اذا قامت العلاقة بين افراد مجتمع ما على هذا الاساس؛ لأصبح مجتمعا متمسكا قادرا على الانجازات الحضارية في جميع الميادين، وذلك ما ينشده الاسلام للمجتمعات الانسانية.
وأبان محمد شامة في حديثه ان تعاليم الاسلام في مجال العلاقات الاجتماعية لم تغفل اي جانب من جوانب او عناصر المجتمع، بدءا بعلاقة الفرد بالوالدين والأقربين ثم بالجار والمجتمع ككل.
علاقة الوالدين بالأبناء
ويشرح د, شامة وصية الاسلام بالوالدين فيقول اوصى الاسلام الابن بالاحسان الى والديه، وألا تتأثر معاملته لوالديه باختلاف العقيدة ،فلا يكون تباين العقيد او الرأي سببا في الاساءة اليهما، يقول الله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وان جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) وفي آية اخرى يقول (وصاحبهما في الدنيا معروفا) اي على الرغم من كفرهما ومحاولة ثنيك عن الايمان بالله، ينبغي ان تعاملهما برفق، وان تقدم لهما العون، فتذلل كل عقبة تعترض سبيلهما، وتلبي رغباتهما، اذ معنى المصاحبة ان تساعدهما على تخطي ما يعترضهما من صعاب وان تكون لطيفا في معاملتك لهما.
وقال الدكتور شامة: وكما وصى القرآن الكريم الابناء بالاحسان الى الآباء فقد فرض على الآباء حسن تربية الأبناء فأمر بان يختار الاب لابنه افضل الامهات، حتى لايجد الابناء غضاضة في نسبتهم اليها او يشعروا بمنقصة، لو كان في حياة الام ما يشينها في المجتمع وذلك امتثالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ·تخيروا لنطفكم فان العرق دساس .
وكذلك اوصى الاسلام الزوج بان يختار لاولاده احسن الاسماء وان يسعى سعيا حثيثا في عمله حتى يهيىء لهم تربية حسنة، سواء كان ذلك في المأكل او الملبس او المسكن، وان يعمل جاهدا على تعليمهم وتثقيفهم بقدر المستطاع حتى يكونوا اعضاء صالحين في المجتمع، ولا ينسى الاب في جميع مراحل تربيتهم ان يكون رحيما بهم، عطوفا عليهم، مرشدا لهم الى الطريق المستقيم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ يقول ·ليس منا من لم يرحم صغيرها .
العلاقة الزوجية
ثم تطرق الدكتور شامة الى الحديث عن العلاقة بين الزوج وزوجته مبينا ان القرآن الكريم قد رسمها على اساس حسن المعاشرة ورعاية كل منهما لحقوق الآخر، فلو التزم الجانبان بما رسمه القرآن الكريم لهما، لرفرفت اجنحة السعادة على حياتهما الزوجية.
كما اكد ان ما يشاع في الغرب عن الاسلام من انه فرض مهرا على الرجل ليشتري به المرأة ليس صحيحا، لأن المهر ليس الا رمزا للحب والائتناس بالزوجة حيث يشعرها بانه راعب فيها، ومستعد للتضحية في سبيل ارضائها، وما يقدمه لها هو ملكها لا يأخذه احد منها، فلا ينطبق عليه اركان الشراء الذي يزعمونه.
ثم قال: فاذا انتقلت الزوجة الى بيت الزوجية، فان السلوك القائم على احترام كل للآخر، وحفظ حقوق كل طرف هو الاطار الذي رسمه الاسلام للحياة الزوجية، فقد اعطى المرأة الحق في ان تحتفظ بمالها لنفسها، وتستثمره كما تشاء دون ان يتدخل الرجل في فرض رأي عليها او ارغامها على اتجاه معين، اما اذا تنازلت هي عن هذا الحق عن طيب خاطر لزوجها فلا يحرم الاسلام عليها ذلك.
كذلك يفرض الاسلام على الرجل القيام بكل ما تتطلبه المعيشة من نفقات، دون ان يفرض على المرأة شيئا من ذلك، غير انه حثها على مساعدة الزوج في هذا الجانب اذا كان دخله لايكفي لمتطلبات الحياة، وذلك لايكون من باب الالزام الذي يؤخذ بحق القانون والمقاضاة، بل من باب حسن المعاشرة.
ويواصل د, محمد شامة حديثه حول العلاقة الزوجية بقوله: وكما فرض الاسلام على الرجل الانفاق على بيت الزوجية، لان الغالب الأعم في المجتمعات البشرية ان الرجل هو الذي يسعى لكسب قوت الاسرة، فقد فرض على المرأة ان ترعى شؤون البيت، وتربية الاولاد بما يضمن للحياة الزوجية عيشة سعيدة، فان شاركت المرأة الرجل في السعي على الرزق اي اذا خرجت للعمل فيجب على الرجل ألا يتركنها تتحمل العبء وحدها مضاعفا، بمعنى ألا يتركها تعلم وترعى البيت دون ان يشاركها على قدر المستطاع لتخفيف العبء عنها ولا ضير في ذلك، فقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته فأجابت: ·كان (يكون) في مهنة اهله تعني خدمة اهله فاذا حضرت الصلاة خرج الى الصلاة ·فيستفاد من هذا الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يساعد اهل بيته فيما يقومون به داخل البيت، وعليه فاذا خرجت المرأة الى العمل لتساعد في تحسين الحياة المادية فلا اقل من ان يؤدي الرجل ما يخفف عنها عبء العمل، لان ذلك من حسن المعاشرة التي وصى الله بها في كتابه العزيز.
صلة الرحم
ثم انتقل د, شامة من الحديث عن الاسرة الى دائرة اوسع في المجتمع، حيث ان الاسلام وصى خيرا بذوي القربى وامر بالمحافظة على صلة الرحم فقال الله تعالى: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) ·الانفال الآية 75 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ·خيركم خيركم لأهله وانا خيركم لأهلي لان من لا يرحم قريبه فهيهات ان يكون في قلبه رحمة لمن لايمت اليه بصلة قرابة.
وقال د, شامة: ولم يطلب الاسلام من المسلم ان يرعى اقربائه من الجانب المعنوي فقط، بل حثه على تقديم العون المادي لهم لاعلى اعتبار ان ما يقدمه لهم من باب الاحسان على الفقراء والمساكين، بل من زاوية انهم اقرباؤه لهم حق في ماله ماداموا عاجزين عن كسب ما يقتاتون به، يقول الله تعالى: (فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون) فيفهم من تقديم حق ذوي القربى في هذه الآيات على حق غيرهم من الفقراء ان لهم المنزلة الاولى في تقديم العون المادي لهم ان كانوا في حاجة اليه، وما ذاك الا لان الاسلام يريد ان تبنى هذه العلاقة على اساس متين لانها اللبنة الثانية بعد لبنة الاسرة الصغيرة في المجتمع، ولهذا جعل لمن يقدم شيئا لقريبة اجران: أجر القرابة وأجر الصدقة، وروي ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ·الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة ,
رعاية حق الجار
بعد ذلك تناول د, محمد شامة حث الإسلام على رعاية حق الجار سواء كان ذلك في المعاملة أو في تخفيف مايعانيه الجار من نوائب الدهر وكوارث الزمن، وقال: إن من حق الجار على جاره الا يصدر منه ما يؤذيه او ينغص عليه صفو هدوئه، ولا يأتي من الاعمال ما يلحق الضرر به وذلك تنفيذا لأمر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز حيث يقول: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب) ·النساء الآية 36 .
فجاءت الوصية بالجار مع الوصية بعدم الاشراك بالله في آية واحدة، وماذاك الا لأهمية علاقة الانسان بجاره في التعاليم الاسلامية لانها الحلقة التالية بعد حلقة ذوي القربى في السلسلة الاجتماعية التي ينبغي ان تكون متماسكة، لتقوم الحياة على اساس متين وركيزة قوية، وما يؤكد امر الاسلام بالاحسان الى الجار قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ترويه عائشة رضي الله عنها: ·مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه .
المؤمنون كالجسد الواحد
ويواصل الدكتور محمد شامة حديثه حول الوصية قائلا: لم تقتصر تعاليم الاسلام على الحث على رعاية ذوي القربى والجار فقط، بل شملت ايضا الوصية بان تكون المعاملة بين المسلمين ايا كان موقعهم في المجتمع قائمة على مبدأ الاخوة التي تقتضي ان يحافظ الانسان على شعور اخيه، وان يكون عونا له ، عند ما يحتاج الى مساعده، وذلك امتثالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ·مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
فلا يكمل الايمان الا اذا احس المؤمن انه عضو في كيان كلي: هو المجتمع وان من واجبه المحافظة على افراد هذا الكيان، كما يحافظ على ذاته.
واردف د, شامة بقوله: وكذلك لا يكون الايمان صحيحا الا اذا قامت العلاقة بين المسلمين على اساس من الصدق في الشعور, فلا تكون المعاملة قائمة على الخداع والمواربة، وان ما يشاع بين الناس من الخداع ضرب من الكياسة في المعالمة، هو في واقع الامر مكر سيىء يحاربه الاسلام ويدعو الى نبذه في العلاقات الاجتماعية، بل يحتقر كل من يمارسه بهذه الصورة مع اخوانه في المجتمع، يقول الله تعالى (ولا تطع كل حلاف مهين، هماز مشاء بنميم)، ويندرج تحت هذا النوع من الخداع ما يعتبره البعض نوعا من اللباقة الدبلوماسية لأنه عمل ينطوي على الغش والخداع الذي يحاربه الاسلام.
كما تحدث الدكتور محمد شامة في مجال العلاقات الاجتماعية بين المسلمين بضرورة ان تكون المعاملة بين الناس قائمة على الصدق والصراحة، وان الاسلام قد امر المؤمنين بالا يقفوا موقفا سلبيا ازاء ما يحدث بين اخوانهم من نزاعات وخصومات ففرض عليهم التدخل بين المتنازعين بغية الاصلاح فيما بينهم، فان تجاوز احد الخصمين الحدود المشروعة، فأبى الا ان يستمر في المنازعة مع خصمه، فعلى المسلمين ان يوقفوه عند حده، ولو اقتضى الامر قتاله، يقول الله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين * إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) ·الحجرات الآية 10 .
العدالة الاجتماعية
ثم قال د, محمد شامة: وكذلك اوصى الاسلام بتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع لا يجوز لذي قوة وبطش في المجتمع ان يستغل هذا المركز في اكل حقوق المواطنين، ولا يحل لصاحب مال ان يستخدمه في استغلال الناس واستعبادهم، وعلى كل قادر على تخفيف آلام الناس وتسهيل الحياة عليهم ان يقدم ما عنده للمحتاج اليه، فعلى من يملك المال ويباشر استثماره ان يراعي ان للآخرين من افراد المجتمع المحرومين العاجزين عن العمل حقا يتعين اداؤه، دون انتظار مقابل منهم.
هذا بالاضافة الى انه مطالب باعطاء من يعمل معه حقه بالكامل، فلا يبخسه اجره على عمل يؤديه، ولا يكلفه اكثر من طاقته في العمل، وان احتاج الى عون في ادائه شاركه فيه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ·إخوانكم خولكم (أي خدمكم) أطعموهم ما تطعمون أنفسكم، واكسوهم مما تلبسون، وان كلفتموهم بأمر لا يطيقونه فأعينوهم على أدائه .
واختتم الدكتور محمد شامة حديثه بالتأكيد على اهمية حفاظ كل فرد على حقوق الآخرين، الذين يعيشون معه في المجتمع، وان يلتزم جميع الافراد بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يعود للامة الاسلامية مجدها وعزتها.

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved