| أفاق اسلامية
تعريف الصيد والقنص:
الصيد لغة مصدر: صاد يصيد صيداً فهو صائد، وقد يراد بالصيد الفعل وهو الاصطياد، وقد يراد به ما يقع عليه الصيد من طير أو حيوان أو سمك كما في قوله تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرم) والصيد يطلق على كل ممتنع بطيران أو عدو ويصعب مسكه الا بحيلة.
وأما القنص فهو بمعنى الصيد يقال قنص يقنص قنصاً، والقنّاص يفهم معناه من احوال السياق، فهو اما ان يكن الصياد او من يغتال الناس لاغراض سياسية، وأما الكشتة فان كتب اللغة لم تحفل بها ولم تُعر الكشتات بالا لكونها لهجة محلية، ولا يخفى ان الكشتة اذا كانت للراحة والاستجمام بعد عناء العمل فلا بأس فيها ولكن المثل العربي يقول: ·كل ما زاد عن حده انقلب الى ضده .
محاذير قناصة هذا العصر:
تغلغلت عادة القنص والصيد عند اكثرهم حتى اصبحت ادمانا ومرضا لا يمكنه التخلص منه، ولهذا يستعد القناص لهذه الرحلة ليلة الاربعاء، واذا خرج من الدوام ظهر الاربعاء امتطى سيارته المجهزة، وغاب عن رعاية اهله وتربية اولاده، وعن الصلاة في الجمعة والجماعة، وعن زيارة اقاربه، وعن مقابلة من يزوره من معارفه، وعن متابعة اخبار محيطه، ولا يحضر الا ليلة السبت وقد لا يحضر، ومن سلبيات هذه الهواية ان يجد في نفسه وحشة بينه وبين مجتمعه، وان مطاردة الصيد والاشتغال بمتابعته واضاعة الوقت والجهد والمال في سبيل القنص فيه ملهاة عن الطاعة،ونفقات غير مخلوفة، وبذل جهد لا يؤجر عليه، وفيه اهدار لفرص الكسب وصلة الرحم، وهو من الترف المذموم بدليل ان اكثر المفتونين بالصيد في الغالب يحملون معهم من الارزاق وانواع اللحوم ما يفوق حاجتهم، ولكونه يتعرض لمخاطر قد تكون مهلكة بتجشمه الجبال والوديان وتعرضه للسباع والهوام، وقد ينقلب عليه سلاحه او مركوبه فيقتل نفسه، وتوالي الصحف يوميا نشر اخبار من وقعوا فريسة هذه الهواية، فمنهم من مات ومنهم مشلول في احد المصحات، ومعلوم انه من تسبب في قتل نفسه يكون منتحرا وهذا من اكبر الكبائر لكونه يستوجب به دخول النار، وقد حذر الله عن مثل هذه المغامرات والمخاطرات بقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) وقوله عز وجل (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) ثم انهم بعد هذا كله موضع ريبة وشبهات، فبعضهم متهم بالبخل لغيابه عن الالتزام بالواجبات الاسرية، وبعضهم قد يرتكب محرما او يتناول مخدرا بعيدا عن مراقبة اهله والناس نسأل الله العافية.
نوعيات القناصة في هذا العصر:
ينقسم اهل الصيد والقنص في هذا الزمن الى ثلاث فئات، الاولى بعض الموظفين الذين ينتظرون نهاية دوام يوم الاربعاء على احر من الجمر لينطلقوا تاركين وراءهم كل ما انيط بهم من امانات ومسئوليات وحقوق، يأتي بعدهم المتقاعدون من بعض كبار السن وهؤلاء لهم رحلات سندبادية يجوبون بها الصحراء ويطوفون على حدود المملكة، ويأتي بعدهم دور العاطلين من الشباب، وهؤلاء مع الاسف لا احد ينكر انفلاتهم نظرا لعدم الضوابط الاخلاقية وقلة الموارد المادية، وعليه فان ولاة امورهم يتحملون مسئولية ضياعهم حيث قصروا في التربية والتوجيه والأخذ بأيديهم ولا يجوز من المسئولين اهمالهم وترك الحبل على الغارب، لعظيم خطرهم وما يجنونه على انفسهم والمجتمع، وما يتسببون فيه من الخسارة البيئية وعدم الانضباط، وما يتعرضون له من كوارث ومخالفات للانظمة يستوجبون عليها العقاب، حيث هؤلاء يفتقدون الغيرة على مصالح الامة، والحس الوطني، وصدق الانتماء فباسم الصيد والقنص ترتكب الاخطاء والممارسات الشائنة.
أدلة تحريم الصيد لغير حاجة:
المولعون بالصيد المفتونون بالقنص يستعذبون المغامرات وركوب الاخطار وقطع المفاوز بحثا عن الصيد، بدافع الهواية والترف، وقد لا يظفرون بمطلوبهم وتبقى المعاناة دون ان يعرفوا حكم الصيد، وانه ابيح لظروف معينة وتحقيق مصالح كما في قوله تعالى: (قل أحلّ لكم الطيبات وما علّمتم من الجوارح مكلّبين تعلِّمونهن مما علّمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب)، والا فالاصل في الذبح والقتل وازهاق الانفس سواء كان انسانا او حيوانا او طيرا ومنه الصيد هو التحريم، ثم ابيح صيد البر والبحر عند الحاجة اليه لأكل او بيع، لحديث ابي ثعلبة الخشني رضي الله عنه انه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيد بالقوس، والكلب المعَلَّم، والكلب غير المعلَّم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما صدت بقوسك فاذكر اسم الله ثم كل ، وما صدت بكلبك المعلَّم فاذكر اسم الله ثم كل، وما صدت بكلبك الذي ليس معلما فأدركت ذكاته فكل) وكان الصحابة رضي الله عنهم يصطادون للأكل فلم ينكر عليهم صلى الله عليه وسلم ذلك، وبقي حكم الصيد حراما على المحرم بالحج او العمرة، وكذا الصيد عبثا او لاشباع هواية ولغير حاجة، لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا) اي هدفا، أخرجه الامام مسلم في صحيحه ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل عصفورا عبثا، عج الى الله يوم القيامة يقول: يا رب، ان فلانا قتلني عبثا، ولم يقتلني منفعة) اخرجه الامام الشافعي، والامام احمد والنسائي، ولأن ازهاق نفس الحيوان لغير قصد لا يجوز شرعا لكون اتلافه بلا مسوّغ يرجعه الى حكمه الاصيل وهو التحريم، وقد جعل الله تعالى في بقائه فوائد ومنافع كثيرة؛ ويرى الاحناف انه لا يجوز اتخاذ الصيد حرفة، وعند المالكية يحرم الصيد بلا نية مشروعة وقال العلماء يحرم الصيد للهو والفرجة ولهذا اشترط الفقهاء ان ينوي اباحة الانتفاع بالصيد بعد ذبحه.
ضوابط الصيد والقنص:
وقد اشترط العلماء لإباحة الصيد شروطا، ووضعوا ضوابط تتناول الصائد والمصيد المصطاد به، وهي: كون الصائد من اهل الذكاة، وكون الآلة حادة، والجارح معلَّما، وارسال الآلة بقصد الصيد، والتسمية مع الذكر.
وبهذا نفهم تفسير قوله تعالى: ·أحلّ لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحُرِّم عليكم صيد البر ما دمتم حُرما واتقوا الله الذي اليه تحشرون) 96 المائدة.
وعلى هذا فان الإباحة ليست على اطلاقها بل هي مشروطة بالحاجة الى الصيد لغير المحرم، ويتجلى حكم التحريم في تحذير النبي صلى الله عليه وسلم عن ازعاج الطيور والنهي عن كل ما يدخل الفزع عليها وينفرها من اوكارها واخذ افراخها، فقد روى الطبراني عن ام كرز الكعبية قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (أقروا الطير على وكناتها)، وعن عبدالله بن مسعود عن ابيه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمررنا بشجرة فيها فرخا حمرة فأخذناهما، قال: فجاءت الحمرة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تفرش فقال: من فجع هذه بفرخيها؟: فقلنا: نحن، قال: ردوهما، فرددناهما الى موضعهما)، اخرجه الحاكم والبيهقي.
اللهم ارزقنا علما في يقين وامنحنا الفقه في الدين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
|
|
|
|
|