أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 24th March,2000العدد:10039الطبعةالاولـيالجمعة 18 ,ذو الحجة 1420

مقـالات

·اَلرُّوحُ واَلنَّفسُ وَالقَّضَاءُ وَالقَدَرُ
حَقِيقَةُ اَلخِطَاَبِ عَن: هَذَا وذَاَك
صالح بن سعد اللحيدان
شرح العقيدة الطحاوية
يقول الإمام الطحاوي (1) : (وبالقدر خيره وشره، حلوه ومره), يقول أبوالعز (2) يشرح كلام الطحاوي بمفيد من الإيضاح العقلي ليثبت في الفكر الناضج حقيقة الخير والشر: ·فإن قيل كيف وجه الجمع بين قوله: (كل من عند الله) وبين: (فمن نفسك)؟ قيل قوله: (كل من عند الله) الخصب والجدب، والنصر والهزيمة كلها من عندالله، وقوله (فمن نفسك) أي ما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك عقوبة لك؛ كما قال تعالى: (وما اصابكم من مُصيبة فبما كسبت ايديكم).
ويستطرد في بيان علمي واقعي: (وفي قوله (فمن نفسك) من الفوائد: أن العبد لايطمئن إلى نفسه ولايسكُن إليها، فإن الشر كامن فيها لايجيء إلا منها، ولايشتغل بملام الناس ولاذمهم إذا أساءوا إليه، فإن ذلك من السيئات التي أصابته، وهي إنما أصابته بذنوبه فيرجع إلى الذنوب، ويستعيذ باللّه من شر نفسه وسيئات عمله، ويسأل اللّه أن يُعينه على طاعته، فبذلك يحصل له كل خير ويندفع عنه كل شر).
وفي جزء آخر يتعلق بفعل الإنسان ونفسه هل هي واحدة، أو أن الإنسان له ثلاثة أنفس فهو يقول: (وقد وقع في كلام كثير من الناس ان لابن آدم ثلاثة أنفس، مُطمئنة، ولوامة، وأمارة.
قالوا: وان منهم من تغلب عليه هذه، ومنهم من تغلب عليه هذه، كما قال تعالى ·يا أيتها النفس المطمئنة , ·ولا اقسم بالنفس اللوامة ، ·إن النفس لأمارة بالسوء .
والتحقيق: أنها نفس واحدة، لها صفات، فهي أمارة بالسوء، فإذا عارضها الإيمان صارت لوامة، تفعل الذنب ثم تلوم صاحبها، والتلوم هو التردد بين: الفعل والترك، (3) .
فإذا قوي الإيمان صارت مطمئنة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن), (4) .
ثم يبين بعد هذا بكلام واسع المدرك علماً وعقلاً فهو يُفيد قائلاً عن الروح: (فالروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق مُتغايرة الأحكام: (5) .
أحدها: تعلقها به في بطن الأم جنيناً.
الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض (6) .
الثالث: تعلقها به حال النوم، فلهابه تعلق من وجه ومفارقة من وجه, (7) .
الرابع: تعلقها به في البرزخ فإنها وان فارقته وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقاً كلياً بحيث لايبقى لها إليه التفات ألبتة، فانه ورد ردها إليه وقت: سلام المسلم، وورد انه: يسمهع خفق نعالهم حين يولون عنه، وهذا الرد إعادة خاصة، لايوجب حياة البدن قبل يوم القيامة، (8) .
الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد، وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن، ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه، إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتاً ولا نوماً ولا فساداً، فالنوم أخو الموت فتأمل هذا يُزح عنك إشكالات كثيرة)، (9) .
ثم قرر بمنطق النقل الصحيح والعقل السليم حقيقة عذاب القبر قال: (واعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزح فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه، قُبر أو لم يُقبر، اكلته السباع أو احترق حتى صار رماداً ونسف في الهواء، أو صلب أو غرق في البحر وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور),،
ثم قال: فالحاصل ان الدور ثلاث:
1 دار الدنيا.
2 ودار للبرزخ.
3 ودار للقرار, (10) .
وقد جعل الله لكل دار أحكاماً تخصها، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس، وجعل أحكام الدنيا على الابدان والأرواح تبعاً لها, (11).
وجعل أحكام البرزخ على الأرواح، والأبدان تبعاً لها فإذا جاء يوم حشر الأجساد وقيام الناس من قبورهم صار =الحكم والنعيم والعذاب = على الأرواح والأجساد جميعاً، فإذا تأملت هذا المعنى حق التأمل، ظهر لك ان كون القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار مطابق للعقل ), (12) .
ثم يناقش رحمه الله المراد (بالاستطاعة التي يجب بها الفعل) يقول : (الاستطاعة والطاقة والقدرة والوسع الفاظ متقاربة وتنقسم الاستطاعة إلى قسمين: كما ذكره الشيخ رحمه الله (اي الطحاوي)، وهو قول عامة أهل السنة).
ثم يبين فيقول: (والذي عليه عامة أهل السنة ان للعبد قدرة هي مناط الأمر والنهي، وهذه تكون قبله, لايجب ان تكون معه، والقدرة التي بها الفعل لابد ان تكون مع الفعل، لايجوز ان يكون يوجد الفعل بقدرة معدومة.
وأما القدرة التي هي من جهة الصحة، والوسع والتمكن وسلامة الآلات فقد تتقدم الأفعال، وهذه القدرة المذكورة في قوله: (وللّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا), فأوجب الحج على المستطيع فلو لم يستطع إلا من حج لم يكن الحج قد وجب إلا على من حج، ولم يعاقب أحداً على ترك الحج، وهذا خلاف المعلوم بالضرورة من دين الإسلام) (13) .
ويجيب بروح متزنة عاقلة على سؤال طالما ورد عن العقوبة الحاصلة على بعض العباد يقول: (إن ما يبتلى به العبد من الذنوب الوجودية، وان كانت خلقاً لله تعالى، فهي عقوبة له على ذنوب قبلها، فالذنب يكسب الذنب، ومن عقاب السيئة السيئة بعدها فالذنوب كالأمراض يورث بعضها بعضاً).
ثم يسلسل الجواب بمنطق العقل السليم من الشهوة والشهبة يقول: (فالكلام في الذنب الأول الجالب لما بعده من الذنوب، يقال هو: عقوبة ايضاً على عدم فعل ما خلق له وفطر عليه، (14) .
فإن الله سبحانه خلقه لعبادته وحده لا شريك له، وفطره على محبته وتأليهه والإنابة إليه، كما قال تعالى: ·فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها) فلما لم يفعل ماخلق له وفطر عليه من محبة الله وعبوديته والإنابة إليه عوقب على ذلك بأن زين له الشيطان ما يفعله من الشرك والمعاصي.
فإن صادف قلباً خالياً قابلاً للخير والشر، ولو كان فيه الخير الذي يمنع ضده لم يتمكن منه الشر، كما قال تعالى: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء، إنه من عبادنا المخلصين), يريد أن القلب إذا عمره صاحبه بالخير وأسبابه وسعى لنيل الخير حسه ومعناه لم يتمكن منه الشيطان بحال ما.
وحينئذ يكون العبد محل حفظ من الله من كل /زلل/ وهم/ ومرض/ وخوف/ وتردد/ ومن أسوأ الأمراض إذا خلا القلبُ من الخير ومالت النفس للشر هو التعالم، والتعاظم وجعل الإنسان نفسه مُنظراً ومحللاً وان غيره يجب ان يفهم / الثقافة/ والفكر/ والخير/ والشر/ على أساس مايفمه هو، فتدبر قارئي العزيز، وانظر حال مثل هذا بعد عمر طويل (إن تم له) كيف يكون (15)
بعض المراجع:
(1) مولود بطحاء من قرى صعيد مصر من أهل القرن الثالث محدث تقيه.
(2) علي بن علي: عالم من أهل القرن (7) متبحر في الفقه والحيدث.
(3) الروح لابن قيم الجوزية.
(4) صحيح.
(5/9) (الروح) لابن قيم الجوزية.
(10) (النهاية) لابن كثير.
(11) سورة ·الحج و·المؤمنون .
(12) (جامع الاصول) لابن الأثير الجزري/ بتوسع.
(13/14) آخر سورة البقرة.
(15) (كتب تراجم: الرجال بين الجرح والتعديل) صالح اللحيدان.


أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved