| عزيزتـي الجزيرة
إن الله يمتحن عباده ليعلم الذين صبروا فيدخر لهم في دار نعيمه من المثوبة والأجر أضعاف ما كانوا يقدرون لأنفسم من سعادة الحياة وهنائها، قال تعالى ·إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .
ولقد كتب الله على نفسه الرحمة وهو أكرم الكرماء، وأرحم الرحماء، وقد يريد بالعبد خيراً فيرحمه بالموت المعجل من حياة يعلم أنه سيلقى فيها من العناء والشقاء مالا يمكن أن يطيقه.
يوم السبت الموافق 12/12/1420هْ فجعت أسرة الفالح بوفاة الشاب ·تركي بن سليمان الفالح بعد معاناة مع المرض عن عمر يناهز العشرين عاماً.
فندرك مدى حزنك: أبا نايف على فقد فلذة كبدك ·تركي ونشعر بهذا الألم الذي يعتصر قلبك بوفاته التي جاءت بعد تجرعك مرارة فقد والدك يرحمه الله، فتوالت أحزانك، وزادت آلامك بفقد الأصل ثم الفرع، وكليهما بمنزلة الروح من الجسد، فمن يطيق ذلك؟ ولعل الله يجعله في موازين حسناتك بقدر تحملك هذا الابتلاء!!!
أبا نايف: لقد افترش ·تركي حجرك يتقلب فيه على مثل جمر الغضى بما يتحسسه من آلام، فينتفض تارة، ويختلع أخرى، ويصرخ صرخات تستمطر الدموع!!!
كنت أراك باكياً مولهاً، ذاهل اللب، موجع القلب، تفزع لفزعاته، وتصرخ لصرخاته، وقد شدَّ عقلك، والتات أمرك، وعظم بأسك، وفنيت حيلتك، حتى أصبحت تقلب وجهك في السماء ضارعاً إلى الله تعالى أن يأخذ بيدك، ويرحم نفسك برحمة ولدك، فإذا أنت تسمع حشرجة الموت في صدره، وإذا بالموت ينزعه منك انتزاعاً مؤلماً يطير باللُّب، ويذهب بقية الصبر.
ما حيلة المرء إن مدَّ الزمان يداً إلى الأحبة هل عتب على الزمن قد كنت توأم نفسي كم فرحت لها وكم حزنت على ما مس من حزن |
صبراً أبا نايف على فواجع الدهر، فمثلك يعلم أن الدنيا ليست بدار قرار، ولا أمل بالبقاء فيها لحي، وإن هذه الدنيا تنطق بغير لسان، فتخبر عما يكون بما قد كان.
إن مصابك أليم، وخطبك جلل!!!
أراك على حافة القبر صابراً محتسباً كما هي عادة المؤمنين الموقنين بقضاء الله وقدره ولسان حالك يقول:
دفنت بكفي بعض نفسي فأصبحت وللنفس منها دافن ودفين |
كان موقفك يتمثل بالدعاء والرضاء بقدر الله على ما سلبه منك بالأمس وهذا اليوم حتى الدموع التي تريح الباكين ويطفئون بها لواعج قلوبهم كانت عصية عليك ، فأي صبر هذا الذي تحتمله، والحزن يغلي بين جوانحك غليان الماء في الإناء، ويمن عليك بدمعة واحدة تطفىء بها غليلك.
تصبرت مغلوباً وإني لموجع كما صبر الظمآن في البلد القفر وليس اصطباري عنك صبر استطاعة ولكنه صبر أمر من الصبر |
أبا نايف: عزاؤك في تركي ما تركه من سيرة حسنة، واستقامة على الخير، فاق بها أقرانه الشباب، إنه من المؤمنين بقضاء الله ولم يجزع، ولقد رأيته آخر مرة ولسان حاله يقول ·إن طوارق الإنسان من دلائل فضله، ومحنه من شواهد نبله وهذا لا يدركه الا من بلغ مرحلة إيمانية تخفف عنه الأحزان، وتجعله قليل الجزع!!!
لقد كان فريداً في أخلاقه وهو في ريعان شبابه!!
يشهد له الجميع بذلك!!!
يثني عليه كل من عرفه أو سمع عنه!!!
نشاطرك الحزن ابا نايف، وندرك عمق الأسى على فراقه، كما نستشعر هذا الألم الذي يحيط بإخوانه وأخواته مرددين قول الشاعر:
عواقب مكروه الأمور خيار وأيام ضر لا تدوم قصارُ وليس بباق بؤسها ونعيمها إذ كرَّ ليلٌ ثم كرَّ نهارُ |
اما والدته فندرك مدى لوعتها على فراقه، ونسأل المولى عز وجل أن يثبت فؤادها ويرزقها الصبر والسلوان، وأن يعينها على فراقه، ويجعلها صابرة محتسبة.
يا قرة العين كنت لي سكناً في طول ليلي نعم وفي قصره شربت كأساً أبوك شاربها لابد يوماً له على كبره يشْْْْْْْْْْْربها، والأنام كلهمو من كان في بدوه وفي حضره فالحمد لله لا شريك له الموت في حكمه وفي قدره قد قسم العمر في العباد فما يقدر خلق يزيد في عمره |
فالى جنة الخلد يا تركي,, والله المستعان في كل حال.
سليمان بن محمد الجريش
|
|
|
|
|