| الثقافية
*ترجمة :حصة إبراهيم العمار
يتمتع رئيس تحرير مجلة هارتستون بكثير من الذكاء ويتفرد بأسلوب ابتكره فيما يختص بجمع مادة المجلة,, وهو لا يضرب سياجا من السرية,, في حقيقة الامر,, حول اسلوبه هذا بل انه يطلعك,, بمحض ارادته,, عليه,, وهو متكىء على درج مكتبه المحفور من خشب الماهوغاني مبتسما في شيء من الدعة الممزوجة بالطيبة,, ناقرا ركبته ْ هونا ْ بنظارته ذات الاطار المذهب - ان المجلة - سيقول - لا توظف طاقما من القراء بل اننا نتحصل على استبيان لمادتها الخام مما يصلنا من افكار مختلفة من القراء على تنوع ثقافاتهم ومشاربهم تلك هي فكرة رئيس التحرير وهو ما دأب على تطبيقه دوما.
حالما ترد المواضيع الى المجلة يحشو بها المدير بها كل جيب في بزته الانيقة ثم يطلب تعليقا على ذلك من عامة الناس, يقوم بتوزيعها على موظفي المكتب الحارس والمستخدم وعامل المصعد والمراسلين وصبي القهوة وبائع الصحف الذي يشتري المسائية منه والبقال وقاطع التذاكر مختتما ذلك بطباخه وخادمته, اولئك هم المحلفون,, وهم من يدلون بالحكم النهائي على مايصل الى المجلة من مشاركات,, اما اذا وصل الى منزله وثمة اوراق في جيبه لما تزل فتكون من نصيب زوجته بعد ان يخلد الى النوم صغيرهما, بعد ايام عدة يجمع رئيس التحرير ما تفتفت اخيلة العامة عنه من حكم شامل، وقد حققت طريقته تلك نجاحا لاحد له وسجل التوزيع ارقاما قياسية شملت كذلك ما تصدره المؤسسة من كتب لاسهامات عامة الناس فيها قصب السبق.
وقد تتسرب بعض المواد من المجلة عمدا طبقا لما يتشدق به بعض ثرثاريها فتنشرها مؤسسات اخرى لتلاقي بدورها نجاحا منقطع النظير هناك مثلا تلك المقالة التي تحمل عنوان ازدهار وانهيار سيلاس لاثام والتي لم تلق اطراء من عامل المصعد وغيرها كثير! على ان المجلة كانت شديدة التمسك بسياستها ونظرياتها المرتكزة على الآراء المستنبطة من كل عضو في هيئة التحرير بما في في ذلك موظفة الاختزال في مكتب رئيس التحرير وغيرها ممن وضعوا نصب اعينهم ذاك الامل اليانع المتجدد المتمثل في الفوز برئاسة التحرير اما جاد الزمان يوما وابتسمت الاقدار.
تلك السياسة العريقة للمجلة كانت مألوفة لدى الكاتب آلن سلايتون حينما الف روايته القصيرة الحب هو كل شيء اذ انه يدور بها على مؤسسات النشر ردحا من الزمن اتاح له معرفة الكثير من محرريها، ولم يقتصر ادراكه على الالمام بسياسة رئيس تحرير مجلة هارتستونز فيما يختص باجتلاء آراء العامة حول ما يصله من مادة,, بل تعداه الى معرفة ان موظفة الاختزال الآنسة بفكين كانت صاحبة الشأن فيما يختص بقصص العاطفة المتأججة بلهيب الغرام.
وكان لرئيس التحرير عادة غريبة اخرى تمثلت في حجب اسم الكاتب ابان توزيع المادة على القراء لاستطلاع آرائهم خشية ان تؤثر شهرة الاسم على حيادية ما يصل اليه من مقالات وتقارير تختص بذلك.
وكانت راوية سلايتون القصيرة الحب هو كل شيء شغل المؤلف الشاغل بذل فيها قصارى جهده وثمرة كده,, ومنحها ستة اشهر من العمل الابداعي المتواصل,, كانت قصة هوى محضة مزجت بشذا العاطفة وحرقة الوجد فجاءت شعرا منثورا عزفته قيثارة القلب في ديوان الحب فسمت فوق الماديات الى رحابة الروحانيات واستحقت جائزة الابداع المتميز ولا عجب فقد كانت طموحات سلايتون الادبية فوق حدود المحال مما حدا به الى تكريس حياته لذلك والتضحية بما عداه على بتر يديه او الخضوع لمشرط الزائدة الدودية نظير نشر احد اعماله على صفحات الهارتستونز !.
انهى سلايتون قصة الحب هو كل شيء فأخذها الى المجلة بنفسه وكانت تتوسط مبنى ضخما يتولى امره ْ باطنيا ْ فراش مفوه، وما ان دفع سلايتون الباب متوجها الى المصعد حتى فوجىء بفرامة بطاطس تطير تجاهه لترتطم بالباب فتحطم زجاجه تبعها وبالسرعة ذاتها فراش المجلة وهو رجل قد اكتنز لحما وطبق شحما فيما بدت عليه جلافة وحدة طبع لا تخطئها العين,, كان مذعورا,, تقطع البدانة والخوف وسرعة الجري انفاسه وتبعت تلك القذائف امرأة سيئة مقطبة الجبين مكشرة الانياب وزلت قدم الفراش فسقط على الارض دفعة واحدة مطلقا انينا ينبض باليأس وخيبة الامل,, ولوعة الغارق في مهمه الظمأ يخال السراب ماء حتى اذا جاءه ما وجده شيئا وقفزت المرأة فوقه فجرت شعوره ثم توقفت بعد اذ وقع بصرها على الزائر الغريب فانسحبت عبر باب جانبي وبقية من خجل توجب هدنة طارئة فاما المغلوب على امره زوجها فقد انتفض واقفا يلملم اشلاء كبريائه الجريحة.
ْ تلك هي الحياة الزوجية! قال سلايتون في دعابة كليمة ْ وتلك هي المْْْْْْْْْْْرأة التي لطالما سهرت الليالي افكر فيها ْ يبدو ان الفرامة قد اضرت بقبتك! شدّ ما انا آسْْْْْْْْْْْف,, اسمع لا تدع احدا يعلم بما حدث,, فانا لا اود ان افقد وظيفتي.
واستقل سلايتون المصعد في نهاية الردهة متجها الى مكاتب مجلة الهارتستونز حيث قدمها لرئيس تحريرها والذي وعده بدوره ان يطلعه على متاحية نشرها من عدمه في نهاية الاسبوع.
يتبع
وفيما كان سلايتون يستقل المصعد خارجا خطرت له فكرة رأى فيها مفتاح الفوز,, وما تمالك نفسه اذ تبدت ذاته له عبقرية السبك، خلاقة بديعة في الاحتيال للامور ووضعها في نصابها مبدعة في اقتناص الفرص والظفر بها وفي الليلة ذاتها شرع في تنفيذ ما اختمر بباله مرتئيا في ذلك وسيلة مضمونة لنشر عمله الابداعي في مجلته الاثيرة تلك.
كانت موظفة الاختزال الآنسة ريفكين تقطن في المبنى ذاته وهي تميل الى النحافة,, والتقدم في العمر,, واهنة متحفظة,, عاطفية المشاعر وكان هو قد تعرف عليها في وقت سابق,, فأما خطة الكاتب الجريئة بما فيها من تضحية فكانت كالتالي, كان على علم باعتماد رئيس التحرير عليها فيما يختص بانتقاء قصص العاطفة والرومانس وكان ذوقها يمثل انعكاسا للمعدل العام لذائقة النساء آنذاك واللاتي كن يعشقن ذاك النوع من الروايات اما الفكرة الرئيسية لرواية الحب هو كل شيء فكانت تنبع من فرضية الحب من اول نظرة ذاك الشعور الجارف المتأجج الذي يلهب الفؤاد ويدغدغ الروح,, ذاك الذي يتيح للمرأة او الرجل معرفة وتمييز إِلفه فور حديث روحه الى روحها,, وارتأى ان يجرب ذلك مع الآنسة يفكين وذاك كان في واقع الامر محور فكرته الجريئة,, ان ينقش في ذاتها نظريته تلك فترسخ في اعماقها,, لتنبهر بدورها بقصته فتوصي رئيس التحرير بنشرها!
فكر سلايتون بذلك وربط العزم على تنفيذه وفي تلك الليلة دعاها لمشاهدة احد العروض المسرحية ثم شرع يصب في مسامعها عبارات الهوى والجوى وحرقة النوى فاذا هي تغرم به! على انه لم يتوقف عند ذلك,, بل اتخذ اجراء كان له بمثابة نقطة التحول في مسار حياته اجل,, اقدم ليلة الخميس على الزواج منها,, وتلك كانت قمة الشجاعة والنبل فانضم بذلك الى قائمة مشاهير الادب ممن قدموا تضحيات سجلها التاريخ في سفر الخلود,, وفي سبيل الادب يهون كل شيء ْ قال في نفسه ْ.
في صبيحة يوم الجمعة استأذنت السيدة سلايتون زوجها في الذهاب الى المجلة لتسليم اوراق كان رئيس التحرير قد عهد اليها بقراءتها واستصدار حكم بنشرها من عدمه لتقدم استقالتها بعد ذلك.
اهناك,, آ,,, اهناك قصة معينة بين ما تزمعين اعادته,, شدت انتباهك,, وحازت على اعجابك؟ سألها سلايتون ودقات قلبه كأكف مسعورة على دفوف الدجل.
ْ اجل ْ ردت,, ثمة رواية قصيدة قرأتها فأمتعتني غاية ولا احسب ان الزمن يجود بمثلها لاحقا! كانت اقرب ما يكون الى الواقع,, في واقع الامر, ذلك المساء هرع سلايتون الى مقر المجلة بعد ان احس بدنو الفرج وان روايته قد باتت قاب قوسين الى المجد او اقرب ولقي صبي المكتب خارجه فداعب فؤاده امل في قرب المباهاة بنجاحه الادبي وبزوغ فجر عبقريته الفكرية فهي على مرأى من الجميع وسأل الصبي عن روايته فأحضر له مظروفا كبيرا,.
ْ لقد طلب مني رئيس التحرير ان ابلغك اسفه واعتذاره عن نشر روايتك فهي ْ كما قال ْ ليست بحوزتنا!
ْ هل ْ هل باستطاعتك تساءل سلايتون مصعوقا ْ ان تخبرني ما اذا كانت الآنسة بف,, اعني,, زو,, اقصد الآنسة بفكين اتعلم ما اذا كانت قد سلّمت هذا الصباح رواية طلب رئيس التحرير منها ان تقرأها!؟
ْ اجل ْ بالتاكيد لقد سلمتها قال الصبي مفتعلا التعقل والحكمة لقد سمعت رئيس التحرير يقول انها كانت معجبة بها غاية مرتئية انها من الطراز الاول قيمة وجمالا اما اسم الرواية فكان انتصار فتاة عاملة !
هيه استطرد الصبي اسمك سلايتون اليس كذلك المعذرة فقد حصل لبس ذلك اليوم لقد طلب رئيس التحرير مني توزيع بعض الاعمال الادبية فوقعت في خطأ طفيف,, اعطيت الفراش الاوراق التي كان من المفروض ان ادفع بها الى الآنسة بفكين والعكس صحيح,, لا بأس بذلك,, كما اظن,, انه ليس بالخطب الجلل.
عند ذلك ابصر سلايتون المظروف الذي يحمل اسم روايته الحب هو كل شيء وقد خربش الفراش عليه بقطعة فحم عبارة صدقت والله .
|
|
|
|
|