| الثقافية
ماذا لو سألنا المثقفين العرب عن مشكلاتهم، وعن مشكلات الثقافة,,؟ وعن اللحظة الراهنة: ماذا تؤسس ؟
وماهو مدى انفعالها، أو تفاعلها أو فاعليتها؟
وهل بدون الحرية تستطيع الكلمة إنجاز فضاءاتها؟
وكيف للكلمة أن تكون فاعلة مادام الراهن يهمش الثقافة الجادة والمضيئة فلا يسعى إليها ولا يسعى إلى تطوير الصعد الحياتية الأخرى: التكنولوجية، الاقتصادية، المجتمعية؟
ثم,, هل للعولمة ذلك التأثير الذي ضخمته الظروف، فجعلت منه أزمة ولا أزمة في ذات الوقت؟
هذا ما سنتبينه من خلال هذا الحوار مع الشاعر الفلسطيني عصام ترشحاني والروائي والقاص البحريني عبدالله خليفة والروائي والقاص السوري وليد إخلاصي
* ما هي مشكلاتك كمثقف؟ وكيف ترى حلها؟
عبدالله خليفة:
* ْ المشكلات التي تواجهني كمثقف كثيرة, فهناك حالة الانفصام بين الكتابة الابداعية والجمهور، خاصة في منطقتنا الخليجية, حيث ينتشر الكتاب بشكل محدود جدا، فلا وسائل الاعلام تعنى به، ولا النقاد الذين انقرضوا, اما انتشار كتابنا في الاقطار العربية الشقيقة فهو ايضا محدود، نظرا لبعد اسمائنا عن الصحافة العربية ووسائل الاعلام العربية هناك, كذلك فان دور النشر تستغل اوضاعنا ككتاب في هذه المنطقة، ومن ثم يكون المردود الثقافي والمادي محدودا جدا, وبسبب ذلك تجدينني منغمسا في الصحافة التي تسرق اوقاتنا الابداعية, انني اكتب رواية طويلة من ثلاثة اجزاء الآن ْ وقد صدر الجزء الاول واسمها الينابيع ْ الصوت ْ وانهيت الجزء الثاني, ورواية بهذا الحجم ومليئة بالشخوص والاحداث على مدى قرن كامل، تحتاج الى التفرغ الكامل، وليس الى الانحشار في غيران الصحافة وتروسها.
عصام ترشحاني:
* ْ يحار الشاعر من أين يبدأ,, لماذا؟ لان الثقافة بحد ذاتها اضحت مشكلة كونها تعيش في مناخ لا تنتمي له ولا ينتمي لها,, فاضافة الى الامية السائدة والى التمزق العربي الذي نعاني منه على كافة الصعد، واضافة الى ما يعانيه الكاتب والكتاب، هناك امية اخرى يمارسها الادعياء فيزيدون طوقا آخر للحصار الذي تواجهه الثقافة العربية, لم تعد الكلمة تتمتع بتلك الفاعلية والتغيير والسبب هو ابتعاد انساننا العربي عن القراءة التي هي في الاصل عادة غير مؤصلة في مجتمعنا نتيجة انشغاله بظروفه المادية اولا، ثم بما تبثه الفضائيات ثانيا، حيث لا يوجد وعي قيمي للزمن يدفع بالظرف العربي نحو التطور والحضارة, ما يؤرقني هو: كيف سنجتاز فساد المرحلة وشعبنا يهرب من القراءة والعلم والمعرفة، ويهدر حياته في كل شيء ما عدا عملية التثقف، حيث نحن الآن في اشد الحاجة الى هذه العملية لنتجاوز الكمائن المحيطة بنا ولنغير النظرة المادية التي سلّعت حتى الانسان.
وليد اخلاصي:
* ْ باختصار، يمكن توصيف المشكلات عبر تقسيمها الى شقين:
(1) ْ الشق الاول: هو المشكلات الحياتية، والتي يمكن تلخيصها في امكانية الرضا عن الواقع الذي يحيط بنا, وبظني ان عدم الرضا هو الدافع للاستمرار في الحياة.
(2) ْ الشق الثاني: هو المشكلات الثقافية وهي كثيرة، لها علاقة بمدى قبول الافكار الاخرى.
احيانا اصاب بمرض رفض الآخر، واحيانا اقبله على علاته, والتأكيد على واقعية المثقف الحقيقية هي قبول منهج تفكير الآخرين وليس تفكيرهم، وهذا يؤدي الى علاقة المثقف بالديمقراطية التي تغيب احيانا لاسباب تفوق طاقتنا على التغيير, لماذا تغيب الديمقراطية عن تفكيرنا؟ ولماذا نستمتع بالتعسف؟ وهل هذا له علاقة بعضوية الانسان، بمعنى ان التعسف حالة بدئية والديمقراطية حالة متقدمة؟
* الثقافة العربية المعاصرة تمر باشكاليات متعددة.
ماذا يعنيك من هذه الاشكاليات؟ وما هو سبب أو أسباب وجودها؟ وما هي مقترحاتك لتجاوزها؟
عبدالله خليفة:
* ْ الثقافة العربية مفهوم عام ومجرد، ولا ادري ماذا تعنين بها, لكني ارى ان الثقافة العربية كلوحة عامة عريضة، ذات تيارات ومدارس واوضاع وطنية مختلفة, والاهم ما يجري: ان الثقافة النهضوية التنويرية تتعرض للانحسار، وتزحف ثقافات اخرى على الجمهور العربي، سواء كانت غربية استهلاكية ام ثقافات محلية متخلفة, الجمهور العربي يقع بين هاتين القبضتين اللتين تفقدانه الحضور والقدرة على تغيير وضعه بشكل ايجابي متقدم, وتقوم الاجهزة الاعلامية العربية بتكريس هذين النمطين، غير متيحة للثقافة العربية الجادة المضيئة فرصة التواجد في المساحات الاعلامية التي تقبض عليها بشدة وقوة وليس للثقافة العربية المضيئة سوى منابر محدودة، وهي تنتشر بين بعض النخب الثقافية المتناثرة في الارجاء العربية, ولهذا، فان تغيير الاوضاع العربية المتردية، وخلق مجتمعات حديثة، عبر هذه الاشكالية الواسعة، امر يحتاج الى وقت طويل وجهود جبارة.
ولهذا لا تمتلك الثقافة العربية الجادة والطليعية سوى ان تواصل حفر مشارطها في الجثة الاجتماعية ليعاد النظر في التركيبة الاجتماعية والثقافية ولنصير جزءا من العالم المتحضر, ولابد من اشتغال المثقفين الطليعيين على كافة حقول المعرفة والاتصال بالقراء، لكي نرى موقعنا في العربة الخلفية من قطار العالم السريع، مسجونين بين العفش والماشية.
عصام ترشحاني:
* ْ بشكل عام، كل اشكاليات الثقافة تعنيني الا انني اركز على الامية الثقافية، والامية التكنولوجية والامية الانسانية لقد اصبح المبدع الحقيقي غريبا حتى الاشباع ضمن هذه الامية المتعددة,, ولم يستطع النقد حتى الآن ان يمارس دور الفاعل,, اضيفي الى ذلك ضعف التواصل الثقافي العربي,, وبامكاني ان اضع هنا مأساة الكتاب الذي يجنَّز يوميا,, نحن مطالبون الآن بمجال اكبر للحرية الابداعية الهادفة الى تفعيل المشهد الثقافي واستبدال هذا الاستهلاك بثقافة جادة ترغب بالتغيير وتصل الى المجتمع عبر وسائل الاعلام المختلفة,, تلك الوسائل التي عليها ان تتبنى مشروعا ثقافيا حضاريا يجاري العصر ويتفوق عليه فيما بعد.
وليد اخلاصي:
* ْ الشيء الاكثر اهمية في ذكر المشكلات العربية تتلخص في موقف المجتمعات المهيمنة من حالة الابداع,, والابداع هو بمعنى الرفض لما هو سائد,, ولذلك تزداد مشكلة الثقافة مع ازدياد حالة الابداع, وتكون المصالحة قائمة عندما تسود الحالات العادية المألوفة, والابداع في مفهوم التمرد على المعطيات الحالية هو حالة محاربة من المجتمعات العادية ومن الكتّاب والمبدعين الذين يقال انهم كتّاب ايضا, هذه الحالة تعتبر جسما غريبا يغزو الحالة العادية, فتستنفر كافة الطاقات لاخناق صوته.
* هل للعولمة ذلك التأثير الذي ضخمته الظروف؟ وما تأثيرها برأيك في أدبنا العربي؟ وما تأثير أدبنا في العولمة؟
عبدالله خليفة:
* ْ العولمة تنطلق من الافكار الغربية المتقدمة، تطويرا لوسائل الاتصال والانتاج والعلم، واستغلالا لموارد الامم المتخلفة وطاقاتها البشرية واسواقها المفتوحة والمنهوبة فلا بد من الاستفادة من الانجازات الحديثة في حقول الاتصال والعلم، ولابد من تحطيم الاسلاك الشائكة التي اقاموها حول عقولنا، ومواردنا المعرفية، والاتصال بالعالم المتقدم والنهل منه, ان العالم المتقدم وهو يقيم مجتمعات حديثة معقولة، هو نموذجنا للخروج من الحظائر المتخلفة التي وضعونا فيها, لكننا نرفض ان نكون براغي في آلة تروسه المستغلة، وجزءا من خرائط حقوله ومواده، مكافحين في جهتين:
اولهما: جبهتنا الداخلية المتخلفة في انتاجها الثقافي والاجتماعي.
وثانيهما: الجبهة الخارجية التي تريد اذابتنا في فضائها الخاص.
ولقد استفاد الادب العربي من موجات الحداثة والتأثير الغربي عبر انفتاح المبدعين على اشكال الانتاج الصادرة توا، والنهل من كم المعلومات المتدفقة وتوصيل بعض اصواتهم الى الخارج, ويمكن ان تؤدي وسائل الاتصال المعلوماتية الى المزيد من الترابط بين الكتاب العرب، عبر فتح الزوايا والنوافذ والاتصالات في الشبكة الدولية للانترنت.
نحن تأثيرنا في العولمة محدود, فالرساميل الصناعية والتقنية العلمية العالمية لا ترى منطقتنا سوقا مهمة، نظرا لتخلف هذا السوق وتقلص حجمه وعدم مساهمة النساء بقوة فيه وطابعه الزراعي الحرفي البدائي والرساميل تتجه الى اوروبا وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا.
نحن نود اولا ان نتكامل كعرب، ونقوى شبكاتنا المواصلاتية والاتصالية وعلاقاتنا الثقافية والاقتصادية، فنحتاج الى عولمة قومية في البدء.
عصام ترشحاني:
* ْ العولمة لفظة مدللة للفظة قديمة (الاستعمار) الذي نحن بحالة صراعية معه وقبل ان يصبح قطبا واحدا (امريكا) المسيطرة على كل النواحي وتحديدا الاقتصادية ومن هنا تهيمن امريكا حتى سياسيا باعتبارها الاقوى,, اذن لاشيء جديد,, وما هذه الهالة التي وازت العولمة سوى محاولة لايهامنا بوجود الطرف الاقوى,, الا اننا الاقوى فيما لو باعدنا السلبيات الراهنة واستطعنا مواحدة قوانا,, اما بالنسبة لتأثير ادبنا في العولمة، فانا ارى بان هناك تأثيرا واضحا,, الم تنبن حضارة اوربا الحالية على تراثنا: ابن سينا/ الخوارزمي/ الرازي,, كذلك ثقافة اوروبا,, اليك مثلا دانتي، فْ(كوميدياه) مبنية على تراثنا الفكري والديني والصوفي,, الى آخر ما هنالك من تأثيرات لا تخفى,, وبالتالي فنحن نتأثر بالعولمة خصوصا التكنولوجية كوننا مستهلكي تكنولوجيا وغير مصنعين لها,, وبالضرورة، حيث طبيعة الحياة هكذا، فلابد من التأثر والتأثير,,, ولكن المهم هو: كيف نتأثر وبماذا؟ ارى ان نأخذ بكل ما يفيدنا ويساعدنا على التواصل والاستمرار الصحيحين,, ولن يكون ذلك الا اذا بنينا وعي انساننا العربي بطريقة مضيئة لن تتحقق الا بعملية التثقيف التي تؤدي فيما بعد الى المثاقفة,, ولن يحدث ذلك الا اذا تخلص مجتمعنا من أميته الانسانية اولا,.
وليد اخلاصي:
* ْ مصطلح العولمة احياء لمصطلح سلفي بمعنى الهيمنة، وتركيزنا السائد عليه دليل على رغبتنا الدفينة في التمسك بالماضي، الماضي الكوني بشكل عام,, لان الذي يجابه العولمة هو القوة الذاتية, واغفال القوة الذاتية لدى الشعوب ادى الى خضوعها لما يسمى بالعولمة,, ولكن، هذه الحقيقة بشكل مجرد، هي تحقيق لقانون طبيعي, وبالمقابل, فان الثقافة الجيدة تخلق قوانينها ولا تخضع لقوانين غيرها، وهذا لا يعني ان الثقافة الذاتية من الثقافات الاخرى فبقدر ما هي ذاتية، هي منفتحة,, يكتسب الانفتاح قوته من خلال المثاقفة مع الاخر وليس الخضوع له , ومظاهر العبودية سائدة في التجارة والصناعة والسياسة,, وهذا القانون الطبيعي هو خضوع الثقافة العربية دون تردد او مناقشة لثقافة الاقوى,, دون وعي نقدي حقيقي يفصل ما بين القوة والهيمنة.
يجب ان نعترف بان افقر الشعوب وابسط الشعوب تمتلك القدرة على التأثير في الآخرين, لذا لن تستبعد ان تكون هناك قوة مؤثرة لنماذج ادبية منتجة حاليا في آداب العالم الآخر والشعوب الاخرى شريطة وقوف القوى الاخرى مثل القوى السياسية والاقتصادية وراء الادب العربي, سؤال: لماذا نعمل على تصدير القطن السوري ولا نعمل على تصدير الادب السوري؟ هنالك تقصير تجاه الثقافة وعدم اعطائها حقها,, فالارض تعطي من باطنها البترول ومن ظاهرها القمح والقطن,, ويمكن تلافي هذا التقصير عندما تصبح الثقافة جزءا من المؤسسات الانتاجية وليس الاعلامية فقط, عندئذ تلعب الثقافة دورها المناسب.
|
|
|
|
|