| مقـالات
من المعلوم ان ما توصل إليه الغرب من تفوق ومنعة ليس سوى نتاج عصور وعصور من الملاحظة والتجريب والمغامرة والاختراع, إنه، في الحقيقة، حصيلة ما مر به إنسانهم من حركات يقظة وعصور تنوير تراكمت (معرفياً) في عقله فغربلت آليات تفكيره، وبالتالي، نقلته من ميتافيزيقية العصور الوسطى إلى عقلانية الفكر، وجعلت من تفكيره تفكيرا (استقرائيا/ تجريبيا/ عقلانيا) بعد أن كان مقتصراً على التعامل مع ما يرى من ظواهر كونية عمومية بطرق استنباطية/ فلسفية غير علمية لم تأخذ في الحسبان أهمية عدم التناقض وضرورة الشمولية واتساق الجزئيات والعموميات منطقياً, ان اعتماد الغرب على العقل استقرائيا ْ الاحاطة بكنه وماهية الأشياء العمومية انطلاقا من دراسة جزئياتها علميا ْ يمثل، في الحقيقة، آخر مرحلة منهجية علمية توصلت إليها البشرية منذ ان حطت الرحال في اجواء (المعرفة العلمية) خارجة من أتون مراحل المعرفة (الحسية والفلسفية), فلا غرو إذن أن نرى أنفسنا مشدوهين ْ الى حد الصدمة ْ من جراء قدرات الغربيين الابداعية ومخترعاتهم التكنولوجية التي لا تفتأ تثير فينا الاعجاب والحسد والحيرة والأمل باللحاق بهم تارة، واليأس من مجاراتهم تارات وتارات!
ان ما أصله ذلك الإرث المعرفي والعلمي في العقل الغربي هو، في الحقيقة، ما يفسر الكثير من سلوكياتهم التي نعتقد بغرابتها، بل ولا نفتأ نسخر منها سخرية إن دلّت على شيء فإنما تدل على قصور إدراكنا لدوافعها وحيثياتها وايجابية نتائجها: خذ منهجهم المتمثل باهتمامهم (العلمي، وليس غيره!) بتفاصيل تفاصيل الاشياء مهما ضؤلت: كاستعداد علمائهم، مثلا، للتضحية والفناء (زمنيا) من أجل مراقبة سلوكيات مجرد حشرة من الحشرات أو فيروس من الفيروسات!، أو شجاعتهم المتمثلة في روح المغامرة المتوثبة لديهم في سبيل استكشاف كل ما من شأنه علو ورقي مجتمعاتهم، بل لعلك تتذكر ما فعله (مستشرقوهم ورحالتهم) عندما نجحوا أيما نجاح في (استقراء) ركائزنا الثقافية الاساسية (المصيرية) نتيجة لما بذلوه من جهد جهيد للإلمام بأدق شؤوننا وأوهن أمورنا؟! إن هؤلاء الرحالة والمستشرقين لم يترددوا في استغلال ظروف أجدادنا، المتمثلة في الجوع والجهل، ليجعلوا منهم وسيلة (بحثية!) وذلك لغرض سبر غور ما أرادوا سبره، فقط لنجد أنفسنا (نحن الأبناء) طلبة دراسات عليا في (جامعاتهم) ننهل (عنا!) من معين ما أنتجه هؤلاء الرحالة والمستشرقون (عنا!) من تاريخ وجغرافيا وآثار وعلم نفس واجتماع وو,, حدث ويحدث هذا في الوقت الذي لا نجد لنا ْ نحن الاجيال اللاحقة ْ مناصا سوى مواصلة استيراد كل ما نحتاجه منهم من تقنية وطب وزراعة,, بل استيراد سلوكيات لا طاقة لنا بمحاربتها سوى وصمها (بالدخيلة/ المنحرفة/ الوافدة,,) تبريراً لعجزنا ومن ثم رفضنا (بسبب عجزنا!) استقراء ْ وأكرر استقراء ْ ومن ثم الغوص في كنه وجوهر الاسباب (الذاتية/ الفكرية) التي تعمينا عن النظر في واقعنا وتغرينا على مواصلة الجهل (بذاتنا) والصد عن استجلاء كنهها، مما أطال، بالطبع، من أمد اعتمادنا المذل على الغرب (ترفيها وتطبيبا ونقلا واعاشة وو,,,), إننا نعرف حق المعرفة ان العلاج الناجع (والاوتوماتيكي) لظواهر تسلل واستشراء قيمهم وسلوكياتهم بين ظهرانينا ليست سوى عرض من أعراض امراضنا المستعصية وهي سلوكيات بالمناسبة سوف تواصل (التسلل)، بل الاستفحال، طالما (واصلت منتجات ما يزرعون التسلل الى بطوننا!)، وطالما زهت بما يحيكون (ظهورنا!)، بل طالما لم نصنع بديلا لا يتردد بنقل (أرجلنا) على وجه السرعة الى حيث تعقد ندوات ومؤتمرات (إدانتهم!),, أو نخترع تقنية تغنينا عن تقنيتهم تلك التي جعلت من حناجرنا أبواقا صاخبة مجلجلة مزمجرة ناثرة (عبر الأثير) نثرا انشائيا رنانا مليئاً بإسقاطات الغيرة والقهر منهم، بينما تتشح أقلامنا وأوراقنا ْ وحتى أحذيتنا ْ بعبارات (صنع في,,!),, حقا (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم),, و(ان السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة),, وأن التغني (فقط) بسعادة الماضي لا يزيل شقاوة الحاضر وعلى غرار تساؤل من قال:
وهل إن كان حاضرنا شقيا نسود بكون ماضينا سعيدا؟! |
ص.ب: 4206ـرمز 11491 الرياض
|
|
|
|
|