أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 23rd March,2000العدد:10038الطبعةالاولـيالخميس 17 ,ذو الحجة 1420

مقـالات

ثلاثية السمو
أولا: السمو النفسي:
د, زيد بن محمد الرماني*
قال تعالى: (يا ايتها النفس المطمئنة، ارجعي الى ربك راضية مرضية) الفجر/27 وقال سبحانه: (ولا أقسم بالنفس اللوامة) القيامة/2, وقال سبحانه: (إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) يوسف/53,
هذه اهم اقسام النفس البشرية، فهي مترددة بين ثلاث حالات: الاطمئنان، واللوم، والأمر بالسوء قال أحد الحكماء مرة: أول شيء يلزم الانسان معرفته نفسه وفي معرفة النفس إطلاع على امور كثيرة منها:
1ْ أنه بواسطتها يتوصل الى معرفة غيرها، ومن جهلها جهل كل ما عداها.
2ْ ان من عرف نفسه عرف اعداءه الكامنة فيها، المشار اليها في حديث: (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك).
3ْ ان من عرف نفسه عرف كيف يسوسها.
4ْ ان من عرفها لم يجد عيبا في احد الا رآه موجوداً في ذاته.
والقاعدة الاسلامية تقول: الإنسان بنفسه وليس ببدنه، وهناك عدد كبير من الفلاسفة الانسانيين لم يخرجوا عن هذه القاعدة، ومنهم أبو علي مسكويه الذي يعدّ النفس كنزا مُعطى للانسان من واجبه ان يحافظ عليها، ويعطيها مكانتها والاّ يترك السلوك البهيمي المعبّر عن متطلبات البدن يسيطر عليها، وقد شبّه الحكماء من اهمل سياسة نفسه العاقلة، وترك سلطان الشهوة ومحبة الكرامة يستولي عليها، برجل معه ياقوتة شريفة حمراء لا قيمة لها من الذهب والفضة جلالة ونفاسة، وكان بين يديه نار تضطرم فرماها في حباحبها حتى صارت كلساً لا منفعة فيها فخسرها وخسر ضروب منافعها.
وتبدأ مرحلة اعطاء النفس مكانتها، من معرفة الانسان لحقيقة نفسه وقيمتها، ومن إدراك ان النفس تستلزم التزكية والسمو عن الخبيث من الافعال، وعن الغرق في تلبية الشهوات.
وتتمثل القاعدة الاسلامية للنظرية النفسية في الآيات التالية:
1ْ قوله تعالى: (ونفس ما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد افلح من زكاها وقد خاب من دسّاها).
2ْ قوله تعالى: (وهديناه النجدين)، وقوله: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً).
3ْ قوله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة).
4ْ قوله تعالى: (بل الانسان على نفسه بصيره ولو ألقى معاذيره).
5ْ قوله تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى).
الاسلام يعتمد في إصلاحه على تهذيب النفس الانسانية قبل كل شيء، فهو يكرّس جهوداً ضخمة للتغلغل في أعماقها وغرس تعاليمه في جوهرها حتى تستحيل جزءاً منها.
ومن هنا كان الاصلاح النفسي، الدعامة الاولى لتغليب الخير في هذه الحياة، فاذا لم تصلح النفوس اظلمت الآفاق، وسادت الفتن حاضر الناس ومستقبلهم.
والاسلام في علاجه للنفس ابتغاء إصلاحها، ينظر اليها من ناحيتين:
1ْ أن فيها فطرة طيبة، تهفو الى الخير، وتُسر بادراكه، وتأسى للشر وتحزن من ارتكابه.
2ْ وان فيها نزعات طائشة، تشرد بها عن سواء السبيل وتزيّن لها فعل ما يعود عليها بالضرر.
وقد مدح القرآن نماذج بشرية سمت نفوسهم، (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، والذين يبيتون لربهم سُجداً وقياماً، والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت مستقرا ومقاما، والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، وكان بين ذلك قواماً,,,) الفرقان 63/67.
ثانيا: السمو الروحي
إن الانسان مخلوق من مادة وروح، قبضة من طين، ونفخة من روح، قال سبحانه: (فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين,,,) الحجر/29,
وقال كذلك: (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين,,,) الاعراف/12,ولقد كرم الله سبحانه وتعالى الانسان بسمو روحي يتميز به عن جميع المخلوقات، وهذا السمو له اسس متعددة موجودة في القرآن الكريم والسنة النبوية، من خلال الدعوة الى التمسك بها، يقول عز وجل: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب,,,) وجاء في الحديث: (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف),.
هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخرج يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليغتاله وينتقم منه، فلما سمع آيات من القرآن الكريم دخل الإيمان قلبه، فسمت روحه، وصفا قلبه.
إن المحبة تسمو بالنفس الى اعلى المراتب، وقد كان ذلك بارزا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في المؤاخاة بين المهاجرين والانصار بعد هجرة الرسول واصحابه من مكة الى المدينة، حتى ان احدهم ليعرض على اخيه ان يتنازل له عن نصف ماله عن طيب نفس، بل وعن احدى زوجتيه ليتزوجها اخوه, وهذا قمة السمو الروحي.
وفي المقابل فان الصفات السيئة والخصال المرذولة كالحسد والغش والخداع والغيبة والنميمية والمكر والغدر والخيانة,, تُبعد الانسان عن السمو الروحي والصفاء القلبي، ولذا اوصانا الله عز وجل بالتعوذ من الحسد: (ومن شر حاسد اذا حسد).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا,,,), ونهينا عن الغيبة والنميمة، (إياكم والغيبة,,,) (لا يدخل الجنة نمام)، حتى تكون أخلاقنا نبراساً يهتدي به الضال، (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن سعوهم بحسن الخلق,,,).
ولقد كان لنا في رسول الله أسوة حسنة، في اقواله وأفعاله، في عبادته ومعاملاته، (كان خلقه القرآن) وكان يقول: (صلوا كما رأيتموني أصلي) (خذوا عني مناسككم,,,), وكان عليه الصلاة والسلام يحب التيامن، وإذا عرض عليه امران احدهما أيسر من الآخر، اخذ الذي هو أيسر، رحمة بالأمة، إنه رسول الله صاحب القلب الكبير، والسمو الروحي العالي، الذي قل ان يصل اليه أحد يقول الشاعر:


من الذي ما ساء قط
ومن له الحُسنى فقط

محمد الهادي الذي عليه جبريل هبط
إن صفاء النفس له آثار حميدة على الفرد والمجتمع، حيث دائما ما يكون صاحب الصفاء النفسي مستقر البال، مرتاح الحال، مطمئن الفؤاد, بل ان المجتمع بافراده تبعد عنهم الازمات النفسية والقلق والحيرة، وتبرز فيهم خصال التكافل الاجتماعي والتآخي والمودة والتعاون والمشاركة مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى,,,) إذ ان (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً,,,).
*عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved