أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 23rd March,2000العدد:10038الطبعةالاولـيالخميس 17 ,ذو الحجة 1420

فنون تشكيلية

علي الدوسري الضارب في قلق التقنية,, يعرض تجربة جديدة في الخبر
تضْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْاريس ذات تتحْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْاور فنيْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْاً,,!
* نقد ْ حبيب محمود:
يؤكد الفنان علي عيسى الدوسري، في معرضه الذي احتضنه احد المجمعات التجارية بمدينة الخبر، تأكيدا واثقا على تكريس تجربة فنية شخصية لها جذور تضرب في تاريخ عقدين كاملين من التصارع والتحاور مع ·رقائق الألمنيوم كخامة تشكيلية نادرة الاستخدام في الساحة التشكيلية المحلية,, وربما العربية,,!.
هذا التأكيد المثير، بفرادته، يستثير لدى الدوسري حساسية ازاء تقنية غير مطروقة بوضوح، ومن ثم يستثير حساسية مماثلة ازاء تضاريس جمالية مطلقة تشبع بها فراغات اللوحة، وتوقظ بالنتوءات والمنمنمات والمنحنيات احساسا عبثيا من المحال اللجوء الى التعامل معه منطقيا.
إحساس النحاس
تدخل المعرض فيمتلكك احساس لوني, ينقلك الاحساس الى صوت النحاس وهو يطرق بعنفوان, تنقل بصرك بين الأعمال التي وضع لها اسم واحد (جوانا) فتعود بك الثقافة البحرية الى عصر اللؤلؤ,, تقرأ في كتيب المعرض شهادات وايضاحات,, تتصفح ملامح اللوحات النحاسية اللون,, تحاول فك الطلاسم وفض الايحاءات، يجهد بصرك وهو يبحث عن شيء متوقع في ذائقتك الجمالية,,!.
ليس في المعرض عمل زيتي او مائي او باستيل او كولاج او خامة ألفها بصرك المفتن بثراء اللون، وتنويعات المدارس الفنية، او الاساليب القريبة من احساسك او عاطفتك، او على الاقل من المامك البدائي بما تطرحه الساحة في معارضها المتضاربة المتكاثرة,, ليس شيء من ذلك موجودا في المعرض.
ولكنك تخرج مستمتعا بعبثية فنان مثير,, وقد يكون هناك مكمن التجربة.
عبثية المضمون
ومع ان الدوسري لم ينطق بكلمة ·عبثية ؛ فانه أقرّ فكتب في كتاب المعرض: ·لم يكن اهتمامي بموضوع العمل قدر اهتمامي بالتقنية واضاف: ·هي موضوع بحثي الفني في هذه التجربة وبما ان (الموضوع) بمفهومه المنوالي هو غير (موضوع البحث الفني)؛ فان المفهوم الاخير يتيح لنا تعزيزا طبيعيا لوعي البعد العبثي الجمالي في مضامين اعمال الدوسري في هذه التجربة.
هذه المضامين لا تتيح لنا فرصة (الفهم الموضوعي) للعمل الفني؛ ذلك انها ابعد ما تكون عن تحمل مسئولية الخطاب الواعي او الآلية المنطقية او حتى الاقتراب من حرم الاحساس المتوقع بفعل الرمزية مثلا او الخضوع لتنويعات منوالية على نحو من الانحاء, المضمون، عند الدوسري، كما اشار احد من توقف عند فنه ·مغيّب تماما، ومبثوث تقنيا، لا موضوعيا، وقائم على احلال علاقات عبثية ذات احساس غير مسئول عن اي بعد منطقي يمكن اقتناصه واعتباره محورا، او على الاقل الافادة منه في تجسير اي نسق في سياق هذه العلاقات المتداخلة المتصارعة جماليا في مساحة العمل الفني.
رافد تعبيري,, استثناء,,!
يستثنى من هذا الاحساس العبثي خمسة اعمال فحسب, هذه الاعمال لها رافدها التعبيري الذي يعني المواربة الموضوعية فيما يخص المضمون, فقد قدم المعرض اربعة اعمال اعتمد فيها الدوسري (الوجه) مهادا تعبيريا اقل ضبابية، واخضع لهذا التجاوز الآلية ذاتها التي اخضعها لبقية التجربة، لكنه انطلق من الملامح الموحشة في الوجه العربي (المرأة/ الرجل/ الفتاة/ الصبي)، وجعل منطقية العينين بؤرة حقيقية المشهد التعبيري في حس يكاد يكون خطابيا قياسا ببقية الاعمال.
واذا جاز لنا التفسير ْ ولو تعسفا ْ فان هذه الوجوه تقول واقعيا: ·وجوه ترى بعين واحدة بيد اننا نضع هذا (التفسير) ضمن هامشية الانطباع الواعي وليس لنا أن نؤكد المضمون تأكيداً,, إلا ان هذا التفسير ْ نفسه ْ نحتاجه كفلذة مضمونية لها احساسها الموضوعي والتقني في آن معا، اي انها المنطقة الوحيدة، في المعرض، التي تحملت مسئولية ذات تقاطعات يمكن الاتكاء على اعتبارها منطقية.
اما العمل الخامس فهو أكثر ترفعا, لكن دلالة المرأة تقدم نفسها بلمسات تحاول التفلت من التجسيد، وفي النهاية يقع الدوسري ْ جماليا ْ فيما هرب منه موضوعيا,,!,وفيما عدا ذلك؛ فان المعرض الثري بجمالياته يوارب مواربة اكثر مما يطرح وعيا جاهزا.
قلق تقني
ومن زاوية مقابلة يمكن ان نتلمس نبض القلق التقني على النحو الذي يتشابك فيه هذا القلق مع مفردات مجربة اسلوبيا، ولكن ليكون العمل برمته ْ في النهاية ْ عملا جماليا محضا ففي التجربة فلذات سريالية وتعبيرية وتجريدية، ولكن هذه المفردات لا تعير بالا لحذافيرها ولا تفصح عن وجودها صراحة، بل انها لا تتحاور نسقيا, انها تتراسل بترفع شديد فتفيض على العمل احساس الدهشة والمتعة الصرف، الى الحد الذي يمكن ان ننفي وجودها، وهي موجودة جماليا,,!.
غير ان ثمة مأخذا حقيقيا يضع الدوسري امام اشكالية فنية فذة؛ فهذا التحاور التقني مع الالمنيوم، واثر الازميل والسكين ورؤوس المسامير، فضلا عن التعتيق الذكي والنجاح اللوني,, هذا كله انتهى الى خلق حالة (تجانس) ايحائي في اكثر الاعمال,, هذا التجانس هو ما يعطي المتلقي شعورا بتكرار التجربة بين عمل وآخر, وقد يكون هذا المأخذ اكثر نقطة لافتة في المعرض برمته، وهذا رأي قاله اكثر من فنان تشكيلي زار المعرض.
تضاريس ذات,,!
غير الامعان البصري في (اجزاء من اللوحات) يستوقف التفاصيل الحرفية، بتضاريسها الاكثر ايحاء ومكاشفة، بل ويكاد يقود الى احساس مبسط بمؤدى هذا العلم انطباعيا؛ بمعنى ان الملتقي قد يتصور انه امام (خريطة) تكشف عن تفاصيل بقعة ارض بجبالها وسهولها وانهارها وحتى غاباتها وهو احساس غير غريب عن المضمون السيكلوجي لتجربة علي الدوسري التي تكاد تتكفل بطرح كثافة تعبيرية (بمعنى: تعبير، وليس بمعنى: رمز) تتغذى جماليا ومضمونيا على خريطة نفسية لها معاناتها الخاصة.
ولنا ان نتحقق من هذا البعد بما يكتنزه سطح اللوحة من تموجات وما تثيره هذه التموجات من ملمس يفتح الباب امام التفسير النفسي ْ فضلا عن الفني ْ الذي يوشك ان ينطق بما لم يذهب اليه الدوسري قطعاً.
ومع ان الدوسري لم يعترف بذلك صراحة ولا حتى ضمنا، بل ذهب بإيضاحاته الى جدران البيوت القديمة المتآكلة بعوامل الزمن وما تركته تعرية الطبيعة على هذه الجدران من روسمات تلقائية ورموز تعبيرية تصادفا؛ مع ذلك نقرأ في تجربة معرضه الشخصي الرابع ما يحرص على كشف صراع فني/ نفسي، تقوده حرفية واثقة في تطويع خامة الالمنيوم وتشكيلها باقتدار وتمكن، وهذا الصراع يعبر جماليا عن تفاصيل ذاتية موحية لها هاجس مشدوه بفوارق الطبيعة وقدرتها على صنع الخريطة,, هذه الخريطة هي علي الدوسري نفسه.
ندرة مؤرقة,,!
ومهما وصل بنا الاستنطاق حدا من المبالغة؛ فان ما يثيره الفنان علي عيسى الدوسري في معرضه الثري، وما أثاره عبر تجربته الطويلة، يتيح لنا فرصة المواجهة الحميمية مع هذه التنقية التي يتفرد بها في الساحة وعلى نحو يؤول بنا الى وعي التجربة وعيا جماليا ليس في بعده العبثي رغم ثراء هذا العبث، ولكن ايضا في بعده الفني الذي يضعنا امام تجربة راهنت كثيرا على الطرح المترفع مضمونيا وخاضت غمار تقنية نادرة، بل نادرة جدا, وقد تكون هذه الندرة هي الارق الاكثر اقلاقا لعلي الدوسري في رحلته الطويلة المضنية مع احساس سطح اللوحة المتمرد والمتجدد.
أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved