أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 20th March,2000العدد:10035الطبعةالاولـيالأثنين 14 ,ذو الحجة 1420

الاخيــرة

الرئة الثالثة
نتمنّاها تربيةً لا )تعليباً(
عبدالرحمن بن محمد السدحان
هناك جدل لا ينضب له معين حول مفهومي التربية والتعليم, البعض يرى انهما ضدان يلتقيان شكلاً,, ويختلفان معنىً وآليةً ونتيجةً، والبعض الآخر يراهما ندّيْن مترادفين، لفظاً ومعنىً ونتيجة,
***
ويقودني الفضول إلى الخوض في غمار هذا الجدل بمداخلة قصيرة افرّق فيها بين التربية والتعليم، معارضاً بذلك مَنْ يرى في المصطلحين ندّية في الشكل، او ترادفاً في المضمون، فأقول:
تقترن التربية بمفهوم الإنسان تنميةً وتقويماً ويركز هذا المفهوم على عقل المتلقي ووجدانه وصولاً الى معادلة سوية في السلوك والتعامل مع مشتقات الحياة وحيثيات الأحياء، اما التعليم فيقوم على آلية )تلقين( المتلقي منظومة مركبة من المعلومات او المهارات او القدرات المدوّنة نصّاً أو المتوارثة عرفا وتقليدا، والتلقين في هذه الحالة يتم إما باستيعاب النص المكتوب حفظا، او بمحاكاة ما تتلقاه حواسُّ المتلقي من مصدر التلقين تقليداً فتختزنه ذاكرته، وترجعه عند الحاجة,
***
و اضرب لذلك مثلاً بقيادة السيارة:
فتعليم أو )تدريب( المرء لقيادة السيارة له وجهان، احدهما )تلقيني( بمعنى أن المتلقي ) يتعلم( الآليات والمهارات التي تمكّنه من القيادة، فذاك شق التعليم، لكن ترتبط بالقيادة اخلاقيات ومفاهيم وبديهيات إنسانية لا يدركها المتلقي عبر ميكانيكية التعليم وحده، بل لابد من سبل أخرى لغرسها في عقله ووجدانه، وذاك شق التربية,
***
وإذا جاز لنا الأخذ بْ)ندّية( المعنى وترادفه بين التعليم والتلقين، جاز لنا الاستنتاج بأن هوية تجربتنا التعليمية المعاصرة هي أقرب الى التلقين من التربية، وإلا فما تقول في حرص العديد من الطلاب والطالبات في مدارسنا وجامعاتنا على استظهار النص المكتوب، لا حباً فيه، ولكن خوفاً من المعلم، أو طمعاً في رضاه، وإذا كان هذا المعلم واحدا من )مخرجات( آلية التعليم المشار إليها، فماذا عساه أن يفعل خلافاً لذلك؟
***
والأهم من ذلك كله أن عقل الطالب أو الطالبة يتحول نتيجة تلك الآلية الى وعاء لتخزين المعرفة، والمعرفة هنا أشبه ما تكون بالغذاء المفرّغ في )علب(، لا يبقى على حال واحدة، بل يتغيّر بمرور الزمن، لوناً وطعماً ورائحة، وقد يصبح فاسداً بعد حين، لعدم ملاءمته للشروط الصحية المكيفة لاستعماله,
***
كذلك المعرفة، بعضها )يُعلَّب( في العقول شهوراً أو سنين، ثم يتغيّر بفعل دينامية الزمن، وإبداع الإنسان المتجدد الذي لا يصبر على طعام واحد، فما يزال يجرب، ويكتشف، وينظّر، ويربط، ويستنتج، ليأتي في كل زمان بجديد!
فرضيّة الأمس اصبحت اليوم حقيقة، لكنها قد تفقد مصداقيتها أو فاعليتها غداً أو بعد حين، بفعل ما يطرأ عليها من تغييرات، تحديثاً او تصويباً او اضافة، ونحو ذلك,
** إذن فالتربية شيء آخر جدّ مختلف، هي تنمية خصوصية الإبداع في وجدان المرء، وهي بناء العقول بصقل قدرتها على فهم واستيعاب مفردات الحياة، والتعامل معها بحكمة وبصيرة واعية مبدعة,
***
وختاماً,, أتمنى,, ومعي كثيرون جدا، أن يكون ما يتلقاه فلذات الأكباد في المدارس والجامعات في بلادنا الغالية تربيةً لا )تعليباً(!!

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved