| مقـالات
كل يطمح ان يكون شيئا مذكورا في الحياة وبعد الممات، يكون مذكورا في حياته بعلم نافع اسداه او عمل صالح قام به او من خلال تربية جليلة حية قام بها لاسرة يعبق جوها بريح الجد والمثابرة، وريح اليقين والاخلاص والايمان، وليس بشيء ذلك الذي ينشد الاستحسان لذاته، انما الرجل ذلك الذي يسعى اليه ·الذكر الحسن مواكبا لجليل عمله وعظيم فهمه واخلاص امره من قبل ومن بعد,
والناس صنفان سعيد بحياته لانه يعيشها من خلال فهم عميق صلب، وشقي بها لانه يعيشها لذاته او من خلال فهم يراه عظيما وليس بذاك,
واذا اردت حقيقة هذا فلعلك تعود الى سادة الدنيا الذين يعيشون نعيما نفسيا لا يزول، ويعيشون لذة الحياة وصدق التلقي من علم كريم حتى قال ابراهيم بن أدهم: لو يعلم طلاب الدنيا ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف، واي نعيم اجل من نعيم الايمان بصدق ووعي وسبيل قويم,
لابد من انتشارذكر مثل هذا في العالمين ينشد الاخلاص بعلم جزيل لان العلم النافع لابد لصاحبه ان يذكر بين العالمين لكن هذا الذكر يؤلم صاحبه خشية الزلة ومدخل الشيطان حتى قال الشافعي: ·ليت كتبي تُحرَّق او قال: ·ليتني ليس لي كتاب لكن العلم انتشر على يديه في العراق، ومصر، وابى العلم الا ان يكون لله حتى قال احمد بن حنبل: ما خلفت في بغداد خيرا من الشافعي وحتى قال ايضا: ما عبر الجسر مثل: البخاري، وابي زرعة، وحتى قال الذهبي يحكي حال القعنبي فيما رواه في ·تذكرة الحفاظ : كانوا اذا رأوه قالوا: ·لا إله إلا الله مما يرون عليه من جلال وسكينة ووقار العلم، وهيبة الايمان وصدق العدل حتى من النفس,
وهناك بعض نقولات خالدة عن رجل ولا كالرجال تهيأ له القليل مما تهيأ للكثير اليوم من سبل العلم وطلبه ومن وسائل الاجتهاد والابداع والتجديد لكنه بالله علم وعمل فجاءه العلم جريا فسبق الرجال، وكذلك قارئي الكريم تفعل التقوى وكذلك يفعل الايمان برب العالمين,
ولد هذا الفحل سنة 194هْ من يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من شهر شوال في شرق آسيا ·روسيا اليوم، كان والده يشتغل بتجارة قليلة لكنه كان جاد التربية عظيمها,
هذا الرجل من علماء السنة وعلماء الرجال نبغ صغيرا واهتدى فهُدي الى صراط مستقيم، قال حاشد بن اسماعيل: كان محمد يختلف معنا الى مشايخ البصرة وهو غلام فلا يكتب، حتى اتى على ذلك ايام, فلمناه بعد ستة عشر يوما فقال: قد اكثرتم علي، فاعرضوا علي ما كتبتم, فأخرجناه، فزاد على خمسة عشر الف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب، حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه,
وقال ابو بكر بن ابي عياش الأعين: كتبنا عن محمد بن اسماعيل وهو امرد على باب محمد بن يوسف الفريابي، وقال محمد بن الازهر السجستاني: كنت في مجلس سليمان بن حرب الازدي البصري قاضي مكة ومحمد بن اسماعيل معنا يسمع ولا يكتب، فقيل لبعضهم، ما له لا يكتب؟ فقال: يرجع الى بخارى ويكتب من حفظه، وقال ورَّاقة محمد بن حاتم، قال محمد بن اسماعيل: كنت في مجلس الفريابي فقال: حدثنا سفيان عن ابي عروة عن ابي الخطاب عن ابي حمزة، فلم يعرف احد في المجلس ·مجلس الفرياني من فوق: سفيان فقلت لهم: ابو عروة هو: معمر بن راشد، وأبو الخطاب هو: قتادة بن دعامة، وابو حمزة هو انس بن مالك، ثم قال محمد بن اسماعيل وكان سفيان الثوري ·اي شيخ الفريابي فعولاً لذلك يكنّي المشهورين,
وقال يوسف بن موسى المروزي: كنت بالبصرة في جامعها، اذ سمعت مناديا ينادي: يا اهل العلم، قدم محمد بن اسماعيل فقاموا اليه، وكنت معهم فرأيت رجلا شابا ليس في لحيته بياض، فصلى خلف الاسطوانة فلما فرغ احدقوابه، وسألوه ان يعقد لهم مجلسا للاملاء، فأجابهم الى ذلك، وقال يحيى بن جعفر: لو قدرت ان ازيد في عمر محمد بن اسماعيل لفعلت فان موتي يكون موت رجل واحد، وموت محمد بن اسماعيل ذهاب العلم,
وقال محمد بن ابي حاتم الوراق النحوي: قلت لابي عبدالله محمد بن اسماعيل: كيف كان بدء امرك في طلب الحديث؟ قال: الهمت حفظ الحديث وانا في الكتاب، قلت كم اتى عليك اذ ذاك؟ قال عشر سنين او اقل,
وقال سليم بن مجاهد، كنت عند محمد بن سلام البيكندي فقال: لو جئت قبل لرأيت صبيا يحفظ سبعين الف حديث فخرجت حتى لحقته فقلت له: انت تحفظ سبعين الف حديث؟
قال: نعم واكثر ولا اجيئك بحديث عن الصحابة والتابعين الا عرفت مولد اكثرهم، ووفاتهم ومساكنهم، ولست اروي حديثا من حديث الصحابة والتابعين الا ولي من ذلك اصل احفظه حفظا من الكتاب او السنة,
وقال الامام مسلم لمحمد بن اسماعيل دعني اقبل بين عينيك، قال دعني اقبل رجليك يا استاذ الاساتذة ويا سيد المحدثين ويا طبيب الحديث وعلله,
ويتحدث محمد بن اسماعيل عن نفسه بعد ان تخرج من الكُتّاب قال: جعلت اختلف الى الداخلي وغيره، فقال الداخلي يوما فيما كان يقرأ للناس: ·روى سفيان عن ابي الزبير عن ابراهيم، فقلت: ان ابا الزبير لم يرو عن ابراهيم فانتهرني، فقلت ارجع الى الاصل ان كان عندك، فدخل فنظر فيه، ثم رجع فقال: كيف هو يا غلام؟ فقلت هو الزبير بن عدي عن ابراهيم ·اي النخعي فأخذ القلم واصلح كتابه وقال لي: صدقت، فقال انسان لمحمد بن اسماعيل ابن كم كنت حين رددت عليه؟ قال: ابن احدى عشرة سنة، قال: محب الدين الخطيب في تقديمه لكتاب محمد بن اسماعيل ·وفي هذه السن ·احدى عشرة سنة كان يسمع مرويات بلده من محمد بن سلام البيكندي، ·161 ْ 225هْ وعبدالله بن محمد المسندي الجعفي ·ت سنة 229هْ , قال محمد بن اسماعيل: فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ·118 ْ182هْ ووكيع بن الجراح ·130 ْ 197هْ ,
هذا الامام هو امير المؤمنين في الحديث وشيخهم على مدار القرون هو الفحل الفذ محمد بن اسماعيل البخاري صاحب ·الصحيح الذي اجمعت الامة على صحة ما جاء فيه، واوجبوا العمل به لعظم ما تجشمه البخاري وتحراه في هذا السفر العظيم,
يقول البخاري: كنا عند اسحاق بن راهوية، فقال: لوجمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع الصحيح، كذلك قال ابن حجر العسقلاني في هدي الساري طبعة بولاق، وقال: وروينا بالاسناد الثابت عن محمد بن سليمان بن فارس قال: سمعت البخاري يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكأني واقف بين يديه وبيدي مروحة اذب بها عنه، فسألت بعض المعبرين فقال لي: انت تذب عنه الكذب,
قال الامام النووي ·631 ْ 676هْ في مقدمة شرحه لصحيح مسلم الطبعة المصرية لعام 1347هْ ·اتفق اهل العلم رحمهم الله على ان اصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم,
قال الامام البخاري: ·ما ادخلت فيه حديثا حتى استخْْْْْْرت الله تعالى، وصليت ركعتين، وتيقنت صحته، وقد جعلته حجة فيما بيني وبين الله,
وقال ابو جعفر العقيلي: ·لما صنف البخاري كتاب الصحيح عرضه على علي بن المديني، واحمد بن حنبل، ويحيى بن معين واضرابهم من ائمةعصره، فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحة,
وقال البخاري قبل ذلك: ·لما طعنت في ثمان عشرة سنة جعلت اصنف قضايا الصحابة والتابعين واقاويلهم، وكان ذلك في ايام عبيد الله بن موسى ,
وقال النووي: ·قال البخاري: المادح والذام عندي سواء , وقال: ·ارجو ان القى الله تعالى ولا يطالبني اني اغتبت احدا تاريخ بغداد ج 2 ص 30,
وقال الغربري: ·رأيت ابا عبدالله محمد بن اسماعيل البخاري رحمه الله في النوم خلف النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يمشي، كلما رفع قدمه وضع البخاري قدمه في ذلك الموضع تاريخ بغداد ج 2 ص 10,
حقائق عن هذا الإمام، وكتابه
1 ْ اجمع اهل العلم: الحديث، والفقه، والرجال، والتاريخ، والاصول على ان البخاري: حجة، ثقة، ثبت، عدل، امام,
2 ْ واجمعوا على انه كان: حييا، ورعا، شجاعا، يأكل من عمل يده,
اما كتابه المشهور فاسمه ·الجامع المسند الصحيح المختصر من امور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وايامه وهو اصح كتاب بعد القرآن, وانه اول كتاب صنف في الحديث الصحيح المجرد,
3 ْ عدد احاديثه المسندة سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بالاحاديث المكررة وبحذف المكرر اربعة آلاف,
4 ْ صحيح البخاري متواتر عنه كما قال النووي من رواية الغربري: روينا عن ابي عبدالله الغربري رحمه الله تعالى قال: سمع الصحيح من ابي عبدالله البخاري تسعون الف رجل فما بقي احد يرويه غيري,
وقال النووي: ورواه عن الغربري خلائق منهم ابو محمد الحموي وابو زيد المروزي وابو اسحاق المستملي وابو سعيد احمد بن محمد وابو الحسن علي بن احمد بن عبدالعزيز الجرجاني، وابو الهيثم محمد بن مكي الكشمهيني,, الخ,, ·ما تمس الحاجة اليه النووي ص 21، 22,
كان رحمه الله بين الطويل والقصير كان نحيف القامة وكان ابيض الوجه خفيف اللحية هادىء الطبع، وقد ورث تجارة ابيه مع اخوانه لكنه صرفها في طلب العلم والرحلة لطلب السند العالي,
وكان كثير العبادة مجاب الدعوة بقي ذكره يجلجل ابدا وذهب حاسدوه وتفرقوا كما هي ·ايدي سبأ ، هذا نموذج لعبقري من كبار العلماء البررة الاخيار مات وخلف ذرية قليلة ولم يخلف لهم مالا فحفظهم الله ورعاهم واخذ بأيديهم ودافع عنهم، ومن يحفظ الله ويرعاه فذاك المحفوظ ولا كلام، وراجع ·تدريب الراوي ص 87، 88، 89,
|
|
|
|
|