أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 19th March,2000العدد:10034الطبعةالاولـيالأحد 13 ,ذو الحجة 1420

مقـالات

رسالة المثقف أمام التقدم الحضاري
د, علي بن محمد التويجري
أُشْفِقُ دوماً من حالة الانبهار أو الإعجاب الشديد العاجز، يتطلع به فرد أو أفراد أو أمة متخلفة إلى أمة أو شعب أو دولة متقدمة تضج بالحيوية فتقبل على العلم، وتبحث، وتنتج، وتعتني، وتزداد قوة إلى قوتها في كل يوم,, في الوقت الذي قد يزداد فيه المتخلف المنبهر المفتون تخلفا وديونا وفقرا ومرضا وجهلا، سواء بأسباب منه، أم بأسباب تتعلق بسرعة التقدم ومضمونه لدى الأمم الأخرى,
إن الإعجاب بالتقدم، والقوة، والصحة، والجمال، والغنى، والتعليم المقتدر، والتربية الماضية بشعبها إلى مواقع الحياة الطيبة والاحترام والمهابة,
هذا الإعجاب لايمكن انتزاعه من البشر، فأن يهفو الناس لمثل ذلك فإنها فطرة مودعة، ولعلها من دواعي التقدم وحفظ الحضارات وتداولها في حياة البشرية,
أما الافتتان المؤدي ·للخضوع الحضاري للأقوى والأغنى، والأعلم، فإنه يخلق حالة من التبعية، قد تسلم إلى نوع من التسليم اليائس للأقوى، والعجز لا عن اللحاق به، بل عن مجرد تصور ذلك! كما أنها قد تُجْهز من جانب آخر على دوافع العمل الجاد لإنشاء الحضارة الخاصة بأمة في الوقت الذي تُضَخَّم فيه جانب التقليد الهامشي لمنجزات الحضارة الغالبة المفتتن بها، والانغماس في التحلي ·برتوشها وزخرفتها واستيراد ملحقاتها الافتخارية من: ملبس ْ مأكل ْ مأوى ْ أدوات زينة، دون التغلغل في معرفة جوهر قوتها ومحاولة حيازته,
***
حينئذ يصبح ويمسي المتخلف وهو يُولي قلبه وعقله باتجاه تلك العواصم القوية ويغشاه من الانبهار ما يجعله مشلولا نفسيا يائسا من اللحاق بالمتقدمين, حتى لقد يذهب الظن بهؤلاء أن صُنّاع هذه المدنية,, هم من طينة غير طينة البشر التي نعرف,, وأن هؤلاء المتخلفين ليسوا مؤهلين خُلْقِيّاً أو خِلْقيّاً لمنافسة هؤلاء,
وقد يندفع هؤلاء في مقارنات غير متروية يحكمون بالنتائج ولا ينظرون في الحيثيات,
وقد يحدث أن يعجز شعب ما في ظرف وزمن ما ْ على سبيل المثال ْ عن تنظيم مرفق نقل في قلب مدينة تشبه المدن العصرية، ثم يرى الآخرين وهم يصوبون صواريخهم نحو كوكب بعيد مثل ·نبتون أو ·المريخ ,
يرتحل الصاروخ فيها سنين عددا في أجواز الفضاء فما ينحرف عما وجُه له من غاية وقد يصيبه العطب أثناء مسيرته فيتم إصلاح العطب بالتوجيه عن بعد!!
وقد يخفق شعب في سد العجز في طعامه بينما شعوب أخرى تنتج جبالا من الزبد والحليب، فلا تتمكن من استهلاكها أو المتاجرة بها بسعر مريح، فتعمد لاستخدامها كوقود للمصانع,
حدث هذا ويحدث أكثر منه,
فكيف ينعكس هذا الإخفاق المرهق والنجاح المبين على الشعوب التي لم تسجل أهدافا لفريقها في مرمى التقدم؟
***
إن هذه الشعوب قد تتخافت بينها أو تجهر باليائس من القول، أن تقوم من رقدتها أو أن تلحق بركب المتقدمين,
وقد نلاحظ ثم نستغرب ان تنشأ مثل هذه الأحاسيس وتتضخم في أوساط بعض ·المثقفين و·المتعلمين ثم تمتد عدواها منهم إلى غيرهم من عامة المجتمع بل قد يصيب هذا المرض طبقة المثقفين والمتعلمين في أمة أكثر مما يصيب العامة,
لماذا؟ لأن المثقف يتلقى ويطلع ويتابع فهو أول من يتلقى صدمة التقدم، ولكنه ايضا قد تلتوي به سبل الثقافة وقد يعجز عن تجاوز المظهر إلى الجوهر والفروع إلى الأصول,
فيكون مثل الذي يطالع عن الأمراض وأعراضها وأهوالها وينظر إلى التكاثر المخيف في عالم الميكروبات وتنوعها وكيف ترتع حول الإنسان وفي داخله,, دون أن يعلم مكنون أسرار المقاومة في الجسد البشري، وجهاز المناعة وعلوم الطب والدواء والجراحة ومقاومة الأمراض المعدية, إن النتيجة الغالبة في نفس ذلك المثقف آحادي النظرة والفكر والمعلومة أن ييأس ويمتلىء صدره وعقله بالوساوس وتهاويل أكثر الأمراض إزمانا واستعصاء على الشفاء!
لذا فإن أكداس المعلومات يتضخم بها عقلُ مثل ذلك المثقف قد لا تألوه الا خيالا مريضا فلا تفيده ولا يستفيد منها مجتمعه، وهو الذي أمل من ورائه خيرا, هذا النوع من المثقفين اذا رأيتهم تعجبك حلاوة أحاديثهم وحلو ألسنتهم، فإن أرادت أمة ان تستعين بهم في ازمة او منعطف تاريخي لم تجد وراءهم شيئا ينفع الناس فيمكث في الارض,
إن المثقف لا تكون له رسالة يتمكن من حملها حتى يكون له عاصم من عقيدة ترده عن اليأس وتدفعه للأمل، كعقيدة المريض الواثق من الشفاء بإذن الله,
·وعقيدة الشفاء تجعل للجسد قدرة على تمثل الدواء وهضمه، ودون هذه العقيدة قد يتسرب أثر الدواء كما يتسرب الماء الى المجاري، او كما تنهمر الأمطار على سطح صلد لا ينبت نباتا مما ينفع الناس فيمكث في الأرض,
وتلك هي )الروح المعنوية( او )الثقة( والأمل لا تستغني عنها امة متخلفة تريد ان تتقدم,, او متقدمة تطمع في مزيد وهي التي يقول عنها القادة العسكريون: إنها بالنسبة للسلاح تساوي 3: 1,, أي إن الروح المعنوية تمد الجيوش بثلاثة اضعاف قوة السلاح بين يديها,, وهي التي ربما عناها الكتاب الكريم في معرض التفوق بسبب الصفات التي ترتكز على عقيدة المقاتل: ),,, إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين,,( )65 الأنفال(,, وقد نرى اليوم بين أظهرنا في عالم نعايشه,, أمة من عشرين مليونا تنتج أكثر من أمة اخرى تعدادها مائتا مليون,,
فهي تتفوق على الاخرى الأكثر عددا بالرغبة في الإنتاج والصبر والدقة والابتكار والنفور من الكسل والتواكل وخيانة الإتقان والمواصفات,
ولا عبرة هنا بالتراث النظري المسطور والمذاع او المحفوظ في الخزائن، وإنما بما يقر في القلب ويصدقه العمل, وانها ليست الهياكل الوظيفية التي تحقق التقدم مهما كانت كفاءتها التنظيمية,, بل إنها الروح المسيطرة على الأفراد فيها,, الروح التي تحركها تلك المبادىء, والله الموفق,

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved