| مقـالات
تمت الإشارة في مقال سبق نشره الى اهمية توفر مقومات التكوين والاستمرارية لمشاركة القطاع الخاص في توفير الخدمات المرفقية التعليمية لتأمين احتياجات وزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات ونذكر بايجاز في مقدمة هذا المقال ان برنامج المشاركة سوف يتطلب انفاق ما يزيد على مائة الف مليون ريال خلال العشر السنوات القادمة لبناء ما يقارب عشرين الف مبنى تعليمي للاولاد والبنات, وان ذلك البرنامج ان قدر الله له الاستمرارية سوف يوظف ما يقارب عشرين الف مليون ريال بصفة مستمرة من موجودات القطاع الخاص وبرنامج عملاق بهذا الحجم يلزم له التخطيط والتنفيذ بأسلوب مؤسساتي يتلافى بقدر الامكان إحلال الاجتهادات الشخصية بدلا من التفكير المهني المدروس على كافة الاصعدة الحكومية والتجارية بجميع فئاتها, وقد سبقت محاولات اشراك القطاع الخاص منذ ثماني سنوات حيث تم بناء اربعمائة مدرسة وتميز ذلك بارتفاع الاسعار بالنسبة الى مستوى الخدمة اللازم تقديمها, ولعل اهم ايجابيات تلك التجربة هو ما يمكن استخلاصه من دروس لتلافي تكرار السلبيات عند تنفيذ البرنامج الجديد, وفي هذا المقال سوف نتناول بالتفصيل ما يلزم اتخاذه لتمكين الدولة من توفير المرافق اللازمة بسعر معقول تؤيده معايير اقتصادية واقعية تعكس حقيقة التوازن بين المطلوب والممكن, ان لاسلوب المشاركة بين الدولة والقطاع الخاص سمات مفصلية تصنف الاطراف الفاعلة في هذه المسئولية التعاونية التي يجب على كل طرف منها التعرّف على موقفه والالتزام بمسئولياته في اطار تنسيقي ترعاه الدولة ويساهم القطاع الخاص في تعريف مهماته وتفصيل اساليبه بشكل مجد، فالطرف الحكومي يتكون من فريقين متميزين الفريق الاول هو الفريق التخطيطي والتمويلي ممثلا في وزارتي التخطيط والمالية والاقتصاد الوطني وهاتان الوزارتان معنيتان بتوازن الانفاق على جميع المشاريع الحكومية وتوازن الانفاق مع الدخل الحكومي بحيث يكون عبء الدين الحكومي خاضعا لمعايير التوازن الاقتصادي الوطني الشامل, والفريق الحكومي الآخر هو فريق المستفيدين المباشرين من تلك المرافق وهما وزارة المعارف والرئاسة العامة لمدارس البنات ويقابل هذين الفريقين الحكوميين ثلاثة فرق اساسية متمايزة من القطاع الخاص وهي فريق الممولين وفريق المقاولين وفريق المصنعين وفريق رابع وهو فريق التأمين على مخاطر التشييد, ان مهمة الفريق الحكومي التخطيطي هو حصر حجم المرافق المطلوبة خلال العشر السنوات القادمة على الأقل ويفضل ان يقدر باسلوب تقريبي للعشر السنوات الاخرى اللاحقة إن أمكن ذلك برؤية فعّالة وبالتشاور مع فريقي وزارة المعارف والرئاسة العامة لمدارس البنات لتحديد المعايير الاقتصادية المجدية التي تربط الانفاق بنسبة العائد عليه ومن هذه المعايير تحديد مؤشر للانفاق على الخدمة المرفقية السنوية على كل طالب وهذه خطوة من اهم الخطوات التي لا يجب تجاوزها قبل البدء في التنفيذ وقبل طلب العطاءات, كما ان على وزارة المالية ان توضح للمستثمرين بأنها ملتزمة بصرف الدفعات في موعدها المحدد ويكون ذلك بتحرير سندات صرف تحدد فيها تواريخ الدفعات ومقدارها يمكن تداولها في سوق التمويل في اي وقت بعد اصدارها وهذا بحد ذاته سوف يلغي مخاوف المستثمرين من هاجس تأخر الدفع ومن ثم سوف يخفض الاسعار بفعالية.ويجب مراعاة ان مخاطر التمويل تتأثر تأثراً شديدا بالشفافية المتعلقة بالالتزام ببرنامج صرف المستحقات، فقد تضمحل تلك المخاطر تماما اذا كانت الشفافية مطلقة وقد تزيد توقعات المخاطر بشكل عكسي كبير من نقص الشفافية, ويجب ألا ننسى في هذا الموقف ان الدولة سوف تمول التكاليف المباشرة وتكاليف التمويل وتكاليف تغطية المخاطر المتعلقة بالتمويل وتكاليف تمويل تغطية المخاطر التشييدية فكلما تم تلافي تلك المخاطر او تقليل احتمالات وقوعها فسوف تقل التكاليف بشكل درامي تبعاً لذلك, وقد يكون من المفيد في مرحلة متقدمة من مراحل تنامي المشروع استخلاص مؤشر ربحي تراكمي يعكس تكاليف المشاركة الاستثمارية ومدى تأثرها بعوامل الشفافية وما يلحق بها من تبعات لتطوير اساليب الاداء من قبل الاطراف الرئيسية الفاعلة, عندما تقوم وزارة المالية والاقتصاد الوطني ووزارة التخطيط بتثبيت هاتين الركيزتين بشكل مدروس فان ذلك يعني ان مشروع المشاركة من قبل القطاع الخاص موعود ومبشّر بإمكانية التكوين والاستمرار, اما الجهات المستفيدة من الخدمة المرفقية فان عليها تطوير تصاميمها لتكون اقتصادية بشكل أمثل ونعني بذلك ان تشتمل المرافق على العناصر الاساسية التعليمية فقط مع اتاحة الفرصة مستقبلا للتوسع حينما تكون الظروف تسمح بذلك, وعليها دراسة التوصيف بأسلوب الهندسة القيمية ليتم التنفيذ بشكل متين سهل الصيانة منخفض التكاليف ما امكن لتمكين الصناعة الوطنية بكل فئاتها من التنافس على توفير المطلوب بأسعار سوقية معقولة، وهذا يتم من خلال التشاور والتنسيق بين الادارات الهندسية الموجودة لدى الطرفين بالتعاون والتشاور مع خبراء في تصميم المرافق التعليمية ويجب مراعاة ان هناك مواصفات خاصة للمرافق التعليمية في البلدان المتقدمة اقتصاديا ونحن في الظرف التاريخي التنموي المناسب لتفعيل نظام بنائي للمرافق التعليمية وقد يتصور البعض ان هذا عسير ولكن كاتب هذا المقال يؤكد ان مدة لا تزيد عن اربعة شهور هي كافية لاخراج نظام مواصفات تعليمية الى حيز الوجود مع التركيز على النواحي الاقتصادية, وقد يتساءل القارىء عن مدى التوسع أو التنسيق في مستوى التوصيف؟ والجواب ان معيار التوصيف يعتمد على مدى راحة المبنى للطلبة والمدرسين ومعقولية تكاليفه وسهولة تشغيله وصيانته، فالأبهة المظهرية المعمارية ليست مطلوبة على حساب زيادة الانفاق بشكل غير مبرر وقد ينتج عن المبالغة في التوصيف تجاوز معايير الجدوى ويؤدي الى توقف البرنامج، كما حصل في السابق, اما القطاع الخاص فانه متكيف بطبيعته مع روح المنافسة في مجال تقدير التكاليف المباشرة وغير المباشرة ومنها مدى تقدير تكاليف المخاطر, وعلى القطاع الخاص ان يفتح الحوار امام عناصره الفاعلة في التمويل والتشييد او الصناعة للتحدث بشكل مباشر عن الامكانيات وايجاد فرص العمل لجميع الفئات السوقية سواء كانت كبيرة او صغيرة وايجاد مناخ ايجابي للتنافس وعلى القطاع الخاص ان يدرك انه لن يتمكن من المشاركة بشكل مستمر وفعال ان لم تكن اسعاره تنافسية متوافقة مع امكانيات الانفاق الحكومي لتأمين الخدمة المرفقية طبقا لمعايير جدوى الانفاق المرفقي السنوي على كل طالب, ويجب ادراك ان طرف التمويل الاستثماري هو المركز الذي تتوجه اليه المخاطر فله مخاطر متعلقة بهيئة التعامل مع الطرف الحكومي بعضها يرجع الى شكلية اسلوب التعاقد والى كيفية ادارة العقود بين الطرفين والى كونه الطرف المبادر بتوظيف رأس ماله في تلك العلاقة التعاقدية مقابل ما يلتزم به الطرف الحكومي نظير ذلك, فلتقليل المخاطر من هذا النوع يجب ان تكون العقود توافقية ومرنة بقدر الامكان لا تشتمل على نصوص عقابية على المستثمر مثل نص عقوبة التأخير او ضمان حسن الاداء تقديرا لكونه الطرف السابق في مواجهة المخاطر وسوف يظل في المواجهة عددا من السنين ليتم خلالها التأكد من خلو المبنى من المشاكل الانشائية التي قد يعود سببها الى سوء التنفيذ كما ان المستثمر يواجه خطرا آخر من مقاول التشييد الذي قد لا يلتزم ببرنامج التشييد طبقا للمواصفات او ينجز المشروع خلال فترة عقد الانشاء ويجب ترك الفرصة للمستثمر ليختار المقاول المؤهل الذي تقل معه مخاطر التشييد ومن ثم يكون سعره اكثر تنافسا من مقاول مجهول الاهلية, وقد يكون لشركات التأمين في هذا المجال دور سوقي مهم في تحديد اهلية المقاول حينما تقدر كفاءته في تلافي المخاطر او تقليل آثارها, ولا مانع من ان يكون للطرف الحكومي دور نهائي في قبول المقاول او عدمه او التحفظ عليه مع ترك اكبر قدر من هامش التعامل مع المقاول في يد المستثمر حيث ان المستثمر لا يقامر بمصلحته بالرهان على حصان خاسر, ومن ثم فان ميكانيكية التنافس ستبدأ من المقاول الذي تتبين كفاءته الفنية ومصداقيته السوقية والمالية وقدرته على التحكم في تكاليف التشييد حينما يقدم سعرا منافسا يرضاه المستثمر, وتتبع هذه الخطوة تقدير المستثمر لتكاليف التمويل والمخاطر واضافة هامش سعري الى سعر المقاول ليشمل السعر النهائي المعروض امام الطرف الحكومي الذي يتلقى عروضا مماثلة من مستثمرين آخرين ويتم اختيار اقل الاسعار كأفضل العروض ما لم يكن هناك تحفظ على المقاول من خلال سابق سيرته السوقية وقد تم خلال لقاءات بين بعض اطراف القطاع الخاص واطراف من الجهات الحكومية ذات العلاقة حوار ايجابي مبدئي لتحديد افضل سبل المشاركة وقام المشاركون في الحوار بمناقشة تحليلية لثلاث صيغ تعاقدية هي صيغة عقد الاستصناع وصيغة المشاركة المتناقصة وصيغ الاجارة واتفق المتحاورون ان صيغة المشاركة المتناقصة تقدم اكثر الصيغ التعاقدية مرونةفي كيفية التسعير والدفع ولاشك ان السعر الاجمالي سوف يكون اقل اذا تم تبني الصيغة الاكثر مرونة وهذه الصيغة اسست على اعتبار ان المبنى التعليمي مملوك للحكومة والمستثمر بنسبة مشاركتهما في دفع رأس المال التي تتغير من سنة لاخرى حسب الدفعات الرأسمالية التي تدفعها الحكومة للمستثمر وان المبنى مؤجر على الحكومة بحيث يكون لها نصيب من قيمة الايجار يتناسب مع حصتها في الملكية حتى يتم استكمال دفع رأس المال وهذا الاسلوب في نظر الكاتب يحقق افضل الاساليب حيث يجعل مشاركة المستثمر مشاركة رأسمالية وليست قرضا ماليا والمخاطر الاستثمارية اقل من المخاطر التمويلية الصرفة اذا تمت هيكلتها بموضوعية تؤدي الى خفض تكاليف المشاركة على الطرف الحكومي.وفي ختام هذا المقال فان الكاتب يرى ان اهم معايير تقويم مشاركة القطاع الخاص في توفير الخدمات المرفقية ان تكون تلك المشاركة تساهم ايجابيا بما لا يدع مجالا للشك في تنمية الاقتصاد الوطني بما تتيحه هذه المشاركة من استغلال مدروس للبنية الاقتصادية التي لا تزال قادرة على المساهمة بالرغم من انحسار آثار الطفرة الاقتصادية السابقة, كما يهيىء فرصا استثمارية وصناعية وتجارية لقطاعات عريضة من صغار العناصر السوقية وفرصا وظيفية اضافة الى ما سوف ينتج عن ذلك من تقديم خدمات مرفقية تعليمية اصبح لزاما علينا ان نؤمنها للنشء المتنامي من شباب هذا الوطن ذكورا واناثا بثمن يتوازن مع المعطيات الاقتصادية حاضرا ومستقبلا, وقد اشتمل هذا المقال على مواضيع جزئية يحتاج كل منها الى مناقشة تفصيلية متوسعة ومتعمقة تقع ضمن مجالات الادارة المالية وادارة المشاريع وقد نعود لتناولها مستقبلا بالعرض والتحليل للقارىء المهتم ونرى ان ثقافة مشاركة القطاع العام والخاص لا تزال في طور النمو وتحتاج الى المزيد من الحوار بين المختصين في لقاءات تعقد بين المعنيين ومن خلال ندوات تشارك فيها مؤسسات وافراد من الفئات الفاعلة في القطاعين واذا كان لكل شيء بداية فما احسن ان تكون البداية مدروسة بشكل شفاف لازالة بعض الضبابيات المتواجدة حاليا امام المؤسسات الفاعله لدى كلا الطرفين وليتم الاتفاق على ركائز واضحة لضمان الانطلاق باسلوب منتظم وعدم التوقف او التراجع.**** يحمل عمر العبد الكريم درجة الدكتوراه في الهندسة المدنية من جامعة كاليفورنيا ببيركلي بالولايات المتحدة الامريكية وقد تقاعد مبكرا عن العمل الحكومي بعد انقضاء ثلاثة وثلاثين عاما من الخدمات شغل خلالها عدة مسئوليات من ابرزها العمل استاذا مساعدا بجامعة الملك سعود ومديرا عاما لمكتب مشروع تطوير منطقة قصر الحكم ووكيلا مساعدا لوزارة المعارف للمشاريع والصيانة ثم وكيلا للهيئة الملكية للجبيل وينبع ويضطلع حاليا بادارة مكتب سناد لادارة المشاريع الهندسية.
|
|
|
|
|