| عزيزتـي الجزيرة
رحم الله السيد حسن
هناك جنود مجهولون في كل مجال وفي مجال الثقافة يكثر من يطويهم النسيان مع أنهم كانوا أصحاب أدوار فاعلة ربما لأنهم هم أحيانا لا يعلمون انهم يشاركون في بناء صرح ثقافي
داخل كل من يتعامل معهم إما لبساطتهم ورؤيتهم للأمور على علاتها دونما تفلسف وإما لتواضعهم تواضع العلماء.ومن ساتحدث عنه اليوم هو العم حسن شخص عرفته في بداية
التسعينيات من القرن المنصرم )او الفارط كما يكتب باستمرار استاذنا حماد السالمي( قادني الى حانوته احد الزملاء عندما شكوت إليه حبي للقراءة وضيق ذات اليد والجيب معا رأيته أول ما رأيته في حانوت بقرب مسجد الهادي بالطائف يفترش الأرض بين أكوام من الكتب والمجلات رص بعضها على الجدران وتكوم بعضها على الارض والكتب في كل مجالات المعرفة دونما ترتيب ولكن العم حسن رغم تلك الفوضى الضاربة الأطناب في متجره يعرف موقع كل كتاب ومؤلفه, ولو كان لديك الوقت الكافي فإنه سيشرح كل ما بين دفتي الكتاب وفي الزيارة الأولى لأي مرتاد سوف يوجه سؤالا عن مدى اطلاعك فان كنت مبتدئاً فستجد النظرات والعبرات )وحتى لو لم تكن موجودة لديه ساعتها فانها ستعود إليه وينصحك بالعودة ثقة منه مفرطة ان الكتاب سيعود إليه لأن كل زبائنه على شاكلتي يشترون الكتاب الأول ثم يقايضونه ولا باس من زيادة او نقص في السعر تعود هللاته الى جيب الزبون( اما إن كنت متوسطا فانه ينصحك بقراءة
الروايات المترجمة لانها ستزيد من حصيلتك اللغوية اما الزبائن الدائمون فهم من يسأل عن الدواوين الشعرية من مختلف العصور ومختلف الكتب.
بعد الزيارة الأولى ستصبح مدمناً على التردد على حانوت العم حسن لأنك لن تجد من يشتري منك كتابا او يقايضك كتابا بآخر إلا هو, المكتبات موجودة ولكن أسعارها لا يطيقها الكثير حتى في هذا العصر, اما العم حسن فهو موجود دائما واسعاره في متناول الجميع فالموضوع لا يزيد عن قروش معدودة.
رحم الله العم حسن وغفر له فما من شخص في الطائف ابتلاه الله بحب القراءة إلا وهو من زبائنه.أنا لا أعرف من اسمه غير حسن لأن اسمه الرباعي لم يكن مهماً لي مع انني تعاملت معه لفترة تزيد عن ثلاث سنوات إلا انه لم يخطر ببالي في يوم من الأيام ان أسأله عن اسمه الكامل وبعد ان تركت مقاعد الدراسة واتجهت للعمل وأخذت أجوب المملكة تبعا لعملي وأحيانا خارجها علمت في إحدى السنوات أن العم حسن انتقل الى رحمة الله تعالى فحزنت عليه علم الله وما هذه العجالة إلا وفاء لعلم من أعلام الثقافة في هذا الوطن الغالي الذي من ترابه ستمد الوفاء وهذه تذكرة لمن يعرف الأكثر عن العم حسن.وختاما رحم الله العم حسن رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته فلم يكن الرجل بخيلا على محبي الثقافة ورغم ان بيع الكتب
كان مصدر رزقه إلا انه كان عطوفا متجاوزا يطمح لنشر العلم بين الناس دون التشدد في الماديات, وأدعو الله ان يتجاوز عنه كما كان هو يتجاوز عن الجميع فما كان ليرد أحداً
ولاسيما ان كان يعرفه حتى لو لم يكن يملك المال المحدد لشراء الكتاب.
* وقفة:
رباه كفارتي عن كل معصية إني اتيت وملء النفس إيمان |
ودمتم.
علي محمد علي عطيف الطائف
|
|
|
|
|