| أفاق اسلامية
* حوار:سَلمان العُمري
اكد معالي الامين العام لرابطة العالم الاسلامي الدكتور عبد الله بن صالح العبيد ان الحاجة تدعو الى وجود كيان خيري يجمع المؤسسات الخيرية والاغاثية والاجتماعية
بالمملكة، وذلك لتوحيد الجهود والتنسيق والتنظيم في العمل الخيري.
وقال في حواره مع الجزيرة إن تجارب عشرات السنين لمؤسسات العمل الاجتماعي والخيري وبروز حقول ومجالات جديدة وتحديات كبيرة امام العالم الاسلامي لم تكن معروفة من قبل تؤكد
ضرورة التنسيق من العاملين في حقول الإغاثة.كما تطرق د, العبيد إلى مجالات العمل الخيري في الساحة الاسلامية وبرامج الهيئة المقترحة,, وفيما يلي نص اللقاء:
* المملكة رائدة في العمل الخيري الاسلامي ,, فكيف انطلقت
فكرة هذا العمل في بلادنا المباركة ؟,
الحمد لله والشكر له على ما منّ به من خير وما أفاء به من نعم عظيمة على هذه البلاد العربية السعودية التي تتوجه إليها قلوب المسلمين لما ميزها سبحانه وتعالى عن غيرها من
البلاد فجعلها أرض الحرمين الشريفين، ورزقها من كل الثمرات ووحد قلوب أهلها رعاة ورعية على كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل التعاون منهج أهلها حيث
يقودهم إلى هذا التعاون منهج رشيد يقوم أساساً على التكامل بين الفهم والعمل، وعلى التوازن بين الحقوق والواجبات، وعلى التوسط بين الافراط والتفريط في كل أمر من أمور هذه
الحياة، ولقد وفق الله ولاتها وعلماءها إلى حسن التوجه والتوجيه حتى نما لدى المواطنين الشعور بالمسؤولية في جوانب الخير والبذل والعطاء والتربية والتثقيف والنهوض الاجتماعي لمن يحتاج الى ذلك من المسلمين في أنحاء العالم، وكان نتيجة هذا الشعور الاسلامي النبيل قيام عدد كبير من مؤسسات العمل الخيري والإغاثي إلى جانب المؤسسات الاجتماعية في المملكة التي تعمل على اطعام الجائع وكسوة العاري وتثقيف الجاهل وارشاد الضال وإغاثة الملهوف تحقيقاً
لقول الله عز وجل )ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل عملاً صالحاً وقال إنني من المسلمين(
ومعلوم ان من اوجب الواجبات على المسلم أن يمد يد المساعدة لإخوانه، وان يعمل على جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفهم على الحق والهدى، وأن يتفهم مشكلات إخوانه وآلامهم، ويسهم في
التخفيف عنهم قدر استطاعته، التزاماً بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ) المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً(.ولقد باتت أوضاع المسلمين معروفة لكل مؤمن يهتم بأمر
المسلمين، ويعيش آلامهم، ومازالت هناك شعوب وطوائف تتعرض لحملات منظمة لتحريف الدين وإفساد العقيدة وقطع ما أمر الله به ان يوصل من الوشائج مع أمة الاسلام، وهناك مجاعات
يسببها ظلم الانسان، أو الزلازل والكوارث، ويذهب ضحيتها الملايين من الرجال والنساء الذين لايجدون حيلة ولايهتدون سبيلاً ولا شك أن هذه الأسباب وغيرها تستوجب اهتمام
المسلمين والمؤسسات الإغاثية والخيرية الاجتماعية بالعمل على دعم كل جهد اسلامي مخلص لمواجهة هذه المشكلات والنكبات.
وانطلاقاً من تلك الاوضاع قامت بعض الهيئات والمؤسسات والمنظمات الاسلامية الخيرية شعبية ورسمية في المملكة العربية السعودية لتقديم يد العون والمساعدة لاخوانهم المسلمين بخاصة والانسانية بعامة.
* تعدد مؤسسات العمل الخيري له ايجابيات,, كما له سلبيات,,
فكيف يمكن تلافي سلبيات التعددية في العمل الخيري المؤسساتي ؟,
هذه المنظمات والمؤسسات الخيرية والاغاثية والاجتماعية السعودية المتعددة رغم تشابه رسالتها واهدافها، تعمل في غالب أحوالها وبرامجها في عزلة عن بعضها البعض، وربما
جمعتها ساحة عمل مشتركة في بلاد واحد دون ان يكون بينها اية صلة مع ان جميعها مؤسسات سعودية يجمعها هدف واحد، بل ربما وقع ازدواج فيما تقدمه من خدمات، بينما بلاد أخرى
حرمت من أي نشاط مماثل بسبب غياب تنسيق وتنظيم العمل الخيري فيما بينها وقد أثبتت تجربة العمل الاغاثي السعودي المشترك من خلال اللجنة السعودية المشتركة لإغاثة شعب كوسوفا وفي مخيمات اللاجئين الشيشان أهمية التنسيق بين المؤسسات الخيرية والهيئات الاجتماعية السعودية وأكدت الحاجة الى هذا التنسيق على كافة مستويات العمل الخيري, ومن أجل تجاوز هذه المشكلات فإن هناك مقترحات من اجل تنسيق انشطة المؤسسات الاجتماعية والخيرية والاغاثية السعودية من
خلال هيئة او مجلس يشمل جميع مؤسسات العمل الخيري في المملكة العربية السعودية الذي يقدم للخارج.
* هل تعتقدون أن التنسيق بين المؤسسات الخيرية صار ضرورة ذات أولوية في ساحات العمل الإسلامي؟,
إن تجارب عشرات السنين لمؤسسات العمل الاجتماعي والخيري في المملكة وبروز حقول ومجالات جديدة وظهور تحديات كبيرة امام العالم الاسلامي لم تكن معروفة من قبل، قد التقت كلها
لتؤكد ضرورة التنسيق بين جهود العاملين في حقول الاغاثة والعون لمنع الازدواجية في العمل حتى يكون أكثر بركة وجدوى، وحتى تصل فوائده لاكبر دائرة ممكنة من ساحة العمل
الاسلامي وكذلك لايجاد تصورات موحدة ازاء القضايا الاسلامية واحتياجات المسلمين واوضاع الأقليات الاسلامية في العالم ، تقوم على معلومات صحيحة وتخطيط موحد والتزام بروح الاسلام، ولاشك أن حوادث الاعوام القليلة الماضية على الساحة الدولية قد فتحت مجالات جديدة أخرى جعلت الحاجة إلى التنسيق أكثر ضرورة وأشد الحاحاً فانهيار الفكرة الشيوعية ومؤسساتها وحكومتها قبل حوالي عشر سنوات قد أوجد فراغاً سياسيا وفكرياً شاملاً في رقعة واسعة من العالم، وأعتق شعوباً إسلامية كثيرة طال عليها الكبت والاضطهاد، وطال بها الشوق لاستئناف الروابط العقيدية والتاريخية والاجتماعية التي تربطها بالشعوب الاسلامية.
وكان من النتائج المباشرة لانهيار الكتلة الشيوعية بروز ما يعرف بالنظام العالمي الجديد وفكرة العولمة ونظامها المتفرع في مجالات الثقافة والاقتصاد والعلوم والسياسة وغيرها، وهو نظام يرتكز على قوة دولية واحدة تملك كل اسباب السيطرة المادية والعلمية والعسكرية والسياسية، ولاشك أن العالم الاسلامي بما هو عليه من الضعف والفرقة والتخلف سيتأثر مباشرة بهذا النظام الجديد ويخضع للقواعد التي يرسمها اصحابه ولو بنسب متفاوته، وهذه الحقيقة يمكن ان تؤثر سلبياً في مساعي المسلمين نحو التعاون والتكافل والوحدة والتنمية والتكامل الاقتصادي، كما تؤثر في مصير قضايانا الجوهرية كقضية فلسطين، وقضايا المسلمين في
البلقان وكشمير وغيرها، بل ان ذلك قد يؤثر سلباً على العمل الاجتماعي الاسلامي وأعمال الإغاثة الخيرية في الخارج.
* دعوتم في بعض كلماتكم لإنشاء هيئة تنسيق بين المؤسسات الخيرية فما هي أبرز مبررات هذه الدعوة الطيبة ؟.
إن ما يبرر الدعوة لإنشاء هيئة التنسيق جهود العمل الإغاثي والخيري والاجتماعي في المملكة ما لوحظ من قيام مؤسسات اسلامية نشطة تفتتح المكاتب في الخارج وتنشئ المدارس
والمعاهد، وتطبع الكتب على نطاق واسع، وتوزع المعونات، وقد بذلت جهداً جباراً في تحريك ضمائر المواطنين القادرين ليقدموا بعض مالهم لاخوانهم المعوزين من ضحايا الكوارث أو
السياسة، وكل ذلك يسجل لهذا النفر المؤمن بالتقدير والاعزاز، غير ان تجربة هذا العمل على أهميته وجلال قدره قد أوضحت حقائق كبيرة كانت محل المراجعة والدرس واعادة النظر، ومن هذه الحقائق ان الأعمال لاتزال فردية محدودة الأثر، وأنها لم تستطع تحريك الجمهور الواسع من المسلمين ليتفاعل معها ويلقى ضالته فيها، وإن كثيراً من الجهود تهدر بسبب الخلافات المذهبية والفكرية والحزبية في كثير من البلدان الاسلامية ومواقع الأقليات الاسلامية المحتاجة
للعمل الخيري بالاضافة الى تضارب المناهج وازدواجية العمل، وان قوى كثيرة لاتزال معطلة بسبب الشكوك والاوهام وتقديم الاسلام في بعض الحالات وكأنه صنو للعنف والتطرف، وعدو
للتقدم والاستقرار.هذه العناصر وغيرها كثير لابد ان تعالج من خلال تصور مشترك ندعو للمشاركة في صياغته هذا النفر الكريم من قادة المؤسسات والمنظمات الاسلامية الرسمية والشعبية في المملكة العربية السعودية بهدف إيجاد كيان موحد يعلو فوق الاجتهادات الفردية والجهود الأحادية، كيان يضم الجميع ويهيئ لهم المناخ المحايد، والمعلومات الصحيحة، حتى
يجتمعوا ويتشاوروا ويتبادلوا التجارب ويحموا المسيرة الخيرية والاغاثية من الخلل والاضطراب.
إن الحاجة تدعو إلى وجود كيان خيري يهدف إلى جميع الأنشطة القائمة وما يتطلبه العمل الإغاثي من تنمية وتطوير ، وبذا فهي ليست مؤسسة تنافس غيرها في ميادين عملها وساحات
نشاطها، ولاشك ان التصور الكامل لتشكيل هذه الهيئة أو المجلس يحتاج إلى بلورة أكثر بعد تحديد مجالات عمل هذه الهيئة او ذلك المجلس .
ولكي تنجح الهيئة في مهمتها بتوفيق الله عز وجل لابد أن يتوفر لها جماعة من الخبراء والدراسين المتخصصين في ميادين العمل الخيري والاغاثي والاجتماعي حسب ظروف المجتمعات الاسلامية، ولابد أن تكون لها أجهزة فنية تمكنها من الاتصال وتحصيل المعلومات والاحصاءات حتى تصنفها وتحدد
النتائج التي تترتب عليها، لكي تأتي خطة العمل في مجالات العمل الخيري السعودي قائمة على التصور الصحيح للحاجات ولابد قبل ذلك من أن يصدر التنظيم الخاص بها من الجهات
المعنية في الدولة التي تأخذ بعين الاعتبار المواقف الدينية والسياسية والانسانية وتوفر الامكانيات المادية والمعنوية وسرعة اتخاذ القرار
*ماهي مجالات العمل الخيري ذات الأولوية في الساحة الإسلامية؟.
تتعدد وجوه العمل الخيري ومجالاته بتعدد احتياجات الإنسان ويمكن ان تندرج ضمن تلك المجالات القضايا التالية:
أولاً: الاصلاح الاجتماعي:
في مجال الاصلاح الاجتماعي وهو أحد جوانب العمل الخيري اثبتت التجارب أن النجاح رهن بتدريب المصلحين الاجتماعيين وفق منهاج واحد، يقوم على كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وينفتح على تحديات العصر ومشكلاته، وفهم الحاجات الحقيقية للشعوب الاسلامية بما
يلزم ذلك من المدارس ومراكز التدريب في اطار التنمية الاجتماعية التي تقضي على التنافر والاختلافات بحيث تقوم على النهج القويم الذي يجمع ولايفرق، ويوحد ولايمزق، التزاما بالوصية الربانية الرشيدة )وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون(.
ثانياً: العمل الإغاثي:
تدل الاحصاءات على ان اكبر نسبة من الفقراء والمعوزين تعيش في العالم الاسلامي نتيجة للعوامل السياسية، والحروب الداخلية، والجفاف والتصحر والذي قد يستغل من قبل جهات
أخرى للانحرافات العقدية والفكرية والسلوكية، والذي ينبغي أن تعطى عناية خاصة لهذا الميدان لالانقاذ اطفال المسلمين ونسائهم من الجوع والمرض فحسب، ولكن لانقاذهم من الكفر
والالحاد الذي تمارسه دول منظمات غنية وقادرة، ومع مايلاحظ في ازدياد النشاط الاغاثي الاسلامي واتساع مداه في المملكة العربية السعودية، بفضل الله عز وجل ثم بدعم الحكومة
والجهات المسؤولة بنشاط المنظمات المتخصصة والقائمين باخلاص عليها والشباب المتحمس للعمل في هذا الحقل غير انه لوحظت أمور سلبية منها احجام بعض الشركات التجارية الكبيرة
عن دعم هذا النشاط بالقدر الكافي وضعف الحماس الذي يستقبل به اثرياء المسلمين هذا النشاط المهم وبخاصة من تلك الاموال التي تستثمر خارج المملكة.
ثالثاً القضايا الاسلامية:
هناك مناطق كثيرة يمتحن فيها الإسلام والمسلمون امتحاناً قاسياً فهناك قضية فلسطين والبلقان وكشمير والصومال وافغانستان وغيرها ومع ان هناك جهوداً تذكر وتشكر في تقديم العون في هذه القضايا، على المستوى السياسي والمالي، إلا ان هذه الجهود يمكن ان تؤدي إلى نتائج اكبر إذا بنيت على معلومات صحيحة ، وتقديرات جيدة وتخطيط موحد، وهذا الميدان وغيره يوضح أهمية انشاء مراكز للمعلومات والدراسات تتبع الهيئة المقترحة وتضخ منه تصورات موحدة عن هذه القضايا حتى يكون التحرك فيها محكوماً باتجاه واحد.
* ماهي الأولويات في هيئة تنسيق العمل الخيري المتقدمة؟.
من المهام الأولى للهيئة لاسيما وأن العمل يمر في مرحلة تشهد تغيرات عميقة واسعة ويقف على مفترق طرق يضع قادة العمل الخيري والخبراء الاجتماعيين في المملكة بشكل خاص أمام محاور كثيرة، أن تدرس تلك المتغيرات بعناية فائقة وان تضع لها الخطط المقابلة وتحديد أولويات العمل الإسلامي الخيري والاجتماعي والانساني في الساحة الدولية ومن تلك
الأولويات:
* دراسة دوافع الحملات الإعلامية والعملية ضد المسلمين في مناطق المجابهة.
* اختيار انسب الخطط الملائمة لكل حالة وتحديد وسائلها
وحشد الجهود الرسمية والشعبية والسعي لايجاد الانسجام بينها ليتكامل عملها وتتحمل مسؤوليتها.
*التمييز الواعي بين الفئات المقابلة والتعرف على الجهات التي تعادي الاسلام عن جهل أو عن عمد.
* تحديد عناصر الخطاب الإسلامي الملائمة في هذه المرحلة المنطلقة من مفاهيم دين يدعو للعدل والسلام.
إن استقراء ما يقدم في الجوانب والمجالات التي تعتبر مقاصد لأشكال العمل الاسلامي الخيري يؤكد ان تنسيق هذه الجهود اصبح مطلباً عاماً ينبغي أن تلتزم به كل المؤسسات الاجتماعية والخيرية الاسلامية في المملكة.
* إذا كانت ثمة أعمال عاجلة في برنامج الهيئة المقترحة فما هي مجالات هذه الأعمال؟,
1 دراسة الوسائل والامكانات التي تساعد على تشجيع التكافل بين افراد المجتمع المسلم.
2 بحث ودراسة المشكلات التي تواجه المؤسسات الاسلامية الاغاثية واقتراح الحلول الملائمة لها.
3 متابعة ودراسة احوال الاقليات الاسلامية ودعمها استرشاداً بما يتوفر وما يتم اعداده من دراسات ومن تقارير.
4 تعزيز الجهود المبذولة للتعريف بالإسلام وتصحيح صورته لدى بعض الشعوب وتحقيق التضامن بين المسلمين في مختلف بلاد العالم.
5 متابعة وتوجيه المساعدات التي تقدم الى الشعوب الاسلامية
في حالات الكوارث والنكبات العامة ومن بينها المنح الدراسية والمعلمين وانشاء المدارس والمراكز.
6 توفير الدراسات والمعلومات والاحصاءات التي يمكن الاستفادة منها في أعمال الهيئة.
7 ايجاد مصادر دخل ثابتة سواء عن طريق الوقف أو ايجاد منشآت صناعية وزراعية وخلافها.
|
|
|
|
|