| مقـالات
العاطفة الدينية لدى الحكام من آل سعود متوقدة في قلوبهم، لأن دولتهم من أول عهدها، قامت على التوحيد واحياء السنة، نصرة لدين الله، ورغبة في إزالة شبهات المغرضين، وكلمات
الملك عبدالعزيز رحمه الله وأعماله، ثم ابناؤه من بعده شاهد على الصدق في القول، والحرص على العمل، بنية وإخلاص، وفي كل يوم يأتي مصداق ذلك من المتابعين للأعمال، السائرين
مع الاحداث، السابرين لغورها.ففي يوم الجمعة 21/10/1420ه جاء في الجزيرة تصريح خاص
للأمين العام المساعد لمنظمة المؤتمر الإسلامي عبدالعزيز ابوغوش في القاهرة مما جاء فيه: ان دور المملكة العربية السعودية لخدمة المسلمين، دور ضخم ورائد، منذ عهد الملك عبدالعزيز غفر الله له مشيرا الى ان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وولي عهده سمو الامير عبدالله بن عبدالعزيز يواصلان هذا الدور الرائد في كافة القضايا الاسلامية.
وقد كانت اول زيارة من الملك عبدالعزيز للمدينة المنورة عام 1345ه، حيث قام بالنظر في إدارة الحرم والأوقاف رحمه الله ورأى في نظامها سلبيات تراكمت عبر السنوات، التي سبقت تأسيس الدولة السعودية، مما دفعه لتشكيل لجنة لدراسة امور ادارة الحرم النبوي والاوقاف بدقة فأبقى من يحتاجهم العمل، واعفى الباقين عن العمل، وخصص لهم رواتب، وأعطيات سنوية تساعدهم على العيش بكرامة )أم القرى 4 جمادى الآخرة عام 1345ه(.
كما أمر بإجراء اصلاحات وترميمات الملك عبدالعزيز رحمه الله في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدأ العمل فيها من عام 1348ه وحتى عام 1354ه، ومن ذلك: إصلاح ارضية الاروقة المحيطة بالصحن، واصلاح بعض الأعمدة، التي بالأروقة، حين ظهر بها تصدع، خشي من جرائه سقوط هذه الأعمدة التي كانت بالجهتين الشرقية والغربية وكان ذلك في عام 1350ه، وتمثل الاصلاح في احاطة الأعمدة المتصدعة بأطواق من الحديد، وكذلك أجريت ترميمات للارضيات والأروقة والمآذن والمداخل )الحرمان الشريفان التوسعة والخدمات ص 107(.
يقول محمد صالح البليهشي في كتابه: )المدينة اليوم( ان العمارة العثمانية الأخيرة لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بها السلطان عبدالحميد عام 1265ه وانتهت عام 1277ه، حيث بلغت التوسعة 1293م 2 ، ومع تزايد اعداد المسلمين الذين يقصدون الديار المقدسة للحج والعمرة والزيارة صار الحرم النبوي الشريف يضيق عن استيعاب عشرات الآلاف من المصلين، يضاف الى ذلك ما لوحظ من تصدع في بعض اجزاء البناء ولا سيما في الجهة الشمالية من ذلك لأن
المسجد بقي على حاله تقريبا منذ توسعة وعمارة السلطان عبدالحميد.
ولهذا في عام 1368ه أذاع الملك عبدالعزيز رحمه الله مؤسس المملكة وملكها، بيانا الى العالم الاسلامي واعلن عن عزمه تنفيذ مشروع التوسعة للحرمين الشريفين، بدءا بالحرم النبوي الشريف في المدينة المنورة، ورغبة في ان يتم التنفيذ، على أتم ما ينبغي تكاملا وإتقانا، فقد اجريت دراسات دقيقة واسعة، شملت كل كبيرة وصغيرة في المشروع، ووضعت الخطط للتنفيذ، ورصدت الاموال اللازمة، وبدئ التنفيذ الفعلي في 5 شوال عام 1370ه، وقد استهدفت المرحلة الأولى من المشروع القيام بأعمال الهدم اللازمة للأبنية والدور المحيطة بالمسجد، والتي تقرر شمولها في التوسعة، ونقل الانقاض منها، مع البدء في حفر الاساسات اللازمة للمشروع.وفي ربيع الاول من عام 1372ه احتفل بوضع حجر الأساس في المشروع في حفل كبير حضره ممثلون عن مختلف لدول الاسلامية، والعربية وعشرات الألوف من ابناء البلاد.
وبدأ العمل بعد ذلك بسرعة ونشاط يقوم به 14 مهندسا و400 من الفنيين و1600 من العمال المهرة.وقد أبقى المشروع على جانب من عمارة السلطان عبدالحميد، وتناولت التوسعة المنطقة الشمالية من المسجد، وكذا الجهتين الشرقية والغربية واستخدم في البناء الاسمنت )والمزايكو(
الذي انشيء لإنتاجه مصنع خاص وقد حرص المشروع على تحقيق التكامل، والانسجام ما بين التوسعة الجديدة والمباني القديمة التي تقرر الابقاء عليها، ولذلك بلغ مجموع التوسعة السعودية )16326( مترا مسطحا وهي اضخم توسعة واكبر توسعة، تناولت المسجد منذ انشائه الى اليوم، وقد بلغت تكاليف المشروع حوالي سبعين مليون ريال سعودي )ص41(وفي كتاب المدينة المنورة في القرن الرابع عشر الهجري لأحمد سعيد بن مسلم اجمل ذلك وقال وفي ربيع الأول 1373ه، وضعت أحجار اربعة في احدى زوايا الجدار الغربي، وفي اوائل عام 1375ه اتمت التوسعة السعودية الأولى ذات الطابع الأبيض، الذي يميزها عن عمارة السطان عبدالحميد ذات الطابع الاحمر.لكنه لم ينوه عن هذه الاحجار الاربعة، ومن وضعها وما كتب عليها، والحقيقة انها تعتبر تذكارا للبناء في وضع الاساس، والذي وضعها الملك سعود رحمه الله وقد كتب عليها التاريخ
واسم الملك سعود، وهي بلون مغاير للاحجار التي بني بها المسجد، ولا تزال ماثلة للعيان حتى اليوم تنبئ عن هذا الحدث المهم في تاريخ الإسلام والمسلمين، وبمثل مقالته هذه ذكر محمد محمود سيدي في كتابه: )الحرمان الشريفان بين الماضي والحاضر ص 74(.
ثم بدأ المؤلف في وصف المبنى المتمثل في عدد المآذن، والنوافذ والعقود، والبوايك والأعمدة والأبواب، ومسمياتها وعمق اساسات الجدران والأعمدة، وطول الجدران، وختم ذلك
بقوله: حيث بلغت التوسعة مساحة قدرها 82000م 2 وهي أكبر توسعة شهدتها المدينة عبر تاريخها الطويل )2224(.ولما كان اكثر الذين كتبوا حديثا عن المدينة، وتوسعة مسجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينقلون ضمن مصادرهم عن كتاب: فصول من تاريخ المدينة لعلي حافظ، فإنه في كتابه هذا قد تحدث عن البداية، وجعل جريدتهم المدينة ذات دور ريادي
في هذا المشروع، ومهد لذلك بقوله: وشعر الناس بضيق في المسجد النبوي، ولا سيما ايام لمواسم: تحدثوا عن توسعته من العهد العثماني، وفي حوالي عام 1365ه لوحظ تصدع في بعض
العقود الشمالية، وتفتت في بعض حجارة الاعمدة، في تلك الجهة بشكل يلفت النظر.ثم بيّن دور جريدة المدينة في التوسعة السعودية فقال: وقد نشرت جريدة المدينة المنورة في عددها الصادر برقم 297يوم 6 شعبان 1368ه في الافتتاحية التماسا فيها من جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله لتوسعة المسجد النبوي لضيقه فتلقت البشرى من جلالته، بالموافقة، ونشر ذلك في العدد 301 ليوم 9/5/1368ه ومما جاء في تلك الافتتاحية: فإلى حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك المعظم عبدالعزيز آل سعود نرفع رجاءنا وضراعتنا ملتمسين التكرم بتوسعة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليضم الى حسناته هذه الحسنة الكبرى، التي لا يمكن ان تقدر بثمن ما، والمسجد النبوي قابل للتوسعة من الجهة الشمالية ، حيث يجري ضم الشرشورة، خرابات الاوقاف والطريق اليه، كما انه يمكن توسعته من الجهة الغربية، بضم المدرسة المحمودية، وعمارة العين الزرقاء، وخرابة الاوقاف اليه ويقدر ما يضم للمسجد من هاتين لجهتين بنصف او ثلث المسجد الحالي تقريبا.
ولقي هذا الاقتراح استجابة من الملك عبدالعزيز، وترحيبا بالفكرة، فصدر امره بأنه سينظر في امر التوسعة بعد الموسم، لأن وقت موسم الحج لا يساعد على درس مثل هذا المشروع العظيم، وبلّغ وكيل امير المدينة ذلك، لأصحاب المدينة، وقال في هذا: وما ان وصلت الجريدة الى يد جلالته حتى اصدر ارادته الكريمة برقم 27/4/2/ 1378/ تاريخ 12/8/1368ه، بأن جلالته اطلع على ملتمسنا المنشور في العدد 297 من الجريدة وان جلالته، سينظر في امر توسعة المسجد لنبوي الشريف بعد الموسم إن شاء الله.
وقد اخذت الدراسة مكانها في المشروع، ثم صدر امر جلالة الملك عبدالعزيز على المعلم محمد بن لادن، باجراء العمارة، والتوسعة لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصرف ما يحتاجه لمشروع من نفقات دون قيد او شرط، مع توسيع الطرق التي حول المسجد.
وانتظم العمل من 5 شوال سنة 1370ه حتى النهاية في عام 1375ه بجد واجتهاد,, فكانت العمارة قوية جميلة رائعة بالاسمنت المسلح والمزايكو حيث اسس له مصنع في آبار علي يديره مهندسون إيطاليون لأنه خارج الحرم، وقال: ان اضخم واعظم عمارة وتوسعة، هي توسعة الملك عبدالعزيز، وعمارته هذه مع عمارة السلطان عبدالحميد موجودتان تتحدثان عن نفسهما، تحتل العمارة المجيدية القسم القبلي للمسجد النبوي، وتحتل العمارة السعودية القسم الشمالي منه.
وعن التكاليف المالية يقول: وفي حديث لمدير عام مكتب توسعة الحرم النبوي الشيخ محمد صالح قزاز: ان الذي صرف على عمارة وتوسعة المسجد النبوي هو 30 مليونا من الريالات، وكان
حديثه والعمارة على وشك الانتهاء، وان ما صرف على التعويضات لنزع ملكيات الدور، ولاحداث الشوارع الجديدة حول المسجد النبوي نحو 40 مليون ريال سعودي )لراغب التفاصيل الرجوع لهذا الكتاب ص 77 ص 95(.
وذكر الدكتور عبدالباسط بدر في كتابه التاريخ الشامل للمدينة: بان زوبعة عاطفية اثارتها الصحف المصرية في عام 1368ه بها مبالغات وانفعالات عن تلك التشققات التي ظهرت في
بعض اعمدة الجانب الشمالي من المسجد، مع انها صغيرة وجمعت التبرعات، فلما علم الملك عبدالعزيز بتلك الضجة الإعلامية ابرق الى رئيس الوزراء المصري طالبا وقف تلك الضجة ورد
التبرعات الى اصحابها، واعلامه بأنه سيقوم بإعمار المسجد النبوي من ماله الخاص, )يراجع بتوسع هذا الكتاب 3:228 232(.
ويشيد محمد صالح البليهشي في كتابه المدينة,, اليوم بالملك فيصل والملك خالد رحمهما الله ودورهما في التوسعة حيث يقول: ومن الاعمال الخالدة لجلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز
رحمه الله، مشروع التوسعة التوسعية الجديدة الثانية للمسجد النبوي الشريف حيث تم هدم وإزالة الاماكن الواقعة قرب المسجد النبوي الشريف، وغطيت بالبواكي، وجعلت مصلى
لاستيعاب المواطنين وحجاج بيت الله الحرام، الزائرين المسجد، وقد بلغت المساحة التي تم الانتهاء منها في المرحلة الاولى 35 ألف متر مربع، وجرت بعد ذلك المرحلة الثانية ايضا الناحية الغربية، وتم نزع ما عليها، وبلغت المساحة هذه 5550 مترا مربعا، وكانت المرحلة الثالثة التي اوصلت البواكي الى المناخة، وبلغت مساحتها 43 ألف متر مسطح، وهذه تمت في عهد الملك خالد، رحمه الله.
والمسجد النبوي الشريف في عمارته السعودية والعثمانية له عشرة ابواب من كافة جهاته الغربية والشمالية، والشرقية، اما جهته الجنوبية، فليس بها أبواب,, وقد نسقت التوسعة من الجهة الغربية، وزادت في مساحة المسجد النبوي الشريف، وظللت بمظلات مؤقته، وسوف يبدأ في عمارة هذه التوسعة وسيجعل لها ابواب من جميع الجهات: الجنوبية والغربية والشمالية.
والى جانب المظلات في الشمال الغربي منها، أوجدت المراحيض للوضوء للنساء والرجال، )ص4142(, وقد تعرض احمد ياسين احمد الخياري في كتابه تاريخ معالم المدينة المنورة قديما وحديثا، لموضوع هذه التوسعة ولفت النظر الى امور تبعت التوسعة منها: مكتبة الحرم النبوي الشريف التي انشأها هو بنفسه في العهد السعودي السعيد في عام 1357ه وجعل نواتها الاولى، مكتبة والده الشيخ ياسين الخياري، وقد تولاها بعد منشئها وستضم جميع مكتبات المدينة المنورة وتجمع في مكتبة واحدة بموجب المرسوم الملكي الكريم الذي جاء فيه:1 تبنى مكتبة جديدة في لجانب القبلي للحرم المدني على الطراز الحديث بحيث تستوعب موجودات كل المكاتب الموجودة في المدينة المنورة، وتكون وقفا من اوقاف الحرم.
2 تنقل موجودات المكاتب الموجودة في المدينة المنورة الى المبنى الجديد، وتحتفظ كل مكتبة اسمها داخل المبنى المذكور، وتتبع مديرية الاوقاف العامة للاشراف والمحافظة.
3 تنزع ملكية الاماكن اللازمة لبناء هذه المكتبة، ويعوض اصحابها من خزينتنا الخاصة.
4 تسمى هذه المكتبة مكتبة المدينة المنورة.5 على رئيس مجلس الوزراء انفاذ امرنا هذا إبلاغه لمن يلزم والسلام,, والتوقيع الملكي الكريم: سعود.وذكر ان الملك سعود رحمه الله اهتمامه، ولما رأى من اهتمام والده الملك عبدالعزيز رحمه الله، قد شارك في بناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين: الاولى في شهر ربيع الاول عام 1372ه زار المدينة المنورة الملك سعود يرحمه الله وكان اذ ذاك وليا للعهد وفي حفل كبير رائع، وضع -يرحمه الله- الحجر الاساسي للمسجد,, وفي 11 شعبان عام 1372ه, بدئ في حفر الأساسات في المسجد النبوي الشريف، وفي
24 رمضان عام 1372ه بدئ في بناء العمارة الشريفة الجديدة,, وحينما تبوأ الملك سعود الحكم، أحبّ ان يطلع على سير العمارة بنفسه، فزار المدينة، في 16 ربيع الاول عام 1373ه
وسرّه سير العمل، وأبي إلا أن يباشر بعض أعمال البناء بنفسه ليحظى بشرف الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين: مرة لدى عمارته، والاخرى لدى توسعته.
ثم بعد ذلك اورد احصائيات ومعلومات عن العمل والمعدات التي احضرت وغير هذا من تعريفات بما انجز ونوعه وعدده )لراغب التوسع والفائدة يراجع كتابه هذا ص 7783(.
وقد جاء في كلمة الملك سعود في حفل وضع الحجر الاساس للتوسعة قوله: انني احمد الله تعالى الذي وفقّ مولاي صاحب الجلالة ملك المملكة العربية السعودية وخادم الحرمين لاصلاح وعمارة المسجد النبوي الكريم وتوسعته اذ أمر وزير المالية عبدالله السليمان بتنفيذه على نفقة جلالته.
كما كتب على الاحجار الاربعة التي وضعها الملك سعود في الجدار الغربي: بنى بيده هذه الاحجار الاربعة جلالة الملك سعود تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم وذلك في شهر ربيع الأول عام 1373ه )الحرمان الشريفان ص 109 111( وسيكون لنا حديث في التوسعة التاريخية الكبرى في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله,.حماية قبر رسول الله في عام 557ه عمل الملك نور الدين الشهير محمود زنكي خندقا حول الحجرة النبوية مملوءا بالرصاص كما جاء في كتاب الوفاء، بأخبار بلد المصطفى، وذلك ان النصارى دعتهم انفسهم الى أمر عظيم ظنوا انه يتم لهم، فقد كان السلطان يتهجد ويورد في الليل فلما انتهى نام فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه وهو يشير الى رجلين اشقرين، ويقول انجدني انقذني من هذين فاستيقط فزعا وصلى ثم نام فرأى في المنام بعينه، فاستيقط وتوضأ وصلى ثم نام، فرأى ذلك مرة ثالثة،
فاستيقظ وقال: لم يبق نوم، وكان له وزير من الصالحين، يقال له: جمال الدين الموصلي فأرسل اليه ليلا، وحكى له جميع ما اتفق له,.
فقال: وما قعودك، اخرج الآن الى المدينة واكتم ما رأيت، فتجهز في بقية ليلته، وخرج على رواحل خفيفة في نفر قليل من حاشيته ومعه الوزير، ومال كثير، فقدم المدينة في ستة عشر يوما فاغتسل خارجها ودخل فصلى في الروضة وزار ثم جلس لا يدري ماذا يصنع, فقال الوزير، وقد اجتمع اهل المدينة في المسجد، ان السلطان قصد زيارة المسجد والسلام على رسول الله وصاحبيه، وقد احضر معه اموالا لتوزيعها، فاكتبوا من عندكم، فكتبوا أهل المدينة كلهم وامر السلطان بحضورهم وكل من حضر ليأخذ يتأمله، ليجد فيه الصفة فيعطيه ويأمره بالانصراف الى ان انقضت الناس, فقال السلطان: هل بقي أحد لم يأخذ شيئا من الصدقة، قالوا: لا، فقال: تفكروا وتأملوا فقالوا: لم يبق أحد إلا رجلين مغربيين، لا يتناولان من أحد شيئاً، وهما صالحان غنيان، يكثران الصدقة، على المحتاجين، فلما سمعه السلطان انشرح دره، وقال: عليّ بهما، فأتي بهما، فرآهما الرجلين اللذين اشار النبي صلى الله عليه وسلم اليهما، بقوله: انجدني انقذني من هذين.فقال لهما: من اين اتيتما؟ فقالا: من بلاد المغرب جئنا حاجين فاخترنا المجاورة في هذا المقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أصدقاني فصمما على ذلك، فقال اين منزلهما، فأخبرا بأنهما في رباط بقرب الحجرة الشريفة النبوية، فأمسكهما وحضر الى منزلهما فرأى فيه مالا كثيرا، وختمين وكتبا في الرقائق، ولم ير فيه شيئا غير ذلك، فأثنى عليهما اهل المدينة بخير كثير وقالوا: انهما صائمان الدهر ملازمان الصلوات في الروضة الشريفة، وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وزيارة البقيع كل بكرة، وزيارة قباء كل سبت، ولا يردان سائلا قط، بحيث سدا غلة أهل المدينة في هذا العام المجدب، فقال السلطان: سبحان الله ولم يظهر له شيء مما رآه، وبقي السلطان يطوف في البيت بنفسه، فرفع حصيرا فيه
فرأى سردابا محفوراً ينتهي إلى صوب الحجرة النبوية فارتاعت الناس لذلك,وقال السلطان عند ذلك اصدقاني حالكما, وضربهما ضرباً شديدا فاعترفا بأنهما نصرانيان، بعثهما ملوك النصارى
في زي حجاج المغاربة، وأوفدوهما بأموال عظيمة، وامروهما بالوصول الى الخباب الشريف، وان يفعلا به ما زينه لهما ابليس من النقل وما يترتب عليه، واعترفا بعملهما وما يقومان به، وامر بضرب رقابهما، ثم امر باحضار رصاص عظيم وحفر خندقا عظيما الى الماء حول الحجرة كلها واذيب الرصاص ومليء به الخندق فصار حول الحجرة )8788(.
|
|
|
|
|