| مقـالات
نحن الآن في موسم عظيم ونعيش أيام عيد كريم ففي يوم عرفة يقف مئات الآلاف من المسلمين داعين مهللين مكبرين، وبعد ذلك يبهج ويبتهج العالم الإسلامي كله بالعيد السعيد فتنحر الأضاحي وتقدم الصدقات والهبات والاعطيات ويتزاور الأهل والجيران والأصدقاء والأصفياء والخلان ويلبس المسلمون الجديد والجميل وتفرح النفوس وتبتسم الشفاه ويحيي المسلم أخاه، والعيد بمنظور إسلامي رشيد ذكريات عذبة متجددة وأوقات سرور وحبور متبادلة وأيامه ايام سعيدة فاضلة وفرص ثمينة سانحة وأسواق رابحة يستثمر المسلم فيها قوته ووقته وطاقته وماله ومواهبه أمثل وأنبل استثمار, فيها تستريح وتستروح النفوس والأبدان تستريح من مشاكل ومشاغل الحياة، وترتفع النفوس الكبيرة الى آفاق رحبة وتعلو الهمم وتبحث عن القمم وتعلو الى أكرم الخصال وأطيب الفعال، يزحزح النفوس العيد من حال الى حال من حال الولع والهلع بالحطام الفاني والتنافس على الحقير الى آفاق واسعة ويزحزح الناس أيضا فيها كثيرا من هموم الدنيا )وما أكثرها وأحقرها( ومتاعبها وكبدها وكدها ونكدها، وللعيد عند المسلمين فرحة وبهجة بما يعطيه للقلوب المؤمنة من أنس وفرحة، وما يحققه للنفوس من سعادة وبهجة وانشراح، في العيد يقبل المسلم بقلبه وقالبه نحو إخوانه المسلمين.وفي ذلك تجديد وتمجيد للرابطة الإسلامية )أقوى وأمتن الروابط الإنسانية فتكون الصلاة أقوى ما تكون حبا وصفاء ووفاءً من إخاء، وفي العيدين تذكير قوي بالأقارب والجيران والضعفاء والعاجزين وأهل الفقر والحاجة بوجه عام، والى هذا المغزى الكريم والعظيم تشير صدقة الفطر في رمضان ونحر الأضاحي والهدايا في عيد الأضحي، وفي ذلك إشعار للنفوس وبالتواصل والفرحة والبهجة والبسمة في وجوه اخوانهم المسلمين وتلمس حاجتهم والعيش معهم في سرائهم وضرائهم فالمسلم الحق ليس عبدا لذاته ولا لشهواته وملذاته ومطلوبات جسده الفاني، وفي العيد وما يسن ويندب فيه للحاج وغيره إطلاق للمشاعر الحية النقية وانعتاق من رق الرغبات والمشتهيات وإطلاق للأيدي الخيرة، فلا تطلع شمس العيد في أوطان المسلمين إلا والفرحة والبسمة تعلوان نفوس وشفاه الناس أجمعين، إذاً العيد في أوطان المسلمين يتميز بصفات وسمات وعلامات لا توجد لدى غيرهم من امم الأرض والذين يحتفلون بأعياد كثيرة ولكن هل لها من المغزى والمقصد الحي البهي ما لأعياد المسلمين ذات التفوق والتألق الاجتماعي والإنساني والعيد لدى المسلمين مظهر بين لجميع هذه المعاني الكريمة المرادة لخير امة اخرجت للناس، والمجتمع السعيد والمتماسك حقا هو المجتمع المسلم الذي تسمو أخلاقه الاجتماعية في العيد وترتفع الى آفاق رحبة وكريمة فتشمل الفرحة والغبطة كل فرد وكل بيت وكل أسرة قريبة ام بعيدة نسبا ودارا أما عكس ذلك فليس من صفات الإسلام ولا من طباع المسلمين.والمجتمع المسلم حقاً هو ذلك المجتمع الذي دعا إليه الإسلام ورغب فيه والذي يبدو في العيد حيا بهيا متعاونا متراصا متراحما متألقا الى أرفع مقام وأعلى ذروة، ويمتد شعوره الإسلامي الى أبعد مدى هكذا كان المسلمون قبلا ولا بد أن يكونوا كذلك الى ان يرث الله الأرض ومن عليها أما الحال المؤسفة التي عليها بعض المسلمين من حب للنفس وانكفاء على الذات وتكالب وتطاحن على الشهوات والملذات والمغريات وتبلد الشعور وضعف العاطفة، لا يخفق قلب الواحد منهم حقيقة بالحب والبر والود لإخوانه المسلمين، ولا يذكر ولا يتذكر مصاعب ومصائب إخوانه المسلمين ولا يعيش معهم في افراحهم وأتراحهم لا يرفع رأسا بما ينزل بأمة محمد صلى الله عليه وسلم من إحن ومحن وكوارث ونكبات وبليات ولا يشك أحد أن في بلاد المسلمين خيراً كثيراً ولكن ذلك يعتبر قليلا بالنسبة الى ما ينبغي فعله تجاه إخواننا المسلمين.فنحن وفي كثير من ديار الإسلام نرى البعض يسرف كثيرا في سكنه ومأكله وملبسه ومركبه في الحضر والسفر أما مناسبات البعض منا وما يقيمه أحيانا من ولائم فالحديث فيها يطول وعولج على أكثر من صعيد ولكن ما زال البعض في إسرافه وعدم تقيده بالمعقول والمقبول والمسلم يأخذ من العيد الإسلامي ومغزاه درسا بليغا ومصلا واقيا فينظر في نفسه وبيته وأهله ومجتمعه المسلم بمنظور إسلامي رشيد دقيق هل قام حقا بما ينبغي له؛ هل تفقد من حوله وأقرب الناس إليه؟ هل نظر بحق في البيوت الضعيفة والمستورة والتي يحسب الجاهل أهلها أغنياء من التعفف حيث تأبى عليهم كرامتهم ومروءتهم وتربيتهم المثلى أن يتعرضوا لذل السؤال.إن أمثال هؤلاء كثير حيث يمر العيد عليهم دون ان يتفطن لهم إلا ما ندر وقد يكون من أقرب الناس منا دارا أو جدارا أو صهرا ونسبا أو معرفة وليس هذا الوضع غير السليم إسلاميا من المجتمع المسلم حقيقة في شيء ويوم كانت أمتنا واعية مدركة كان الواحد منهم يفكر في أخيه المسلم في جاره في قريبه في صديقه ورفيقه قبل ان يفكر في نفسه كانوا بحق رحماء كرماء وهكذا وصفهم القرآن وأثنى عليهم رب العالمين، وهذا هو التعبير الصادق عن سمو الأخلاق في العيد، هذا هو التعبير الواضح عن تلاحم الأمة وتعاضدها، فهل ياترى نحن المسلمين نفكر ونتذكر ولو على الأقل في أعيادنا مصائب ومصائر إخواننا المسلمين هل ظهرنا في أعيادنا الإسلامية بمظهر الأمة المدركة حقا والتي تربت على مائدة القرآن ونهلت من معين محمد صلى الله عليه وسلم، أغلب الظن أن أعيادنا الآن نسخة مكررة للأعياد السابقة فهي عند البعض هداهم الله لهو وعبث وأكل وشرب واهتمامات صغيرة وحقيرة كأن أمتهم لا تحتاج إليهم لا تحتاج الى عطفهم ورفدهم وشفقتهم وبرهم وإحسانهم، والمسلم الحق لا بد ان يشعر بالإخاء قويا وفاعلا في دنيا المسلمين فيبحث جادا ويتحدث قاصدا في حاجات وقضايا إخوانه المسلمين ليظهر منا ما يدل على عنايتنا واهتمامنا بمن حولنا من المسلمين، والمسلم الحق وهو يعيش فرحة العيد ويستمتع بالحلال الطيب يضيف الى ذلك استعداده لكي يفرج كربة مسلم ويساعد محتاجا ويغيث ملهوفا ويشرح صدره بما يملك من مال أوجاه أو كلمة طيبة، بفعل المعروف والبر والإحسان ما استطاع الى ذلك سبيلا.هذا هو العيد الصحيح عند المسلمين، لا عيد الآخرين الذين لا همَّ لهم سوى همِّ البهائم والسوائم، أيها المسلم، كن واعياً وفطناً ومدركاً لمن حولك ثم تذكر وأنت ترفل بالنعم إخوانك الذين مسَّهم الضر، إخوانك في بلاد الله الواسعة التي تفيض بالآلام والأسقام وجور الإنسان.أيها المسلم، في هذه الديار الطيبة التي حباها الله بنعم كثيرة وخيرات وفيرة تميزت بها، إن الواقع المعاش الآن في بلادكم لو قيل ذلك للأجيال السابقة لحسبوه محالاً أو خيالاً أو أحلاماً طائرة ورؤى بعيدة المنال، فما كان خيالاً بالأمس أصبح حقيقة هذا اليوم، بل وتحقق خير منه ,,أو لم نمكن لهم حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم - الآية بلد مطمئن آمن تجبى إليه ثمرات كل شيء، نعيم مادي ملموس ونعيم نفسي محسوس، نعم تلبى جميع المطالب والرغائب، وبجانب ذلك الرضا وهذا الأمن والرخاء ظلٌ ظليل تستروحه النفوس الآمنة المطمئنة الصادقة الواعية الواثقة التي لم يدنسها الهوى أو العمى أو لم يستخفها شياطين الانس والجن، والذين كثيراً ما يستخفونها إلى هاجرة الشك والحيرة والقلق، الحيرة في التيه المظلم المعتم بلا دليل تعزُّ فيه الرؤية الصحيحة والصفقة الربيحة، فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، هذا ولقد استجاب الله دعوة خليله ابراهيم، رب اجعل هذا البلد آمناً وارزق أهله من الثمرات, فالبلد بحمد الله آمن، ومن يأوي إليه آمن غير خائف، والمخافة خارج حدوده, لقد كفل الله لجيرة هذا البيت الأمن والسلامة ورغد العيش وطيب الحياة، أصبح بحمد الله لأهل هذه البلاد ميزة ظاهرة فتحت أمامهم أبواب الرزق السعيد تحت ظل المنهج الاسلامي الذي تضع سورة العصر أسسه وقواعده وتحت تلك الراية الايمانية التي تتفيؤونها، فقد تعانقت بحمد الله قوة الروح والأخلاق والدين والقيم الايمانية الأصيلة والأدوات المادية والخيرات الارضية الكثيرة,, أقول: لقد تعاونت وتعانقت كل هذه القوى الكريمة بعد الله في انشاء وحماية هذا الكيان الكريم )المملكة العربية السعودية(، وهو دور كمالي متميز لم يحلم الإنسان قبلاً بأبهى ولا أرقى منه ولم يكن هذا إلا بتوفيق الله وعونه,, ان الغيرة على الإسلام والمسلمين تقتضي الالتفاف حول جماعة المسلمين وإمامهم تأكيداً لمعنى الإخاء الاسلامي المراد، الذي يربط الأمة بقادتها البررة وعلمائها المخلصين والمسلم الصادق مع نفسه ومع غيره حين يستجيب هذه الاستجابة يدخل في عالم كله نقاء وصفاء وطهر، كله سلم وسلام، كله ثقة واطمئنان ورضا واستقرار، لا حيرة ولا قلق ولا شرود ولا ضلال,, سلام مع النفس والضمير ومع العقل والمنطق، سلام يرف في حنايا السريرة يظلل الحياة ويعلم مكاسب بلاده وتميزها وتفردها، فلا تتفرق به السبل ولا تتعدد به الطرق، ولا يطارده فكر من هنا وهوى من هناك يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم يا أيها الذين آمنوا ادخلو في السلم كافة إنه الاستسلام الذي لا تبقى معه ناشزة، من تصور أو شعور، استسلام الطاعة الواثقة الذي يحمي من الهوى والهوس المحموم المجنون المتلبس أحياناً بما يخدع ولا ينفع ، والعقيدة الصافية تسكب في صاحبها السلام والوئام، وحب بلاده وولاة أمره وعلماء أمته ويشيع فيمن حوله الأنس والأمن والأمان والرفق والحب والسلام، وينفي عنه القلق والسخط والقنوط ولا يتعسف الطريق ولا يركب الصعب، فهو بحمد الله يعيش في بلد سالم آمن غانم ترفرف عليه بحمد الله أجنحة السلم والطهر والأمان، مجتمع بحمد الله يحكمه التشريع الرباني، لا يساء فيه إلى أحد، ولا يتسور على أحد بيته، ولا يذهب فيه دم هدراً، والقصاص حاضر، وهو مجتمع بحمد الله أفسح أفقاً وأكبر نفساً، لأنه موصول بالله، يريد الحسنة في الدنيا ولكنه لا ينسى نصيبه في الآخرة وفق التصور الهادئ المتزن الذي ينشئه الاسلام.
|
|
|
|
|