عزيزتي الجزيرة
لاأظن أن أحداً يرغب ببقاء الأوراق تتكدس على مكتبه، ولا في محفظته، بل تراه يتعاهدها بين فترة وأخرى ليرمي ما لا حاجة له به، وربما نقل معلومات في أوراق متعددة الى ورقة واحدة، ودليل هاتفه تراه بين حين وآخر، يجدده فيسقط الأرقام التي لم يعد بحاجة إليها ويضيف الجديدة، فترى عند الواحد منا أكثر من مفكرة، والمعتمد عليه الأخيرة,, كما أن الحاسوب يحتاج أيضاً الى إلقاء بعض ما فيه في سلة المهملات، بل أحياناً يصل الأمر إلى حذف كافة البرامج حتى المشغلة منها وإعادة تحميلها من جديد، والإنسان أيضاً بحاجة بعد أشواط مرهقة من العمل الى الراحة والاستجمام وإلقاء العناء ليعود نشيطا كما بدأ أول مرة، وازدحام الذهن بالأفكار بحاجة الى خلوة أوطريق في الصحراء ليصفو، وهكذا , وإلى مثل ما سبق تحتاج لوائح وأنظمة أكثر دوائرنا الحكومية وما يتبع لها، فهي بحاجة الى غربلة وإلقاء المهمل منها في سلة المهملات، وما يبقى ينظم، ويعطى العاملون عليه دورات, وأسوأ لوائحنا مع الاعتذار تلك التي تكون أموراً كلية ويترك لجهة ما في الوزارة تفسيرها، فتفسر وتفسر وتفسر.
أي لائحة هذه التي تحتاج إلى تفسير، وأكثر من مرة ؟! إذا لم تكن مفسرة واضحة بادئ ذي بدء، فلسنا بحاجة إليها، لأننا في غنىً عن مضيعة الوقت ووجع الرأس وفلسفة هذا وذاك، ولو نظر مثلا المسؤولون عن نظام التعليم العالي الماجستير والدكتوراه لعلموا أي خير رفعوا، وأي شر وضعوا، الأول خير بالنسبة للثاني، لا لأن الثاني لا خير فيه، ولكن لأنه لم يكن واضحاً دقيقاً، فحاصت الجامعات فيه، وأصبحت لا تدري ماذا تفعل، فمرّة النظام كذا، ومرة النظام كذا، وحقيقة النظام في رأس هذا المسؤول، وفي كل حين هناك قرار، وكثير منها لم يعمل به إلا بعد اعتراض الطلبة، ولو عُمل مسح على هذا النظام في الجامعات لظهرت نتائج أعجب من العجب، لا من حيث ما سيُسمع من الضحك والبكاء فقط، بل من تفاوت الجامعات في تطبيق ما طبق منه، هذا إضافة إلى أنه مكلف مادياً وبحاجة الى خبرات بشرية: إدارية وتعليمية، ومن دون ذلك لايمكن أن يطبق بشكل صحيح، علماً بأن الدراسة تعطلت في بعض الجامعات بسببه وتضرر كثير من المبتعثين خاصة, وإذا أردت أن تعجب فاعجب من كثرة مايطلب منك إذا أردت استخراج شئ ما، حتى أنك أحياناً تذهب للعمدة، عمدة لاتعرف من هو، ولا يعرف من أنت ولا من أين جئت، المهم أن يختم لك، وأنت لاتدري لماذا ولاتجد من يفسر لك ! وبطاقة الأحوال وماأدراك ما بطاقة الأحوال، لكي تستخرجها تعرض نفسك للإصابة بالحول، واذا وصلت الى النهاية تجد أمامك آلة تصوير أشبه ماتكون وكأنها من العصر البرونزي، مكانها في المتحف، وأنصح من يريد أن يصور بها من أجل الحصول على البطاقة أن يتأكد من هيئته وجلسته، ويجب ألا يتحرك وألا ترمش عيناه أو تتحرك شفتاه، لأن التصوير لن يعاد حتى وإن كان وجهه في قفاه، وأجمل مافي هذه البطاقة شريطها الأسود، لأن معلوماته جدُّ سرية، فلا يمكن لأحد ولا بأعقد الأجهزة أن يطلع عليها، ويمكنك أن تستخرج معلومة منها إذا أمكنك اصطياد سمكة بالدهناء, تعقيد كثير من يراه يظن أن وراءه عظيم: دقة وانضباط وأمن، والله أعلم بالسرائر, أراد شخص اعرفه معرفة تامة أن يغلق مؤسسة له، فطلبت منه وزارة التجارة، ضمن ماطلبت، خطاباً من مكتب الاستقدام يبين فيه انه لاتوجد لديه عمالة، وكان قد سفرهم جميعاً فذهب وهو مطمئن ظاناً انه إجراء روتيني، ولكن كانت المفاجأة حينما نظر الموظف في الحاسوب، وقال له: عندك خمسة فلان وفلان,,, وفلانة خادمة! فقال له: كلهم سفّرتهم قال: لا,قال: هذه الأوراق التي تثبت ذلك, قال: أنه موضوعك أولاً في الجوازات, فلما ذهب إلى الجوازات قالوا له: ليس عندنا ولكن عند جوازات المطار،فذهب إلى جوازات المطار، وبعد أخذ ورد ونفاد حيلة وصبر، وجد أن بعضهم أُخرجوا بأرقام غير التي سجلوا بها، وبعضهم لم يُشر أصلا الى خروجهم، أصلح الوضع أخيرا، لكن بعد ماذا، والسؤال: لماذا كل ذلك؟ ضرورة أمنية لابأس، وهنا أقول للجهات المسؤولة: يجب الاعتماد على الحاسوب لمعرفة عدد العمالة لدينا، وأقول لكل من لديه مكفول، ألا يرمي أوراق المغادرة والأوراق التي يأخذها مكتب العمل أو الاستقدام لاستخراج (فيزا) بديلة يجب تصويرها, بعض من أعرفهم أيضاً سافر سائقه الهندي بتأشيرة خروج وعودة، والمفاجأة حينما عاد، فالاسم سائقه، لكن الرجل مختلف، المهم اخذه للشرطة، فقالوا: نحن لا دخل لنا! هذا رجل دخل البلاد بطريقة غير شرعية, قالوا: أوراقه صحيحة! قال: ولكن دخل بطريقة غير شرعية, قالوا: اذهب به الى جوازات المطار! تصوروا لو لم يذهب به وأبقاه عنده ككثير من السائقين الذين هم على شاكلته! المهم في جوازات المطار فتحوا له ملفاً وسفروه ! وإلى الآن لاأدري ماالحاجة إلى فتح الملف، ربما روتين وربما ضرورة أمنية.
شيء آخر، ألا وهو بُعد واضع اللائحة عن مسرح الحدث في بعض الأحيان فيضع لائحة ربما تكون بعيدة عن الواقع ، إما لأنها لا تناسب الإمكانيات المادية، أولأنها لاتناسب الإمكانيات البشرية أو لأسباب أخرى كثيرة لا داعي للحصر هنا ما العيب أن تكون اللائحة بداية مقترحة غير إلزامية، تجرب، وتؤخذ الآراء، ثم تعدل، على أن تكون بعد ذلك واضحة كل الوضوح؟ ولكي تكتمل التجربة تطرح اللائحة في الصحف للنقاش، ووالله ستكون أنقى وأحلى من ثوب العروس، أما هكذا ننام على لائحة ونصحو على أخرى، لهذه الوزارة أولتلك، فأمر لايتناسب مع العصر، كما أن التكاليف المادية من جرّاء التعديلات، والنسف أحياناً، باهظة، وليس الوقت وقت أموال ترمى هناوهناك, كما أن الروتين الزائد بداعي ضبط هذا وذاك، وجعل الأمور تحت اليد، أثبت عدم جدواه، والثابت أنه كلما قلّت الأوراق، والجهات المسؤولة، كانت الرؤية أوضح، والسلام عليكم ورحمة الله.
خالد بن محمد التويجري