لا تتاح لي فرصة كبيرة لمشاهدة التلفزيون وإذا شاهدته لا أشاهده إلا في أوقات محددة لا تسمح لي بتكوين رأي أو صورة عما يجري، وبالصدفة شاهدت قبل أيام البرنامج الرياضي الذي تبثه إحدى القنوات تحت اسم ما إلك إلا هيفاء وفوجئت الحقيقة بطبيعة وهدف هذا البرنامج كنت في الماضي أسمع بهذا البرنامج وقد شاهدت من قبل أجزاء بسيطة منه ولكن ما شاهدته قبل عدة أيام والطريقة التي كانت هيفاء تلبس بها ملابسها الرياضية!! أصابني بحيرة كبيرة كيف تستقبل العائلات العربية المحترمة هذا البرنامج في بيوتها، لا احتاج أن أصف لكم اللباس الذي تلبسه تلك المرأة لأنه لا يوجد شيء يمكن أن أصفه إلا إذا وضعت على عيوني مجهرا.
هذا العمل وأعمال كثيرة تبثها بعض القنوات الفضائية لا تقوم على فن أو تسلية أو حتى تقليد للغرب لاشك أن هناك أهدافا أخرى فلا يوجد عمل بلا أهداف، كل مؤسسة في الدنيا يسندها نوع من الالتزام تجاه الأخلاق العامة تفرضها طبيعة القائمين عليها، حتى في اوساط المجرمين العتاة تنشأ تقاليد شرف تتصل بالخلق الكريم فالإنسان مهما تدنى يبقى فيه شيء من الروح البناءة تجعله يتصل بالعالم الذي حوله بشيء من الاحترام والتقدير فالمرء مهما سمح له ان يفعل ما يشاء لا يمكن ان يفعل ما يشاء بسهولة فالقيم متبادلة بين المجتمع والفرد وليست القيم السائدة إلا ترجمة للقيم الفردية.
كثير من القراء ذهبوا إلى أوروبا وأمريكا وشاهدوا الحرية ضمن تقاليدها العريقة ورغم التباين الثقافي بيننا وبين الغرب إلا أننا لا نشاهد هذه الطريقة التي يبث بها هذا البرنامج إلا في قنوات معينة تهدف إلى هذا، لا يمكن الوصول إليها إلا باشتراك خاص بحيث يتعمد المرء ان يشاهدها، وبذلك يكون هو مسؤولا عما يجري لنفسه وبيته، فالإنسان لأنه يسير وفقا لقيم يعرف كيف وإلى أين يذهب ويعرف أين يأخذ نفسه أو عائلته ولا يمكن أن يجد ما يفرض عليه فالحياة في الغرب اختيار.
وبإمكان أي إنسان أن يفتح على القنوات الأوروبية الموجهة للعائلات ليلاحظ أن الإعلام يسير على أساس اتفاق بين عادات الناس وقيمهم وبين البرامج التي تبثها هذه القنوات، مع وجود تقييس دقيق للمشاهد وللغة وللعنف والوقت الذي يبث فيه هذا البرنامج أو ذاك للتفريق بين الصغير والكبير ومراعاة حساسية الناس الأخلاقية.
أما عندما تشاهد هذا البرنامج في القنوات العربية تتأكد بأنك أمام فراغ ثقافي وأخلاقي فلن تعرف أبداً أي القيم والمعايير الاخلاقية التي تتحرك هذه البرامج في اطارها.
في كل صناعة في العالم وعلى رأسها صناعة الإعلام هناك أنظمة وقوانين يعززها ميثاق شرف يلتزم به كل المعنيين، يقوم هذا الميثاق على وضع الحدود القصوى التي يمكن أن يصل إليها الإعلام وحجم الجرعات التي تستطيع الأسرة أن تمتصها وتقبل بها لأطفالها فالأعمال الإعلامية حتى في أقصى حدودها الترفيهية تبقى جزءاً من التربية والبناء الثقافي.
الحقيقة المشكلة مزدوجة فالمطالبة بالمنع يعني دعما لانياب الماضي، فقد تعود الإنسان العربي أن المنع أو الحجب هو في الواقع مصادرة لحقه في الاختيار وهذه حقيقة لا يمكن القفز عليها، لأن كمية الممنوعات غير المبررة تفوق مليون مرة كمية المسموحات، ولكن بالنظر البسيط إلى ما يريده الناس يمكن بسهولة وضع حد لمثل هذه التجاوزات المدمرة للأخلاق وبنية الأسرة الكريمة فهؤلاء في تلك القنوات يراهنون أولا وأخيرا على المشاهد السعودي لسببين الأول انه يمثل أكبر شريحة اقتصادية تزودهم بالإعلان والثاني الفراغ الفني والترفيهي الذي تعيشه عائلاتنا فحدودية فرص الترفيه والمتع الفنية سهّل لهؤلاء الدخول تحت هذا الستار، والجنس كما يعرف في كل مكان هو أرخص وأحط وسيلة للترفيه.
ونحن في المملكة أعطينا هؤلاء الفرص لاقتحام مثلنا وقيمنا العائلية وبفلوسنا، فنحن المستهدفون ونحن في الوقت نفسه نسدد الفاتورة.
عندما تخرج اليوم وغدا أين تذهب؟ أين تأخذ أطفالك بعد الزيارات العائلية؟ ما هي فرص الترفيه لك ولزوجتك ولأطفالك؟ ستدور وتدور في الشوارع الفاضية ثم تعود إلى البيت وستكون هيفاء في انتظارك، فمواجهة هيفاء ليس بالاحتجاج على صفحات الجرائد، الناس في حاجة لترفيه وإلى جرعات فن حقيقية وصادقة وتتسم بالأخلاق الكريمة والأهم أن هذه الجرعات تقع تحت السيطرة، وسبق أن قلت أن أحد الحلول لمثل هذه الفوضى هو وجود صالات سينما لعرض الأفلام العالمية الراقية فمثل هذه الصناعة تكون دائما راقية وتحت السيطرة فنحن الذين نختار الفيلم ونحن الذين نعرضه، ويعزز هذا بتشجيع المسرح الوطني وتكوين فرق مسرحية فالمسرح له ألف وظيفة ووظيفة فهو أولا أرقى أنواع الترفيه العائلي ويعرف ذلك كله من زار مصر وحضر بعض المسرحيات وفي الوقت نفسه هو مصنع الممثلين والمخرجين والكوادر الفنية المختلفة مما يعزز قدراتنا على الإنتاج التلفزيوني ومنافسة هؤلاء.
لمراسلة الكاتب
yara2222*hotmail.com