Wednesday 15th March,2000 G No.10030الطبعة الاولى الاربعاء 9 ,ذو الحجة 1420 العدد 10030



العولمة من وجهة نظر أمريكية (5/5)
النموذج الجاهز والممكن للتطبيق!
علي حسين شبكشي

على الرغم من ان الهيمنة والسبق العالمي للولايات المتحدة لايمكن ان يخلو من نقاط تشابه مع سائر القوى الاخرى التي مارست علاقات هيمنة وسيطرة على مناطق من العالم، فإن الامر الاكثر اهمية هو نقاط الخلاف بينهما,, إن طبيعة تلك النقاط تتجاوز الحدود الإقليمية حيث ان قوة الولايات المتحدة الكونية لها مضمونها الخاص الذي يميزها وهي إنها قوة تعكس الخبرة الامريكية في الداخل ولا سيما قيم التعددية السياسية والاجتماعية التي يتحلي بها المجتمع الامريكي وانعكاس ذلك على المناطق الواقعة تحت هيمنة الولايات المتحدة .
وإذا جاز لنا تسمية الوضع العالمي للولايات المتحدة بانه إمبراطورية,, فإن الامبراطوريات التي سبقتها كانت قائمة على اساس النخب الساسية الارستقراطية وكانت عملية الحكم الاستعماري تتم في معظمها بالوكالة عبر نظم وطنية سلطوية ومستبدة,, كما ان بعض الشعوب التي وقعت تحت الاستعمار الاوروبي لم يكن لديها الحس الوطني الواعي,, وكانت شعوبها في حالة اشبة بالغفلة وعدم الاكتراث بل إن من مفكريها من كان يؤمن بمسئولية الرجل الابيض وبالرسالة الحضارية للاستعمار.
النمط الأمريكي ليس كذلك,, ولم يكن يقدم تلك الأطروحات بدليل أن شعوب العالم كانت تؤيد التدخل الأمريكي في الحرب العالمية الثانية بسبب التأثير الفاجع للهجوم الذي شنه اليابانيون على بيرل هربور .
وكان التدخل الأمريكي في الحرب العالمية الثانية مقبولاً وليس مستهجناً ولكن لم يستمر الأمر على هذا النحو بعد نهاية الحرب الباردة حيث لم يقابل أي تدخل للولايات المتحدة في شئون العالم كقوة عالمية بالترحاب الذي كان يحدث عندما تدخلت امريكا في مسار الحرب العالمية الثانية.
كان ذلك دافعاً للامريكيين لإعادة النظر مرة أخرى في حدود دورهم وذلك عندما بدأت دعوات عالمية في المناداة بإعادة تعريف المسئولية الامريكية تجاه العالم .
وقد أوضحت معظم استطلاعات الرأي العام التي أجريت خلال عامي 1995 1996م تفضيل الرأي العام الأمريكي أن تشارك الولايات المتحدة قوتها مع الآخرين لا أن تستأثر واشنطن بها وحدها على مستوى العالم.
وبسبب تلك العوامل الداخلية أكدت الآلة السياسية الأمريكية على مبادئ التعاون مثلما حدث في الحرب العالمية الثانية بين الأمريكيين والحلفاء الى أن كتب الانتصار على ألمانيا وإيطاليا واليابان ومن بعدها الاتحاد السوفيتي في المقعدين الاخيرين.
وبفضل الرأي العام الأمريكي أن تسيطر واشنطن على العالم بشكل غير مباشر على أساس استعمال النخب الموجودة في دول العالم الخارجي التي للولايات المتحدة مصالح فيها,, وفي نفس الوقت الترويج لتبني النظام الديمقراطي والمؤسس الأمريكي.
وقد ساهم كذلك في تشكيل نمط هيمنة أمريكا على العالم باعتبارها قوة عالمية وصارت تلك الهيمنة مستندة على نظم الاتصالات العالمية ونشر الثقافة الأمريكية والتكنولوجيا وقبل ذلك القدرة العسكرية للأمريكيين على التدخل السريع.
ويعتبر الشق الثقافي للهيمنة الأمريكية على العالم من الجوانب التي يجدر التوقف عندها وتسليط الضوء عليها فالثقافة الأمريكية القائمة على التعدد تحظى بقدر كبير من الجاذبية لا سيما في أعين الشباب بكل جوانبها وملامحها وبما تشكله من نمط حياة (أمريكي) يلقى قبولاً ومؤيدين من مختلف بقاع الأراضي .
يكفي أن نعلم أن ثلاثة أرباع البرامج المرئية المباعة في أسواق العالم مصدرة من الولايات المتحدة وكذلك الموسيقى الأمريكية وفنون الغناء لا تقل في تأثيرها عن المواد المرئية,, سنجد تلك الهيمنة الأمريكية على العقول والأذواق غالبة في كل شيء,, في عادات الطعام,, والتقاليع الأمريكية في مجالات الأزياء والموضة وأنماط علاقات البشر بعضهم ببعض.
سنجد ان لغة الإنترنت هي الإنجليزية /الأمريكية بمفرداتها المستحدثة,, ومن الشركات الأمريكية خرجت إلى العالم معظم برامج الكمبيوتر,
صارت امريكا مصدر كل من يريد البحث عن التعليم المتطور,, ففي أمريكا يدرس نحو نصف مليون طالب علم من مختلف أنحاء العالم منهم عديدون لا يفضلون العودة إلى بلادهم بعد أن أتموا تعليمهم فيالولايات المتحدة .
خريجو الجامعات الأمريكية ستجدهم أعضاء في أية حكومة في كل قارات العالم,.
صارت الديمقراطية بتطبيقاتها الأمريكية,, وصار نظام الإدارة ونموذج الحكم في الولايات المتحدة هو النموذج المفضل لدى عديد من قادة العالم.
لم يكن جون كيندي الرئيس الأمريكي الوسيم هو الزعيم الأمريكي الوحيد الذي سعى الكثيرون لمحاكاته,, بل حتى في الوقت الراهن هناك مسئولون أمريكيون يراهم الكثيرون على انهم حالة تستحق الدراسة والمحاكاة والتحليل.
إن نظرة فاحصة لحركة الزعماء السياسين خلال العقد الأخير من القرن العشرين مثل رئيس وزراء اليابان ريوتلروها شيموتو ورئيس وزراء بريطانيا توني بلير ستوضح كيف صار كلا الرجلين من المولعين بالنموذج الأمريكي للزعامة السياسية وبخاصة نموذج الرئيس كلينتون وأسلوبه في جذب عقول ومشاعر الأمريكيين الذين أطلقوا عليه لقب بيل للتدليل,, كيف لم يستكبر هذا الرئيس الأمريكي على العزف لمدة ساعة كاملة على شاشات التلفزيون الأمريكي على آلة الساكس التي يجيد اللعب عليها إرضاءً لمشاعر الشعب الأمريكي في أعقاب كل الفضائح الجنسية له ومغامراته الشقية,, على هذا النمط صار رئيس وزراء بريطانيا يدلل بلقب توني والياباني بلقب ريتو ولم يعد من قبيل المحرمات الزج بحياتهم وعلاقاتهم الخاصة إلى الصفحات الأولى.
الدستور الأمريكي المكتوب صار هو الآخر بطلاً بحيث أصبح الهدف الذي يسعى لتحقيقه كل راغب عن الحريات السياسية في وطنه وكذلك السعى الى إقامة نظام مستقل للقضاء.
لقد صار هذا النموذج الأمريكي في الحكم شكلاً ومضموناً هو الشرط الملزم سياسياً واقتصادياً لكل راغب في عضوية حلف شمال الأطلنطي والذي صارت أنماط العلاقات المدنية والعسكرية للولايات المتحدة له من العوامل المؤثرة على أدائه الى حد كبير.
ومثلما صارت ديمقراطية أمريكا هي النموذج المرغوب الوصول اليه ومحاكاته صار نمط المشروعات وأداء رجال الأعمال الأمريكيين هو النموذج الاقتصادي الأمثل لمعظم رجال الأعمال في العالم وهو ما يؤكد النموذج الأمريكي من مبادئ تجارة حرة على مستوى العالم ومنافسة حرة لايعوقها عائق وغير ذلك من قيم الثقافة الاقتصادية والتجارية الأمريكية.
وحتى في اليابان بدأت الروح الفردية تسيطر على حركة اداء رجال الأعمال وأصحاب المشروعات هناك وهو النمط الذي تمتد أصوله للولايات المتحدة .
إن انتشار محاكاة النموذج الأمريكي في كل شيء,, في الثقافة والسياسة,, في الاقتصاد والتجارة,, في التعليم,, في العسكرية ما هو إلا برهان صادق على مدى هيمنة الولايات المتحدة كقوة عالمية,, هيمنة ليست على العقول فقط بل على الأرض والعقول معاً.
وكان حلف شمال الأطلنطي هو الجسر الجيد الذي عبرت عليه الثقافة الأمريكية والنموذج الأمريكي الى أوروبا وبفضل ذلك صارت أمريكا هي اللاعب الرئيسي في الشئون الأوروبية,, وبفضل هذا الدور الأمريكي بقي الغرب محصناً ضد أية تدخلات سلبية من قوى أخرى في العالم وصارت الولايات المتحدة هي الطرف القوي في كل المنظمات الإقليمية الغربية وكذلك المنظمات الدولية المتعددة الأطراف مثلما الولايات المتحدة قوية في محيطها الإقليمي في الامريكتين.
لقد تسلل النموذج الأمريكي الى آسيا عندما شاركت أمريكا في تأسيس المنتدى الباسيفيكي الآسيوي للتعاون الاقتصادي (أبيك) وعندها صارت أمريكا بهذا المشروع المشابه لمشروع مارشال في أوروبا لاعباً رئيسياً في الشئون الآسيوية.
وفي الخليج قادت الولايات المتحدة الترتيبات الأمنية والتحالف الدولي المضاد للعراق في العام 1991م وهذه هي منطقة حيوية جداً بالنسبة للمصالح الأمريكية.
وفي شئونأوروبا نادت الجمهوريات السوفيتية السابقة الولايات المتحدة للتدخل لمصالحها لإقامة ترتيبات تعاونية بين هذه الدول وحلف شمال الأطلنطي مثل صيغة (شركاء من أجل السلام).
في المنظمات الدولية المالية كصندوق النقد والبنك الدوليين يعتبر الموقف الأمريكي أساسياً عند تقرير سياسات تلك المنظمات التي كان ميلادها بمبادرة أمريكية بحتة في مؤتمر برايتون وودز في العام 1944م.
إن شبكة العلاقات العالمية اليوم ليست كتلك إبان الإمبراطورية الرومانية مثلاً,, وقتها كانت أمم وشعوب العالم توضع على مدرج معين للقوة تحتل الدولة المهيمنة قوتها.
الآن,, اختلف الوضع في ظل (عالم العولمة) وبات لزاماً على كل من يريد الهيمنة احتلال قلب ومركز العلاقات العالمية لا قمتها,, ومن هذا الموقع يبدأ بث أساليب سيطرته بالحوار,, بالمساومات والتسويات وبالحرب,, إذا لزم الأمر وعلى أي نحو تكون الوسيلة,, فالعولمة والهيمنة العالمية ستبقى ذات مصدر واحد لصنع القرار هو (واشنطن دي سى) وقواعد اللعبة الدولية تتم صياغتها أو تعديلها وفقاً لرؤية البيت الأبيض.
وهكذا صارت واشنطن دي سي هي المرجعية لكل نموذج ديمقراطي ولم يبق أمام الراغب في التأثير على الموقف الأمريكي إلا اللعب وفق قواعد اللعبة الديمقراطية ذاتها بالتأثير على جماعات الضغط العرقية في الولايات المتحدة وهي جزء من النموذج الأمريكي ذاته ومن أمثلتها جماعات الضغط اليهودية واليونانية والأرمنية.
وهكذا فللهيمنة الأمريكية في ظل (العولمة) عدد من الملامح على أرض الواقع تحدد إطاراً لحدود الدور الأمريكي في عالم اليوم,, من هذه الملامح :
* نظام الأمن الجماعي بما في ذلك قيادة مشتركة لحلف شمال الأطلنطي.
* نظام تعاوني ذات طبيعة اقتصادية جماعية إقليمية مثل تجمعات /أبيك /نافتا/ وهي اتفاق دول أمريكا الشمالية للتجارة الحرة وكذلك الانخراط في منظمات ذات طابع دولي متخصص مثل البنك وصندوق النقد الدوليين ومنظمة التجارة العالمية.
* التأكد على جماعة المصادقة على قرارات كل تلك الكيانات والمنظمات حتى وإن كانت لا تعبر عن محتواها العام إلا عن الرغبة الأمريكية البحتة.
هذا النمط الأمريكي في قيادة الكون بدأت معالمه تتشكل خلال فترة الحرب الباردة في محاولة لاحتواء السوفييت وكان تطبيقه التجريبي متمثلاً في الدعوة للنظام الاقتصادي العالمي الجديد,, وهكذا كان النموذج جاهزا للتطبيق عندما تحين اللحظة المناسبة والتى تمثلت في انهيار الاتحاد السوفيتي وعندها وجدت امريكا ذاتها قوة عالمية وحيدة لتبدأ حقبة (العولمة).

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

منوعـات

الركن الخامس

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved