Wednesday 15th March,2000 G No.10030الطبعة الاولى الاربعاء 9 ,ذو الحجة 1420 العدد 10030



للحج جوانب اقتصادية
د, زيد بن محمد الرماني *

العبادات في الإسلام جانب مهم من جوانب الدين، تحمل في حقيقتها معانٍ كثيرة، وأخلاقيات حسنة، تعود على المسلم فرداً وجماعة بالخير.
وفريضة الحج ركن من أركان الاسلام الأساسية، والحج مؤتمر جامع للمسلمين قاطبة، وهو موسم عبادة وموسم تجارة، تصفو فيه النفوس والأرواح، وتُروّج فيها السلع والبضائع.
وأهداف الحج عظيمة، ومنها: امتثال أوامر الله تعالى، وتصفية النفوس من المعاصي، وتزكية الأرواح من الخبائث، وتطهير القلوب من الأحقاد، وهو فرصة لتبادل المنافع الاقتصادية والاجتماعية والانسانية، وجزاؤه الجنة.
قال تعالى: ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين آل عمران / 96.
فبيّن تعالى أن البيت الحرام بمكة المكرمة أول بيت وضع للناس وأشرف بيت جعل للعبادة، هدى للعالمين.
ثم قال سبحانه وتعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا آل عمران/ 97.
وقد أمر الله عز وجل عباده بأخذ الزاد الديني والدنيوي، فقال جل شأنه وتزودوا فإن خير الزاد التقوى البقرة/ 197.
قال العلماء: في الآية دعوة مؤكدة للتزود لسفر العبادة والمعاش، وزاده الطعام والشراب والمركب والمال، والتزوّد لسفر المعاد، وزاده تقوى الله تعالى.
إن في الآية دعوة صريحة إلى التزوّد في رحلة الحج، زاد الجسد وزاد الروح، اذ جاء التوجيه إلى الزاد بنوعيه، مع الايحاء بالتقوى زاد القلوب والأرواح.
وفي الآية دليل على معصية مَن لم يستصحب الزاد في السفر مع قدرته على ذلك، لتنتظم المصالح وتتحقق المقاصد.
وفي قوله تعالى ليشهدوا منافع لهم الحج 28، بيان لحكمة الأمر بالحج.
ولذا قال العلماء: والمنافع التي يشهدها الوافدون إلى بيت الله الحرام كثيرة ومتنوعة، تختلف حظوظ الناس منها، فهناك منافع روحية، تفيض من جلال المكان وروعته وبركته، وهناك منافع مادية تجارية، وهناك منافع أخروية، قال النسفي رحمه الله في تفسيره فالحاج إذا دخل البادية لا يتكل فيها إلا على عتاده، ولا يأكل إلا من زاده، فكذا المرء اذا خرج من شاطئ الحياة وركب بحر الوفاة، لا ينفع وحدته إلا ما سعى في معاشه لمعاده، ولا يؤنس وحشته إلا ما كان يأنس به من أولاده.
وهناك منافع اقتصادية عديدة، اذ يعتبر الحج مؤتمراً اسلامياً لحل مشكلات المسلمين الاقتصادية، وفرصة لعقد المؤتمرات والندوات في سبيل التوصل إلى تكامل وتنسيق اقتصادي مشترك بين الدول الاسلامية.
وفي الحج رواج اقتصادي للمسلمين، اذ يتسم موسم الحج بالرواج الاقتصادي لما يتطلبه من سلع وخدمات ومنتجات لازمة لأداء مناسك الحج، وكم من ملايين الريالات تنفق على وسائل الانتقال والسكنى وشراء المأكولات والمشروبات والملابس والذبائح.
ومن ثم، ففي موسم الحج تتجلى الدعوة الصادقة لتطبيق الاقتصاد الاسلامي بمبادئه وقواعده المثلى، من تطهير للمعاملات من الخبائث، وتجنّب للاسراف والتبذير والانفاق البذخي، وأكلِ لأموال الناس بالباطل.
خاصة وان التجارة والعمل وكسب العيش في أيام الحج مباحة بنص القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم البقرة 198.
قال العلماء: ان الشبهة كانت حاصلة في حرفة التجارة في الحج من وجوه، منها: ان الله تعالى منع الجدال، وفي التجارة جدال، وان التجارة كانت محرمة وقت الحج في دين أهل الجاهلية.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: لمّا أمر الله سبحانه بتنزيه الحج من الرفث والفسوق والجدال، رخص في التجارة، وهي من فضل الله.
وفي الآية السابقة البقرة 198 اشارة إلى أن ما يبتغيه الحاج من فضل الله، مما يعينه على قضاء حقه، ويكون فيه نصيب للمسلمين أو قوة للدين، هو مجهود، وما يطلبه لاستبقاء حظه أو لما فيه نصيب نفسه، هو معلول.
ولذا نزلت اباحة البيع والشراء والكراء في الحج، وسماها الله سبحانه ابتغاء من فضله ليشعر مَن يزاولها انه يبتغي من فضل الله، حين يتّجر وحين يعمل بأجر، وحين يطلب أسباب الرزق انه لا يرزق نفسه بعمله، وانما يطلب من فضل الله فيعطيه الله تعالى.
ومتى ما استقر في قلب الحاج احساس بانه يبتغي من فضل الله، وانه ينال من هذا الفضل حين يكسب وحين يحصل على رزقه من وراء الأسباب التي يتخذها للارتزاق، فهو اذن في حالة عبادة لله، لا تتنافى مع عبادة الحج، في الاتجاه إلى الله تعالى.
إن على التاجر ان يلتزم بآداب التجارة في الإسلام، لا سيما ان هذا فرض عين عليه في هذه المشاعر والمواقف، وليعلم ان الجالب مرزوق والمحتكر ملعون، وليعلم ان له الأجر من الله سبحانه، حيث قرّب للحجاج ما يحتاجون إليه، وجعله تحت سمعهم وبصرهم، وانه في هذا يسهم في قضاء حاجة المسلمين فيقضي الله حاجته.
فان اصطحب الحاج هذه المعاني السامية في تجارته في الحج، فانه ضمن ان شاء الله ان يكون مع الذين انعم الله عليهم والذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وأخيراً، فإن في موسم الحج فرصة للتعارف والتشاور، والتكافل والمواساة، وتنسيق الخطط وتوحيد القوى، وتبادل المنافع والمعارف والتجارب، فهل آن الأوان لذلك؟!!
*عضو هيئة التدريس بجامعة الامام محمد بن سعود
عضو الجمعية الدولية للاقتصاد الاسلامي
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

منوعـات

الركن الخامس

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved