نتابع معاً جولتنا وحديثنا حول آثار الدرعية,.
كنت أطوف بالغرف وأتأمل الزوايا والجدران وأتأمل وجوهاً كانت هناك,, وقامات طافت بهذه الأزقة الضيقة,, وأصواتاً اختلطت هنا ما بين صوت بائع ينادي وشيخ خرج من المسجد يذكر الله ويستغفر وصبية صغاراً حفاة يلعبون بفرح,, وهناك امرأة تتلفع بعباءة سوداء وتطرق أحد الأبواب.
وهنا شجرة سدر خضراء بقيت متألقة رغم ذهاب الأهل والأحبة جميعاً واحداً تلو الآخر,.
طوال الوقت كنت أشعر بنهر من الحنين الجارف ترتجف له أضلاعي,, وطوال الوقت يتناهى إلى سمعي صوت سامرية أجمل ما في فلكلورنا الشعبي ,, يتناهى إلى سمعي صوت رجل بعيد أضناه الوجد والشوق قائلاً:
السيل يا سدرة الغرمول يسقيك من مزنه هلّت الما عقربية يا طول ماجيت ساري في مراويك عجلٍ وأخاف القمر يظهر عليّا |
بمعنى: لطالما ركضت إليك متوجساً مشوقاً متأملاً إطلالتك,, أركض إلى لقائك على عجل قبل الغروب خشية غياب النهار وانسدال عتمة الليل حيث لم يكن هناك كهرباء في ذلك الحين .
أو تلك الكلمات القديمة المتجددة لخالد الفيصل:
في سحابه على متن التمنِّي شفت عمري خيالٍ في سحابه يا ذهابه تعدَّى ما ارجهنِّي كن عامه نهار يا ذهابه من هقا به يخيِّب كل ظني من هقا به واعذاب الخفوق اللي هقا به |
حتى يقول:
ردِّ بابه زماني وامتحنِّي ردِّ بابه يوم ثوَّر عجاجه ردِّ بابه يا ربابه على المسحوب غنِّي من قصيدي بقى قوس الربابه |
كلمات ليست بحاجة إلى تفسير,, بل هي تفسر نفسها من خلال صور ضوئية سريعة لامعة وابتسامة والتفاتة,,!
تذكرت رواية تركي الحمد أطياف الأزقة المهجورة بأجزائها الثلاثة: العدامة والشميسي والكراديب والتي شملت وصفاً جميلاً لتلك الحياة القديمة في الرياض مثل الشميسي وعسير ودخنة ومنفوحة، ووصفه لأسلوب الحياة التي كانت سائدة قديماً قبل ثلاثين وأربعين عاماً.
هي تلك الآثار الجميلة التي هي بحاجة إلى إحياء وتخليد بكافة الوسائل الممكنة، شعراً ورسماً وكتابة تاريخية توثيقية أو روائية أو مقالية حقيقة لابد من تخليد تلك الحياة البعيدة المضيئة للأجداد.
* أخيراً أقول:
وبما أننا في هذا المجال ورغم تواضع علمي بالآثار إلا أنني أتقدم ببعض الملاحظات التي لمستها هناك:
1 تطور الاهتمام بالآثار لدينا خلال السنوات الأخيرة.
2 عدم وجود حراس أو مرشدين سياحيين داخل الآثار أثناء الجولات السياحية.
3 تلك المباني والآثار أنشئت من الطين وهو معرّض كما هو معروف إلى التأثر السريع بالآثار الجوية وخصوصاً الأمطار الشديدة، فهل فكرت ادارة الآثار بطريقة مثلى لحماية هذه المواقع التاريخية التي لا تقدر بثمن والتي يصعب تعويضها.