عتب علي أحد القراء بخصوص مقال الأسبوع الماضي المعنون ماذا يحدث في صناعة الألبان؟ ، بقوله انني لم ابد رأيا محددا حول ما يحدث في الصناعة فأحببت ان اخصص مقال اليوم عن هذا الموضوع مرة اخرى.
أولا: انا ضد التدخل في أمور الصناعة بعقلية التحالفات المبرمجة التي تشرف عليها وتوجهها لجان من الوزارة المعنية او الغرف التجارية الصناعية مثل هذه التحالفات تؤسس في الصناعة لنظام كارتل فتهتز الصناعة عندما يختلف أعضاء التحالف او تنشب بينهم بسوس ماكرة او يقعون في مطب المصالح المتناقضة الى آخره وكان بودي ان يبحث منتجو الألبان بأنفسهم عن نقطة توازن جديدة وان تترك لآليات السوق قوتها وعنفوانها لتحديد مستويات الأسعار الملائمة للمنتجين صغارا وكبارا (وكل خلاصه في رأسه، كما يقال) والسوق ستعود للتوازن في وقت ما والبقاء للأفضل.
ثانيا: انا ضد استخدام المنافسة السعرية للضغط على صغار المنتجين لعدم معقولية هذا الاجراء حسب ظروف الصناعة خاصة لأن المنتجات غير نمطية والطلب غير مرن.
وهنا أجد من يخالفني خاصة في مسألة هل المنتجات نمطية ام قابلة للتمييز (Differentiation) والاختلاف؟,, في اعتقادي ان المنتجات قابلة للتمييز بالجودة والاسم والوفرة (لدى منافذ التوزيع) والخصائص الملموسة للمنتجات,, إلخ كما ان ارتباط السعر بالطلب مسألة فيها نظر.
من هذا المنطلق فإن جعل السعر كأهم عوامل التمييز ومحك المنافسة الأساس خطأ قاتل يقع فيه كبار المنتجين ولا اعتقد انهم يقصدون إثارة حروب أسعار بقدر ما كان تصرفهم جس نبض لردود أفعال صغار المنتجين والمفترض ان يبحث كبار المنتجين عن بدائل اخرى لترتيب اوضاع الصناعة ولمواجهة المشاكل التكتيكية والاستراتيجية بدلا من اللعب على حبال الاسعار المشتعلة والمهترئة.
ثالثا: باعتقادي ان كبار المنتجين يجب ان يرتبوا أولويات الصناعة بحيث تكون لعبة الأسعار في المرتبة الأخيرة، وعندما تبلغ المنافسة الحلقوم!! أما الترتيبات المفيدة الأخرى فهذه بعض منها:
1 معالجة الطلب وذلك بالعمل الجاد على زيادة معدل استهلاك الفرد للألبان والبحث عن اسواق جديدة وشرائح جديدة او متنحية من المستهلكين وتطوير منتجات لتواكب رغبات خاصة,, وغير ذلك.
وهنا يكون التحالف الحقيقي والصادق مطلوبا وبقوة للنجاح في رفع مستويات الطلب وتوسيع السوق وإتاحة المجال لسحب الكمية الفائضة من السوق وكذلك لإعطاء نفس استمرارية وروح حياة للصناعة على الدوام.
2 تطوير الصناعة عن طريق تطوير الممارسات التسويقية ومنافذ التوزيع وتطوير المنتجات وأساليب وطرق الوصول الى المستهلكين وغير ذلك,
وهنا يجدر بنا التنويه بالمنتجات الجديدة التي طورها بعض كبار المنتجين مؤخرا خاصة اللبن طويل الأجل, ونلاحظ ان في ذلك محاولة ذكية للتخلص من اكبر مشكلة تؤرق المنتجين في هذه الصناعة وهي مشكلة ان المنتجات سريعة التلف.
كما ان قيام بعض كبار المنتجين بتوثيق علاقاتهم وحضورهم مع الموزعين مؤخرا يصب في أمثلة التطوير والحركة المطلوبة من باب المنافسة الشريفة التي تجعل الأسعار في اسفل قائمة أولويات الحركة الاستراتيجية.
3 استغلال الفائض في صناعة منتجات أخرى لا تحمل صفة التلف السريع وهناك أمور أخرى مهمة وضرورية منها:
عدم الضغط التنافسي على المنتجات الحساسة في الصناعة مثل الألبان وذلك كأن يقوم كبار المنتجين بتنويع الانتاج والتركيز على مجالات تصنيع وتسويق الحليب طويل الأجل وغير ذلك.
4 وتأتي اخيرا مسألة (معالجة العرض) وتشمل محاولة شراء (ابتلاع) صغار المنتجين او اجبارهم على الخروج من الصناعة او تشجيعهم على الاندماج وخلافه, ويدخل في هذا الباب الضغط بالأسعار ورفع راية الحرب لتخويف الصغار واجبارهم على ترك الساحة وان كنت في الحقيقة اشك في نجاعة مثل هذه الأساليب ليس لارتفاع معوقات الخروج من الصناعة بقدر ما يأتي بسبب العناد الشخصي لدى غالبية المستثمرين الذين لا يرضون بالهزيمة ولا يهضمون التراجع والانسحاب بسهولة.
هذه بعض من الأفكار حول ما يدور في صناعة الألبان وهي اجتهاد مجتهد قد يصيب وقد يخطىء.
د, صنهات بدر العتيبي